السلطان الثامن.. الرؤية والرسالة والمنهج

طارق الصابريّ – سلطنة عُمان


في ١٨ نوفمبر ١٩٤٠م ، ولد السلطان قابوس بن سعيد في مدينة صلالة في محافظة ظفار، جنوب سلطنة عمان، التي تبعد حوالي ١٠٠٠ كيلو متر من العاصمة مسقط.
إنّ حُب الذات ليس أنانية.. انطلاقا من قاعدة (أحبوا أنفسكم لترشدكم إلى حب العالم من حولكم)، (أحبوا ذواتكم لتقودكم إلى حب الإنسانيّة جمعاء)، وهي وصيّة إسلامية في جذورها، فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضي اللهُ عَنهُ  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى " قَالُوا:" يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟!" قَالَ :"هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ " وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }". (رواه أبوداود 3060 والبيهقي في الشعب 8714).. وقد أحب سلطاننا ذاته منذ نشأته وأتصور أنه اختلى بها وحيدا وتحدث معها وغالبا ما كان ذلك الحديث بصوت عالٍ وأعلن لنفسه عن الأمور الباطنية بداخله والتي كانت مجرد أفكار عابرة حينها، وكبُر معه حب الذات لنفسه فكان من الواجب عليه أن يتحاور معها ويتقبل ذاته، ولكن الفريد والمميز بذلك أنه أحب ذاته بالإطار المعتدل الذي جعله لم ولن يتعدى على ذوات الآخرين.
وحيث إن ذلك لا يحدث في مجتمعاتنا كثيرًا آنذاك ومع ذلك كان سلطاننا يمتلك الثقة الحقيقة بالنفس وأعيد بين قوسين بـ (الإطار المعتدل)، بذلك أصبحت لديه الإمكانيات والخبرة الكافية التي تجعله يخوض التجربة الحقيقة والفعلية بالرغم من الظروف المحيطة والضغوطات المصاحبة والتعايش معها بذاك الزمان واستخدام العقل بحكمته والاستفادة من كل التجارب التي حوله والسابق عهدها فكانت تلك أول الخطوات الصحيحة في التخطيط والعمل على تحديث السلطنة.
متيقناً مولانا - حفظه الله - أن كل تلك الظروف الظاهرة أمامه مهما كانت مستقرة وخاملة قابلة للتغيير الجذري بطريقة إيجابية وهزيمة كل ظرف سيئ.
ومنذ أن تولى السلطان الثامن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم تقاليد حكم البلاد سنة ١٩٧٠م، وكان من أصغر الزعماء العرب سناً آنذاك وسارع جاهداً إلى أمرين مهمين أولها توحيدها داخلياً، وثانياً توطيد علاقات السلطنة بالدول العربية والغربية حتى يخرجها من ظلمتها وعزلتها.
فأصبح جل اهتماماته أن يترجم تلك الأفكار المعتدلة برؤية مستقبلية صافية لتغيير مسار دولة وشعب وجعل منهما ملجأً ومُستقرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيًا، وإنتهج مولانا أطال الله بعمره منهجين أساسيين في قيادته الحكيمة الحياد في القضايا الإقليمية والدولية، والحفاظ بعلاقات الصداقة مع الدول العربية ودول العالم عامة.
واليوم وبحكم أن سلطنتنا تتميز بموقعها الجغرافي وتاريخها العريق وسلطانها وقائدها والأب الروحي لنا، ندرس منهجاً راسخاً أسميناه (رؤية السلطان الثامن) يحثنا على التعايش بين العوالم التي تتزايد به التعقيدات والعمل على التحاور باللغة المشتركة والتفاعل معها في جميع الأمكنة والأزمنه.
وها نحن على قرابة اكتمال العقد الخامس من توليه قيادة السلطنة، نشهد كشعب أولا ويشهد له العالم أجمع بسعيه ونجاحاته في قايدته المستنيرة الممزوجة بالحب والتسامح والتحديث وتقبل وجهات النظر دون المساس بالعادات والتقاليد.

تعليق عبر الفيس بوك