مجلس التعاون الخليجي والممكنات المهدورة

علي المعشني

في مايو 1981م، أُعلن إشهار تكتل سياسي باسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقد شكل إعلانه ترحيبًا واسعًا من قبل الأوساط السياسية والفكرية والشعبية العربية، والخليجية على وجه الخصوص. ومرد هذا الترحيب التاريخي نابع من آلام الفرقة والشتات، والوهن والتمزيق، الذي عانته الأمة لقرون خلت، ورغبة صادقة من شرفاء الأمة في رؤية أنموذج تكاملي وحدوي إقليمي، أو حتى تميز ثنائي بين قطرين عربيين.

أقطار مجلس التعاون -وفق المعايير السياسية- يحكمها تجانس وتناغم سياسي واجتماعي واقتصادي إلى حد التكامل الطبيعي، وتجمعها عوامل التاريخ والجغرافيا، التي لها الحكم المطلق في إدارة دفة السياسة ومؤشرات المصالح، وتؤطرها الثوابت العربية الكبرى من دين ولغة وقومية ومصير مشترك.

لهذا؛ دفعت الحاجة وحدها وعوامل التاريخ والجغرافيا شعوب المنطقة وحكوماتها -قبل قيام تكتل المجلس- إلى التعاون الطوعي؛ كاستجابة طبيعية لكل مقومات الوحدة والتكامل ووشائج القربى ووحدة المصير، وتمثل ذلك في التنقل الحر للمواطنين بين أقطار الخليج والعمل والإقامة ومجانية العلاج والتعليم؛ فتشكلت النواة الأولى حينها بفعل تلك العوامل الطبيعية للمواطنة الخليجية الواحدة، وتلى هذه الخطوات حِراك رسمي نحو إنشاء عدد من الفعاليات والمشروعات المشتركة؛ ومنها: دورة كأس الخليج العربي لكرة القدم عام 1970م بجهد شعبي أطره وباركه الجهد الرسمي لاحقًا، وطيران الخليج وجامعة الخليج ومنظمة الخليج للاستشارات الصناعية واتحاد تليفزيونات الخليج ومركز الخليج للتراث والإنتاج البرامجي الخليجي المشترك.

بكل تأكيد، أن نشأة تلك الفعاليات والتجمعات الرياضية والاقتصادية التي أنتجتها الحاجات والضرورات الجغرافية والسياسية لم تكن لتتوقف، بل لتتسع وتكبر بطريقة عفوية وعقلانية بعيدًا عن التشنجات والمزايدات والنفعية الضيقة، والتي تسلح بها كيان مجلس التعاون، حين قام وأسهم بفاعلية في نسف أغلب تلك الجهود الطيبة وتسييس بعضها، فبدأت عوامل الفرقة تدب في المجلس وأقطاره بفعل التنافس غير البريء أو المتكافئ، وتغليب القُطرية الضيقة على مصلحة المنطقة وشعوبها وأقطارها. ففي حين كانت الجهود قبل نشأة المجلس تتجه للانفتاح على المكونات الإقليمية جميعها دون استثناء أو إقصاء، أتى المجلس ليشكل حواجز سياسية تغفل الجغرافيا والتاريخ المشترك للمنطقة؛ حيث كان فيما مضى التعاون مع العراق في جملة من المشروعات المشتركة، والانفتاح السياسي والاقتصادي على اليمن وإيران عبر العمالة والتجارة، عكس استعداء وإقصاء اليوم. حيث تنبه جيل الآباء المؤسِّسين إلى حتمية المصير للمنطقة، وأهمية النأي بالنفس عن الأحلاف والقضايا الشائكة الكبرى، وأهمية توسيع دائرة الأصدقاء، ومارسوها بدهاء للظفر بالاستقرار.

في السياسة وقواعد الدبلوماسية والعلاقات الدولية، هناك شيء اسمه "طلب تفسير"، ويرمي إلى طلب تفسير تتقدم به دولة ما، أو تكتل ما، أو تحالف لطرف آخر؛ لتفسير إقدامه على خطوة تصعيدية، أو مخالفة اتفاق أو عرف بصورة تبدو مستغربة وغير مفهومة أو مألوفة، والغريب أن هذا المبدأ لم تسلكه أي من أقطار الخليج تجاه بعضها للتخفيف من حدة الأزمات قبل تصعيدها، وتبرير السياسات وتفهم المواقف؛ فقد كانت البدائل هي البدائل العنفية والحملات الإعلامية وتحليل المواقف وفق مفاهيم البعض، وليس وفق المقصود وحقيقة المسعى؛ لهذا أوصلتنا التراكمات السلبية إلى طريق مسدود، وتوترات نفسية عالية، وفقدان كبير للثقة في جدوى مسيرة المجلس ومستقبله.

وضع المجلس اليوم لا يَسُر صديقا ولا عدوا؛ فقد أوصل نفسه إلى عنق الزجاجة، وسلك طريقَ اللا عودة، حين رهن وجوده ومستقبله ومكوناته بيد الغير، فأصبحت أمنيتنا اليوم هي أن يعود كل منا إلى قواعده سالمًا، وأن نقرأ الفاتحة على المجلس، ونطوي ملفه وسيرته؛ حفاظًا منا على ما تبقى من ود ووئام. فقد أهدر المجلس ممكنات لا حصر لها، رغم أن السبب الجذري لقيامه لم يكن نفعيًّا، بل لوظيفة بعينها، ورغم ذلك فمن يقرأ مواد النظام الأساسي للمجلس أدناه سيترحم بلاشك على تبخر الممكنات وزوال النعم التي لم نرعاها.

النطام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية

المادة الأولى:

- إنشاء المجلس: ينشأ بمقتضى هذا النظام مجلس يسمى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويشار إليه فيما بعد بمجلس التعاون.

المادة الرابعة:

- الأهداف: تتمثل أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يلي:

* تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولا لوحدتها.

* تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.

* وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الآتية: الشؤون الاقتصادية والمالية، والشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، والشؤون التعليمية والثقافية، والشؤون الاجتماعية والصحية، والشؤون الاعلامية والسياحية، والشؤون التشريعية والإدارية.

* دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية، وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها (انتهى). وبالشكر تدوم النعم.

---------------------------

قبل اللقاء: كانت أقطار الخليج -فيما مضى من الزمن- تخوض "غمار" السياسة بما يتناسب مع طموحها وقدراتها، ومكانتها الإقليمية والدولية، وفيما بعد خاضت بعضها "قمار" السياسة فرهنت مصائرها ومصير المنطقة، وكيان المجلس، بأيدي لاعبين كبار، وبقضايا شائكة متفجرة، لا ناقة لنا فيها ولا جمل، والنتيجة ما نراه اليوم من تحول أقطار خليجية بعينها من أطراف نائية بالنفس إلى أطراف حاضنة للمشكلات الملتهبة، التي يستحيل الانفكاك منها دون جراحات مؤلمة للغاية.

Ali95312606@gmail.com

الأكثر قراءة