الإشادة الدولية.. وماذا بعد؟!

 

حمود بن علي الطوقي

نحن في عُمان من أكثر الشعوب التي ترتاح عندما يشار إليها بالبنان وهذه الإشادة ليست مجاملة بل حقيقة وواقع، وأكثر ما غرس هذه الحقيقة ليصبح الإنسان العماني محل افتخار وتقدير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق أهل عمان عندما قال: "لو أنك أتيت أهل عمان ما سبوك وماضربوك".

الحقيقة التي نُقدسها نحن في عمان عندما يتناقل من غيرنا في إلصاق الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة ونسبها إلى أهل عمان دون سواهم من بني البشر، فنحن نعتز بهذه الشهادات ونعتبرها وساماً على صدورنا، ونشارك غيرنا في نقل هذه الشهادة وكلنا فخر واعتزاز لمن لا يعرفنا ومن يعرفنا ويكون الرد المتوقع والمنتظر منهم "نسأل الله أن يديم عليكم نعمة الأمن والأمان".

الأمر الآخر نحن أيضاً من أكثر الشعوب دفاعا عن وطننا وهويتنا ونتحول إلى أسود شرسة عندما يتطاول علينا بالقول والهمس واللمز، فنرفض رفضًا كل من سوّلت له نفسه ذكر ما يكرهنا ولن نسكت أبداً بل نحارب ونقاتل لكي ننفي هذه التهمة الحاقدة ونسترسل في دفاعنا بالحجة والبرهان لكي نوضح الحقيقة حتى يخضع الطرف الآخر ويعتذر علناً عما قاله عن أهل عمان الكرام.

نحن في عُمان نرتاح ونتفاخر عندما نرى اسم العماني ضمن المتميزين ونقرأ خبراً عن تربع سلطنة عمان ضمن قائمة الدول المتميزة، وننسى مشاكلنا الداخلية لكي نفرح بهذه الإشادة الدولية ونكتفي بأن نلقي كل مشاكلنا عرض الحائط مادامت بلادنا قد صنفت وأدرجت ضمن الدول المتميزة ونالت تقديرا متقدما ميزها عن بقية الدول.

آخر تقرير يتداول الآن وأسعدنا جميعًا خبر بثته قناة روسيا اليوم وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي: "سلطنة عمان الثالث عالمياً بعد فنلندا والنرويج في قائمة الدول الأعلى أمانا بمنتدى الاقتصاد العالمي".

تساءلت وأنا اقرأ هذه الإشادة التي حتمًا أثلجت صدري وكنت أتفاخر في نقلها ليتعرف غيرنا عن إنجازاتنا العمانية، كيف يمكننا أن نستفيد من هذه الإشادات الدولية التي تبث بين الفينة والأخرى لجعل السلطنة قبلة لجذب الاستثمارات الأجنبية ورفد قاطرة الاقتصاد، وتوجيه البوصلة باتجاه عمان.

هل نحتاج إلى الإشادة لمجرد أنها إشادة أم علينا أن نستغل هذه الإشادة الدولية ونبني عليها خططا وبرامج كفيلة بأن تجذب لنا المزيد من السمعة الدولية وتنعكس هذه السمعة إيجابا لتصبح عمان رقما مهما في المعادلة العالمية، وتحجز مقعدا مهما في الصفوف الأمامية.

نعلم جميعاً كمواطنين أن ما تحقق شيء يدعو إلى الفخر، فهل هذا يكفي أم علينا أن نوظف ما تحقق ليعود علينا بالنفع. فما فائدة الشهادة إذا بروزت وعلت حائطا ولم يتم الاستفادة منها.

نحن في عمان نعلم أننا حققنا تميزا على مختلف المستويات فعلى الصعيد السياسي كمثال لا الحصر، عملت السلطنة على معالجة خلافاتها بنوع من المرونة التي تجعل الوطن هو القاسم المشترك، ثم اعتمدت النهج الهادئ الذي لا يتدخل في شؤون الغير، استنادا إلى الدبلوماسية الهادئة الرامية إلى إحلال السلام وتغليب لغة الحوار، وتكريس مفهوم التكامل، وهذا تم بتدوين كبريات المؤسسات الصحفية العالمية، هذا على مدار عقود من الزمن.

نتساءل مرة أخرى كيف نستفيد من هذا الانفراد ونجعل من بلادنا محطة مهمة لجذب الاستثمارات الأجنبية؟ لأن العالم يثق بنا أكثر من ثقتنا بقدراتنا وسمعتنا تجاوزت الحدود لتصبح مدرسة مما جعل منها مستشارة سياسية للأزمات في العديد من دول العالم، استنادا إلى دبلوماسيتها التي رسم ملامحها جلالة السلطان قابوس بن سعيد- حفظه الله ورعاه-.

يجب علينا أن نستغل السمعة الطيبة للسلطنة على مختلف المستويات فعلى المستوى السياحي، فإن الله تعالى، قد حبا السلطنة بتنوع في التضاريس، وتناغم في المناخ.

وهذا يعكس قيام الكثير من الأفواج السياحية العالمية بالقدوم إلى السلطنة، وخاصة الأفواج البحرية، فضلاً عن السياحة العابرة للحدود، والسياحة الجوية، كله من أجل أن تحظى تلك الوفود بالرفاهية والدهشة البصريتين في السياحة العمانية، وهذا انعكس على حضور السلطنة في الصحافة العالمية.

على مستوى الثقافة فنعلم أن الثقافة، ليست مجرد مؤلفات في مختلف العلوم، إنما الثقافة في عمان هو سلوك سلام، بدا ذلك انعكاسا على مختلف المناشط التعريفية للسلطنة في عدد من بلدان العالم (الأسابيع الثقافية)، كما بدا من استضافتها للعديد من التظاهرات العالمية في السلطنة، للتعبير عن أشكال الخطابات الترويجية، بهدف تعزيز التبادل المعرفي والفكري والإنساني، لكونه خطابا حضاريا، ينعكس على طبيعة الصلات بين الشعوب، وهذا نقلته الصحافة العالمية كذلك، ناظرة إليه على أنه جسر وعي يكرس التبادل الضروري بين الدول والشعوب.

كما إننا في عمان لا نغفل الجانب التراثي، المادي والمعنوي، بما يحمله من مضامين دلالية ساطعة الوضوح، حول الجذر التاريخي الحضاري للسلطنة، وقد جعلت اليونيسكو محطة إعجاب كوني بهذا التراث العريق من خلال اعتماد بعض الفنون التقليدية والمباني ذات الوظائف المختلفة، واعتبارها من التراث العالمي، واضعة السلطنة، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، ضمن منظومة الدول التي لديها التميز بالخصوصية والتوغل في عمق التاريخ، هذا التميز يثير مجموعة من الأسئلة، حول ضرورة الاستفادة من الإشادة الدولية للمكون العماني وكيفية الاستفادة من الخطاب الإعلامي العالمي الذي يتناولنا في تقاريره بين الفينة والأخرى فالمرحلة السابقة حظيت باهتمام يتناسب مع طبيعة الانتشار، وهذا الوقت له أدواته، مما يدعونا إلى الدعوة للاستفادة من كل المنافذ الممكنة، للترويج للسلطنة عالميا، لتكون بلادنا كما وصفت قولا وفعلاً.

يجب علينا أن نستغل قاطرة الإعلام والصحافة لرصد وتوثيق كل ما هو مهم ليتعرف علينا العالم أجمع وأن عمان ستظل مشرقة على مدى الزمان.