د. عبدالله باحجاج
عندما لا يعلم شاب بجرم سلوكه (أفعاله وأقواله)، ويتفاجأ في المحكمة بأن سلوكه يعاقب عليه القانون بالسجن والغرامة المالية معا، أو أحدهما؛ فكيف لم يصل القانون إليه؟ وعندما نشاهد الكثير من شبابنا يسلكون في حياتهم اليومية الاعتيادية نفس سلوك هذا الشاب، فهل يعلمون بالقانون أم يجهلونه؟ وهل ينبغي أن نتركهم حتى يتم الزج بهم في السجن؟
لن يعذر أحدا الجهل بالقانون أبدا، وعندما تصل القضية إلى المحكمة لن ينفع الندم في حينها، وستسجل سابقة يدفع ثمنها الإنسان طوال مسيرة حياته، فكيف لو كان شابا؟ ستلتصق الصفة الجرمية به. من هنا، ينبغي التوقف عند هذه القضية لدواعي رفع الوعي بها، ونتمنى أن تصل إلى كل شبابنا من الجنسين؛ لأنهما الفئة المعنية بهذا الوعي، ولأنهم الأكثر ممن يقعون في سلوكيات يومية تُصنف كجرائم مدنية وجزائية، وهم لا يعرفون الخطورة القانونية من نشر صورة لشخص أو عائلة دون إذن مُسبق منهم، وقد ينصدمون في المحاكم بالعقوبات المغلظة. وحدث لأحدهم مؤخرا عندما تسمر في مكانه بعدما أصدر القضاء حكما جزائيا بالسجن سنة وبغرامة 1000 ريال لشخص متهم بالاعتداء على الحياة الخاصة، بعد قيامه بتصوير امرأة بكاميرا هاتف دون علمها، وأرسل الصورة إلى صديقه عبر الواتساب، هذا الشاب لم يستوعب الحكم -نقلا عن أحد المحامين- فقد تسمر في مكانه، لهول المفاجأة؛ لأنه يعتقد أنه سلوك غير مجرم -وإن كان غير أخلاقي- ولم يكن في ثقافته، أنه أي هذا السلوك قد أصبح من أكبر القضايا المعاصرة التي تعجُّ بها المحاكم، ولم يعلم أن الحق في الصورة قد أصبح له ضمانات قانونية وقضائية رادعة وزاجرة، تدين فورا مثل هذه السلوكيات التي أدت بصاحبها الآن لأن يكون سجينا كبقية المجرمين لمدة سنة كاملة، مع تلك الغرامة المالية كتعويض مدني، وهو ما كان عليه أن يلوث سيرته بجريمة بهذه السهولة، وهو الآن يندب حظه داخل أربعة جدران دون أية تواصل أرضي ولا فضائي؛ لأنه كان ينبغي العلم على الأقل من المنظور الأخلاقي أن سلوكه مشين، ومدان اجتماعيا. وقد أحسن المشرع عندما لم يترك هذه القضية للضمائر، وعمل على تحصين الحق في الصورة بضمانات دستورية وقانونية وقضائية صارمة، والصورة تعد من أبرز الحقوق اللصيقة بالإنسان، وكل التشريعات العالمية بما فيها التشريع العماني قد عملت على حمايتها والدفاع عنها.
لن ندخل في إشكاليات الإذن الصريح والضمني لنشر الصور، وإنما الذي يعنينا هنا الجهل بالقانون؛ فالكثير من الناس لا يعرفون الخطورة القانونية من تصوير فرد أو عائلة وإعادة إرسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والجهل نفسه نجده كذلك في إعادة إرسال صورة لرسام أو مصور دون موافقته، وتتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون إذن صاحبها أو دون الاحتفاظ بحق ملكية صاحبها، ومكمن الخطر هنا أن الأطفال والشباب معظمهم -إن لم يكن كلهم- قد أصبحوا يمتلكون هواتف نقالة، وهى تكون معهم أينما يذهبون، وخاصية "السيلفي" تعمل معهم بصورة اعتيادية، وتوثيق الأمكنة دون مراعاة الحقوق الشخصية لمرتادي الأمكنة، مستباحة عندهم لجهلهم بالقانون.
هنا مكمن القلق المزدوج؛ قلق على الخصوصية الفردية والعائلية من جهة، وقلق على الخطورة القانونية المترتبة على التصوير وإعادة إرسالها في ظل الجهل بالقانون.
ويعاني مجتمع النساء كذلك من نفس الظاهرة، وبالذات في الأعراس؛ حيث تكون عمليات التصوير بالهواتف النقالة، وتداولها في المواقع العائلية والشخصية عبر التواصل الاجتماعي خاصة الواتساب والفيسبوك شائعة بوعي وبدون وعي؛ مما قد تدخل التداعيات فيه لما هو أكبر من الجريمة المترتبة على الحق في الصورة، إلى الابتزاز الإلكتروني. فهناك حالات كثيرة، يُستغل فيها أصحابها أبشع استغلال، تحت جشع وطمع المال، مقابل التهديد بنشر الصور التي تكشف أدق خصوصيات المرأة أو الأسرة، ومثل هذه القضايا غير منظورة، والكثير منها يتم معالجتها بسرية؛ أي انصياعا للابتزاز مخافة التشهير.
هل يعلم شبابنا عقوبات نشر صورة فرد -ذكرا كان أو أنثى- أو عائلة في وسائل التواصل الاجتماعي دون إذن مسبق من أصحابها؟ سنحتكم هنا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتحديدا المادة (16) التي تعد أكثر المواد انتصارا للحق في الصورة خاصة، والحق في الخصوصية عامة؛ حيث تنص بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن ألف ريال، ولا تزيد على 5 آلاف أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدم شبكة المعلومات أو وسائل تقنية المعلومات كالهواتف النقالة المزودة بآلة تصوير في الاعتداء على حرية الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد؛ وذلك بالتقاط صور أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئية تتصل بها، ولو كانت صحيحة، أو في التعدي على الغير بالسب والقذف.
وفي قضية الشاب "المتسمر"، يبدو أن القاضي قد أخذ بأخف العقوبات، ربما كونها أول سابقة لصاحبه، وربما يكون وراءه عامل السن، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال العقوبات الواردة في نص المادة (16) سالفة الذكر، كما أنها -أي المادة- لا تستهدف حماية الحق في الصور للفرد والعائلة فقط، وإنما كذلك سمعتهم التي قد تنتهك بالتسجيلات الصوتية أو بالسب والقذف؛ من خلال شبكة المعلومات كالإنترنت أو وسائل التقنية الحديثة كالهواتف، وأقصى عقوبتها السجن خمس سنوات كعقوبة جزائية، وخمسة آلاف ريال كعقوبة مدنية؛ للتعويض المالي عن الضرر الذي لحق بسمعة الفرد أو العائلة، والتشريع العماني شأنه شأن بقية التشريعات العربية والعالمية التي تعمل على حماية الحق في الصورة خاصة، وحق الحياة الخاصة عامة.
وترد استثناءات ضيقة على الحق في الصورة أو الحياة الخاصة -بمعنى يجوز نشر الصورة دون إذن- لدواعي الأمن الداخلي والخارجي، وهذا ليس موضوعنا- كما قد يرد استثناءات على الحق في الصورة، وهى كذلك ضيقة، كالشخصيات المعنوية العامة، كالمشاهير مثلا، وحتى هذا الاستثناء عليه قيود -ليست موضعنا كذلك- والحق في الصورة كما تعرفه الكثير من التشريعات هو ذلك الاستئثار الذي يتيح للشخص منع غيره أن يرسمه أو يلتقط له صورة دون إذن منه صريح أو ضمني، وما يستتبع ذلك من حقه في الاعتراض على نشر صورته على الجمهور.
وهكذا يُعطي القانون الحق للفرد والعائلة أن تحافظ على خصوصيتها، وأمكنة تواجدها؛ مما يستوجب الحذر كل الحذر عند القيام بعملية التصوير عبر تلكم الوسائل وإعادة نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لو كان التصوير ذاتيًّا عبر السيلفي مثلا، وتعرض له فرد أو عائلة بصورة بارزة؛ فالقانون يكون دائما مع الغير حماية لخصوصيتهم.
ومن هنا، لن يكون أحد بعيدا عن المسؤولية القانونية في حال انتهاكها للحق في الصورة، وهذا ما دفع بنا إلى فتح هذا الملف لرفع الوعي القانوني بهذا النوع من الحقوق الغائبة عن الثقافة العامة، بعد ما لمسنا فيها طرقا سهلة قد تؤدي بالكثير من شبابنا إلى السجن لا قدر الله.
فهل وصلت رسالتنا إلى الشباب خاصة؟!