هل انطفأ هذا الحُلم؟

عبد الله العليان

في 25 مايو 1981، تأسس مجلس التعاون، وكان هذا التأسيس بمثابة الحلم العربي في منطقة الخليج والجزيرة العربية، بعد أن انطفت أحلام عربية كثيرة منذ عقود طويلة، كانت الآمال كبيرة والتحديات عظيمة، لكن هذه الآمال تحطمت أمام نوازع عديدة، قدمت المصالح الضيقة على مصالح الأمة العليا، في الترابط والتماسك ووحدة المصير المشترك، وبرز مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أحلك الظروف.

وفي ظل المشكلات، لابد من وجود رابطة تجمع هذه الدول لمواجهة هذه الظروف والتحديات، كنت مع جيلي في ذلك العام التاريخي من عام 1981، نستعد لامتحان الثانوية العامة في مدينة صلاله في نفس هذا العام، وكان ميلاد هذا العام هاجساً مهمًّا في حياتنا من حيث الآمال والتطلعات في قيام منظومة خليجية وحدوية، تبدأ بالتكامل وتنتهي بالمواطنة الموحدة، وكاد هذا الحُلم أن ينسينا المذاكرة آنذاك من الفرح والسعادة بهذا الكيان الخليجي، مع أن الدراسة منعطف مهم في حياتنا التعليمية، لأهمية ميلاد هذه المؤسسة الخليجية الوليدة، حتى إن أول أمين عام لمجلس التعاون آنذاك عبدالله يعقوب بشارة، قال عن ميلاد هذا المجلس وتأسيسه: "مجلس التعاون هو كائن لا يستطيع أن ينتظر ولا يقدر على الجمود، خلق لكي ينمو، وهو كائن يكبر كل يوم، لا قيد على نموه، ولا حدود على حجمه، له بداية معروفة بدأت في 25 مايو 1981م، وإذا كانت بداية الميلاد معروفة فإن المسيرة لا نهائية".

والحقيقة أن هذا القول عزز الثقة عند شعوب دول مجلس التعاون، في تحقيق ما تصبو إليه المنطقة من تحقيق الأهداف التي جاءت في أول قمة بعد التأسيس في مدينة أبو ظبي 1981، من حيث توطيد الأركان في هذه المؤسسة، لتكون أول مجلس للتعاون العربي، يمشي في تدرج محسوب، مقارنة بمجالس عربية أخرى، قامت وانتهت في لمح البصر وخابت كل التوقعات، أما مجلس التعاون فقد زكاها أن الخطوات كانت هادئة ومتدرجة في الاتفاقيات، ولم تكن هناك قرارات تحرق المراحل، أو تقفز على الواقع ومساراته، وكانت هناك ملاحظات على تباطؤ الكثير من القرارات تجاه تطلعات المواطن الخليجي في تلبية الكثير من المطالب التي يراها جديرة بالاهتمام. ومع ذلك، فإن شعوب دول المجلس يهمها استمرار هذا المجلس ووحدته، والتدرج في هذه المطالب، يمكن أن تجد لها مبررات لأسباب كثيرة، المهم أن يستمر هذا الكيان الذي تخطى أكثر من ثلاثة عقود مضت دوت عثرات، وهذا ما عزز الثقة عند البعض أن المخاطر أصبحت بعيدة عن اهتزاز هذه المنظومة الخليجية، خاصة وأن عواصف سياسية كبيرة عصفت بالمنطقة، منها حرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية، بعد غزو الكويت، ثم غزو العراق واحتلاله، ومع ذلك بقى المجلس ثابتاً مع اختلاف بعض وجهات النظر في بعض القضايا العالقة خارج منظومته، لكن ما يهم المجلس ومواجهة ما يهدد وجوده الذي لا خلاف عليه.

وعندما نراجع الكلمات والتصريحات لبعض القادة، نجد أن هناك انفتاحاً واسعاً على تعدد الآراء واختلافاها، داخل هذه المنظومة، وهذا ما كان يعزز الثقة في تجاوز الخلافات التي لا تشكل إشكالية مخيفة لهذا المجلس، ونتذكر الكلمة التي ألقاها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- عندما كان وليًّا للعهد في القمة الثانية والعشرين بمسقط عام 2001، في كيفية التعامل مع الخلافات البينية، فقال في كلمته بهذه القمة التاريخية: "إن الوحدة الحقيقية لا تنصب على الشكليات، لكنها تقوم على مشاريع اقتصادية مشتركة تنتظم من أقصاها إلى أقصاها، وعلى مناهج دراسية واحدة تنتج جيلاً شاباً مؤهلاً للتعامل مع المتغيرات، وعلى قنوات عربية وإسلامية نستطيع عبرها معالجة مشاكلنا.. إن المشاكل أمر طبيعي حتى داخل الأسرة الواحدة، والتحدي الحقيقي لا يكمن في طلب المستحيل وتوقع اختفائها، ولكن يكمن في قدرتنا على إيجاد المؤسسات القادرة على التعامل مع الخلافات قبل أن تستفحل وعلى حل قبل أن تتفجر".

وعندما نقترب من شهر ديسمبر، من كل عام، ننتظر جديد هذه القمة الخليجية التي كان هذا مربطها هذا الشهر سنوياً لتنعقد، لعقود مضت، وكان الحديث الذي صرح به الأمين العام للمجلس الحالي، العام المنصرم، أن هناك خطوات لتطبيق التكامل، وقال ما نصه: "إن أمام قادة دول المجلس ملفات عديدة تشمل مختلف مجالات التعاون المشترك سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا، إضافة لتقارير العمل المشترك المرفوعة من المجلس الوزاري واللجان الوزارية المختصة والأمانة العامة. وشدد على أن الأوضاع الاقتصادية أحد أبرز التحديات التي تواجه المجلس، والتي أدت عند تأسيس المجلس إلى إقرار الاتفاقية الاقتصادية وإنشاء السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والعديد من الهيئات الاقتصادية الخليجية".

ومع بروز الخلاف بين الدول الرباعية وقطر، أصبح لا حديث عن انعقاد قمة، فضلاً عن تحديد توقيتها، وهذا ما جعل الجميع يشعر بالقلق من حصول انفراط عقد مجلس التعاون، بسبب الخلافات القائمة بينهما الذي للأسف لا يزال قائماً، وأن التحرك الكويتي لا يزال قائماً لرأب الصدع، لكن الأجواء لا تزال معتمة للاتفاق على انعقاد قمة لكافة الأعضاء؛ فالحفاظ على هذه المؤسسة في غاية الأهمية؛ لأن التجانس بينهما يشكل عرى هذا التعاون، والتفريط في هذه المؤسسة التي بقيت 38 عاما، ليست هينّة، والخلاف بين الدول قضية طبيعية، لا مفر منها، فقد تحصل، لكن الخلافات -كما تقول القاعدة الفقهية الشهيرة- "تقدر بقدرها"؛ فالخلاف قد يحصل حتى في الأسرة الواحدة، وفي الكيان الواحد، لكن لابد من إنهاء الخلاف وعودة المياه إلى مجاريها، وهذا ما نأمله؛ فالمهم أن يبقى هذا الكيان، بمؤسساته وأجهزته المختلفة، والآمال عند البعض لا تزال قائمة ببقاء هذا المجلس، وما حصل من خلاف لابد من انتهائه، بوسائل الحوار والتفاهم، لكن البعض يتشاءم من انفراط هذا الحلم الذي صعب التفريط فيه، بوصفه كياناً تم بناؤه لعقود طويلة، فلا يرغب أحد في أن تتبدد كل هذه الأحلام الوردية التي عاشت في قلوبنا ردحاً من الزمن.