رغبات مؤجَّلة

وفاء سالم – سلطنة عُمان


(1)
‏عيناك غابتا شعر
‏همسك كل ما تبقى من اللحن
‏فهل كثير عَلِيّ أَن أضم حضورك
‏وأبقى على شرفةِ قلبك فراشة
‏حتى مطلع الفجر..
(2)
كان الوقت يمشي ببطء
يتكىء على عصاه مع كل خطوة..
يتنهد بتعب
يمسح عرق جبينه كُلَّمَا تحرك عقرب الدقائق..
كان الوقت شبيهك
يمسك بالثواني العجلى بهدوء..
ويطوي ما تبقى من المسافة دون أن ترف أجفان الترقب لديه..
(3)
لا أُريدُ أن أبكي الآن ولا اليوم ولا في أي يومٍ آخر فرأسي بعيد وكتفك بعيدة عني..
كيف لهذا القلب أن يتحمل كل شيء؛ كيف أنه يتسع لكل شيء، يا الله ما الذي يحدث؟!
جسدي مصاب بالصداع وأصابعي ترتجف من وجعه..
وهذا العقل الذي يخذلنا حين نكون في حاجة ماسة إليه، كم هو صديق غير مخلص في لحظات الحاجة؛ تبًّا له..
هذا العقل أفلت يدي وقلبي معًا وتركني دون أن يآبه بي، كيف أغفر له خذلانه لي..
ثم إني كنت لوحدي اُرتب الأحجار واصفُّها بإتقان ليتمكن مَن يأتي بعدي من العبور بسلام ولكن حين سقطت الحجارة حولي وعليّ كان الجميع شاهدًا على نهاية تسببتُ بها..
لا شأن لي بما يحدث الآن
الملل الذي يتسلل ببطء ويتربع على عرش كل شيء، مزاجي العكر وعدم رغبتي في الحديث لأحد كلها أمور لا شأن لي بها
لقد ولدت معي رُبما منذ سنوات عشر أو رُبما استيقظتُ معها ذات حلم لم يفرغ مني بعد..
متى ستعفينا الحياة من الأسئلة التي لا إجابة لها..
ثم لماذا لا تجيبني وأنا التي خلقتك من بين أحرفها صديقًا لتكتظ بك؟..
أنا لا أتجاهل شيئا، لا أنت يا صديقي ولا الحياة؛ أنا فقط أتجاهل هذا الصندوق الأسود الذي يزداد سعة كلما سرق ورقة من أوراق أحلامنا..
أخاف أن تكون النهايات، كل النهايات لا تأتي رحيمة علي وأن أبقى كالعادة أُرمم الخيبات وأطلي جدران العمر كي لا تبقى لمن يأتون من بعدي باهتة..
على ماذا يمكن لي أن أستند الآن؟
الطرقات والمسافات التي قصرت أصبحت أكثر ضيقًا حتى إنها لا تتسع لخيط عرضه سم ليمر عبرها.. والعالم الذي أصبح قرية واحدة أصبح كومة دخان لا تنقشع..
الأمر أصبح موجعًا حقًّا أن أتخذ الكتابة دواء يوميا ولكنها رغم ذلك لا تشفيني؛ بل إنها تكون أشبه ببركة عميقة تبتلعك لأعمق نقطة يمكن للمرء تخيلها..
ثم يحدث أن تبدأ بالضحك وتدب أنفاس الطفولة بك وتشعر بأن هذه اللحظة دائمة وأنك غادرت كل شيء مقيت، مؤلم، قاتم وسيء لتتفاجأ بأن الضحك ما هو إلا كبوة الحظ والحياة لديك "ويالها من كبوة رائعة"..
لم يعد يخيفني الحزن ولا الأحداث السيئة التي تمر بي بقدر خوفي من أَن لا تتكرر كبوة الحظ والحياة لديّ..
(4)
وكانت تهتمي وخطيئتي أنت
وأنت الذي كنت الخجول بين أحرفي
يا صديقي ..
يا قطعة من قلبي
بأي العادات رُجم قلبي
وبأي الأعراف قُذف حرفي؟!..
يالهذا العمر يا محمد
يالخيبتنا به يا صديقي
نأتي للحياة بصرخة
ونعيش تفاصيلها بين حسرة ودهشة
...
لكنّا تجاوزنا مرحلة الدهشة
أنا تجاوزتها يا صديقي
لأبقيك بين أحرفي في "سلام"..

(5)
ستنهض قويًا
أعلم ذلك جيدًا
أنا أثقُ بك ..
كيف لا أثق فيمن جعلني أخطو بثقة..
ستمطر سماؤك عطرًا
تمامًا كالعطر الذي تحب..
وسترقص هذه المرة فرحًا
حبًّا
سرورًا وامتنانا
ستعلم بأنك "نعمة الله على الأرض"

(6)
أجل
أخاف عليّ مني
وأخاف الغياب الطويل
والطريق المعتم الذي غادره النور "أخافه"
والسماء الصافية التي تتوسطها الشمس "أخافها"
أخاف أن يأتيك الصباح فلا تعرف فيه مِن أنت!،.
أو أن تُحاصرك الأحلام فلا تجد لنفسك مخرجا منها..
...
أجل،
أخافُ عليك من قلقي وأمومتي
ومن جزع قلبك حين يصطدم بالوحدة طويلًا
ومن هذا الخراب العائم حولنا
ومن شر الحياة "فكن بخير لأجل مالم يكن"

(7)
‏أينك أنت؟!..
‏لماذا تركت شعور الغربة يغزوني
‏وفتحت المجال للغرق كي يمتصني
‏لماذا أتنفسك ولا تشعر بي؛ اُطبق جفن قلبي على ظلك..
‏لماذا أراني أنت وأخاف عليك مني ؟!..

(8)
‏في هذا الليل البارد
‏العاري من كل شيء "حتى منا" يا صديقي
‏ماذا نصنع؟
‏أجلس ها هنا أعدُ حروف اللغة التي أكتبُ بها إليك
‏وبين اللحظة والأخرى أُطمئنُ قلبي عليك وأدعو لك "أن ياربي احفظه واحرسه بعينك التي لا تنام"
‏في هذا الليل البارد استفيق لأدعو لك وادفيء شفتي  قلبي بالصلاة.

(9)
ولكني لم أطلب منك شيئًا ولم يأتيني شيئًا منك في المقابل
كنتُ أعلم بأني حين أُفكر في طلبِ شيء ما من أي شخص قد اُعرض نفسي لسقوط في بئرٍ من الأسئلة، ثم إن الأسئلة حين تبدأ تتوالد معها أسئلة عدة لن تجد أي جواب منصف أو مجزٍ..
محمد يا صديقي: قل لي أي شيء
أي شيء يجعلني أشعر بأن الحياة منصفة حقًّا وبأن الكلمات التي أكتبها لصديق لن يقرأها ولن يأتيني بردود لم تُدنس بعهر الأسئلة..
ماذا لو أَن وجوه النساء باقة ورّد يا مُحَمَّد؟
ماذا لو أنني كنت في حياةٍ سابقة وردةً غير قابلة للقطف
فقذفها رجل شرقي بحجر أسقط بتلاتها أرضًا؛
تخيل أَن تكون هذه بداية الوأد والقذف في البشرية....
إن الأمر جدًا مرهق يا محمد ومرهق أكثر حين تجد نفسك أمام نفسك فلا أنت منصفها ولا أنت لها منقذ..
محمد ..
أخاف إن التقيت بي أن تتشوه مثلي
تخيل جيب قلب تحيط به العناكب، كفًّا متعرجًا من الخدوش، وأصابع متقرحة..
الألم يشوهنا يا عزيزي يجعلنا أفلاكًا تائهة
والذاكرة تخوننا وتصبح أكثر غباء كلما تمطَّت من فم الأسئلة كما لو أنها تبحث عن جرح آخر تُحدثه فينا..
ياااه
لو أني التقيك حقًّا رُبما حينها ستفهم ماذا أعني بأنك صديق قلبي..
أتعلمُ؟ الكتابة ليست أمرًا صحيًا ولا هي غير ذلك
الكتابة انتفاضة من كل التراكمات التي تأخذنا معها يمنة ويسرة
هل سبق وعرفت شخصًا كتب وانجلت منه التراكمات؟..
بالطبع: لا
الكتابة كذلك نصنع بها كل شيء ولكنها لا تأتي لنا بالراحة التي نرجوها حقًّا ونحلم بها..
محمد يا صديقي:
اليوم صباحي بدأته باكرًا ويبدو أن الصباح اعتادني بعاداتي المتكررة معه
لكنني اليوم استيقظت ولديّ رغبة ألا اُحرك ساكنًا يسكنني،
ولديّ رغبة أن يحتويني حضن دافئ وتُلامس شعري أصابع حنونة
لديّ رغبة خشيت لها أن تكبر وتكبر فأسقط في فوهتها وحدي وأخرج منها وحدي،
لذلك نفضت كل الأمور التي انتابتني ونهضت من سريري لأضع جسدي تحت رحمة المياه الساخنة..
الثقل الذي يشل حركة قلبي ويخدر شفاهي والذي كلما ابتلعني قلت: إلهي إلهي يا حبيبي تعبت..
لكن لا شيء يتغير يا محمد، الأشياء تزداد جراحها حدة..
وأنا حُبلى يا صديقي بكل ما هو عسير..

تعليق عبر الفيس بوك