المتحدث الرسمي.. ضرورة ملحة

علي كفيتان

قبل عدة أشهر، تناولت مواقع التواصل الاجتماعي نية بعض الجهات تعيين ناطق رسمي، يظهر عندما تتطلب الحاجة، أو يكون له برنامج يصرح من خلاله بتوجهات جهته، وفق السياسات المرسومة، ويجيب عن أسئلة الصحفيين والمهتمين بالشأن الذي يعني جهته، وينقل ذلك اللقاء عبر وسائل الإعلام الرسمية من تليفزيون وإذاعة وصحافة...وغيرها من النوافذ الإعلامية، وبهذا يتم رفع الحرج وإبعاد التكهنات، وفي الوقت ذاته، يبعث بالمزيد من المصداقية للرأي العام المتلهِّف لمعرفة شؤونه الداخلية والخارجية، وتوجهات حكومته في مختلف القضايا، ولا يجعله فريسة للتسريبات غير الرسمية التي لا تمنحه الإجابات الشافية في أي قضية تشغل الشارع.

فلم يصبح مقبولاً انتظار الحدث حتى يتمدد طولاً وعرضاً بين أروقة الشائعات، ومن ثم يصرح معالي الوزير بالنفي أو التوضيح؛ فالوزير في أي وزارة له مشاغله، وكذلك الأمر بالنسبة لمجلس الشورى الذي يمثل صوت المجتمع أمام الحكومة، وينتظر منه الناس الكثير من المصداقية والشفافية؛ كونه منتخبا، وباستطاعته -وفق الوسائل القانونية الممنوحة له- إيجاد السبل لمعالجة أي أمر يهم الرأي العام. ومن هنا، تكمن أهمية هذا الكيان لا من خلال الجلسات السرية والتكتم غير المبرر على مضمون النقاشات التي تحدث تحت قبته.

لا يختلف اثنان على قانونية تقدير المجلس لعلنية جلساته أو سريتها، لكن يجب أن يكون هناك متحدث رسمي يخرج للناس ولوسائل الإعلام بعد كل جلسة، وينقل ما يرغب المجلس إظهاره للعامة، وبعد ذلك تكون أي تسريبات أو شائعات غير ذات قيمة، لكن وفق الموقف الحالي فإن الباب مشرع على مصراعيه لكل مجتهد أن يتنبأ، ولا شك أن تعطش المجتمع لمعرفة ما يجري سيجعلهم يتفاعلون مع تلك التنبؤات؛ كون كثير من الأمور التي يجري التحاور بشأنها تمس حياتهم اليومية.

لا مبرر لما رشح الأسبوع الماضي إلى مواقع التواصل الاجتماعي من تسريبات حول الجلسة السرية لمعالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية مع مجلس الشورى، سوى عدم وجود متحدث رسمي معتمد للمجلس، وبالتالي فإن الاجتهادات التي حاولت تبصير الرأي العام ببعض ما تم مناقشته وتلقفها الناس بنهم وتداولوها على نطاق واسع أمر عادي جدًّا؛ فموضوع الترقيات يهم الجميع، وموضوع تطبيق ضريبة القيمة المضافة ابتداء من بداية العام المقبل بالغ الأهمية كذلك، والتعرف على الوضع المالي للبلد شأن يهم الجميع. فالناس يحدوها الأمل في ظل ارتفاع أسعار النفط، وتدفقات الغاز الجديدة من حقل خزان أن تنفرج الأزمة لا أن تتعمق. وأتوقع -وأنا لست بشخص قانوني- أن من حاول إيجاد توضيحات للناس ليس مخالفاً للأنظمة، لكنه مجتهد؛ فإن أصاب فله أجران، وإن لم يصب فله أجر اجتهاده.

كما سبق في حادثة الجح وبقايا المبيدات التي شغلت الرأي العام قبل عدة أشهر، ونظراً لعدم وجود متحدث رسمي للوزارة المعنية، تفاقم الوضع في ظل صمت مطبق، جعل من الحادثة وجبة دسمة للنقاش، والاتهام بالتقصير، حتى ظهر الوزير وأزال بعض الغموض، لكن ظهوره كان متأخرا نسبياً، ودفع بمعاليه لاحقاً لنقاش عاصف مع مجلس الشورى، كان أقرب إلى جلسة جدلية غير مجدية؛ فبعض الأعضاء يطالبون بالتنحي؛ لأن الجح رُش بمبيدات كثيرة جعلته غير مرغوب في الأسواق المجاورة، ويضر بصحة من استهلكه داخل السلطنة، والوزير ينفي الأمر ويؤكد سلامة الجح العماني، وفي ظل ذلك النقاش الحاد اضطر الرجل مرغماً لسرد تاريخه المشرق في خدمة الوطن، وعِظم الثقة التي يحملها من ولي الأمر.

... إن سياسة النفي المطلق، وعدم الاعتراف بالأخطاء إن حدثت، والتكتم غير المبرر، لم تصبح مجدية في عالم اليوم؛ فلا ضير أن يعلم الناس أن الوضع المالي للبلد سيتعافى خلال السنة المقبلة، بعد أن مرت سنين عجاف، فيتم الإفراج عن الترقيات الموقوفة، ويتم دعم المحروقات لبعض الفئات المستحقة، ويتم إنفاذ بعض المشاريع الحيوية التي علقت؛ فيشعر المواطن بالفارق؛ فوقت الشدة يصبر ويحتسب، ووقت الرخاء يمنح بعض الامتيازات، وتعاد له بعض الحقوق التي تم تأجيلها أو اقتطاعها.

المتحدث الرسمي لا يقول إلا ما ترغب الجهة المختصة إيصاله للرأي العام، ويظل ذلك هو الموقف الرسمي المعلن الذي يجابه الشائعات والتكهنات، وأصبح حسب وجهة نظرنا ضرورة ملحة في عالم اليوم.

alikafetan@gmail.com