المسابقات بيئة تنافسيّة لاكتشاف الموهوبين

أ.د/ أسامة إبراهيم – أستاذ علم نفس الإبداع – جامعة سوهاج


تعد المسابقات أحد أفضل الطرق الإثرائية للتعرف على الطلاب الموهوبين، من خلال ما توفره لهم من فرص للتنافس ليبرهنوا على مواهبهم الخاصة. فالمسابقات تضع مواهب الطلاب على المحك وتسمح لهم بالحصول على الاعتراف والتقدير. وفي واقع الأمر، تقوم المسابقات بوظيفة مزدوجة: فهي تساعد على اكتشاف المواهب الاستثنائية الخاصة في مجالات محددة، وفي نفس الوقت توفر لهم فرصاً لتطوير مواهبهم.
هناك من الباحثين من يُفضل التعرف على الطلاب الموهوبين من خلال الإنجاز أو الأداء الاستثنائي أكثر من استخدام مقاييس القدرات العامة. ويُشير الانجاز إلى مستويات الأداء الرائعة من الإنتاجية، والأداء المتميز في المهام الأكاديمية. ويشمل  مثل هذا المنحى المسابقات والأولمبيادات، وهي مسابقات أكاديمية في فروع متنوعة من المعرفة، وهي تُستخدم في دول عديدة وعلى نطاق واسع. وقد دعا العديد من الباحثين إلى استخدام القياسات الموضوعية للإنجاز عند الأطفال (مثل الفوز في معارض العلوم) والقياسات الموضوعية للتفوق عند البالغين (مثل الإنتاجية الاستثنائية في حقل معين) للحكم على موهبة الطلاب.
وتقام المسابقات على مستويات على مستويات مختلفة: من مستوى المدرسة إلى مستوى المناطق أو الدولة وصولا إلى المستوى العالمي. كما يمكن أن تصمم ليشارك فيها الطلاب بصورة فردية أو بصورة جماعية في مجال عديدة مثل الرياضيات والعلوم، واللغات الأجنبية، والعلوم الاجتماعية والرياضة والفنون، وفي جميع المراحل (من رياض الأطفال للمرحلة الثانوية).
تعمل المسابقات الدولية (الاولمبياد) في التخصصات المدرسية المختلفة، ومهرجانات فنون الأطفال وإبداعاتهم، والفعاليات الأخرى للكشف عن مواهب اليافعين. وتنظّم عمليات الاختيار للمشاركة في هذه المسابقات على مستوى الدولة، وتتألف من خطوات متعددة تمر عبر مستويات مختلفة في المدرسة والمقاطعة والمنطقة. ويشارك الفائزون في المنافسات على مستوى المنطقة، وفي جولة أخرى يتنافس الفائزون على مستوى الدولة أيضا ضمن فريق وطني على مستوى البلد يمثلون الدولة على مستوى الأولمبياد العالمي.
تسعى هذه المسابقات إلى الاحتفاء بالتميز والاعتراف به، وفي نفس الوقت تعمل على تطوير قدرات الطلاب ومواهبهم. وبمراجعة الأفعال المستعملة في وصف أهداف المسابقات، يلاحظ أن الأهداف الموضوعة تتضمن كلمات: التشجيع، والمكافأة، والدعم، والاعتراف، والتعزيز والتكريم، والتحفيز، والاكتشاف، والاختبار.
وتعمل المسابقات بناءً على خمس افتراضات هي:
(1)    يحتاج الطلاب الموهوبين إلى اكتشافهم مبكرا، وعليه يظهر التميز في مرحلة المراهقة ويتعين تنميته والاحتفاء به.
(2)    المسابقات ضرورية لسد فجوة افتقار المدارس إلى خبرات المناهج المتمايزة الخاصة بالموهوبين. وعليه، يتحقق التميز من خلال تمايز المحتوى والعمليات والمنتجات التي يمارسها الطلاب.
(3)    سوف تستقطب المسابقات الطلاب الموهوبين ويحفزهم على تطوير إمكاناتهم.
(4)    سوف تحفز المسابقات النمو المبكر للمواهب، مما يساعد على اكتشاف الموهوبين ومساعدتهم على الوصول إلى مستويات عالية من التميز
(5)    عندما تتطور المواهب، يتوقع أن تسهم في خدمة المجتمع وارتقائه.
وتفترض المسابقات أن التميز يمكن تحقيقه، وهو أمر مرغوب فيه، وتعترف المسابقات بالتميز وتطوره، لذا فإن المسابقات يمكنها المساعدة على امتصاص أي عداء من الجمهور تجاه الأطفال الموهوبين وإضفاء المشروعية على تقديم الخدمات المناسبة لهم. وقد أكد عديد من الباحثين أن المسابقات يمكن أن ترتقي بالصورة العامة للموهوبين وبرامجهم التعليمية.
وتتمثل المخرجات الناجحة للمسابقات في ما يسميه الرياضيون تميزا في الأداء، لكن المسابقات تزود الطلاب أيضا بفرصة تطوير صفات التميز الشخصية. ويتطلب التميز الشخصي من المتسابقين التركيز ليس فقط على الجائزة، بل على العملية Process أيضاً، حيث يعد كيفية أداء المتسابق مقياسا على التميز لا يقل أهمية من الفوز ذاته. وعلى الرغم من أن الفوز بالجائزة يمثل الهدف الأسمى، لكن يتعين أن توجيه الطلاب والمعلمين إلى فكرة أن المشاركة في حد ذاتها يمثل فوزاً.
ويتعلم الطلاب أيضا من خلال المسابقات التعامل مع الاختلافات من خلال الوجود في بيئة تنافسية، مع الدعم الكافي والكفاح نحو التميز وتقبل الفشل والإحباط، وتعرف مكاناتهم، ويمنح الطلاب المتنافسون الفرص لاختبار طعم التحديات التي تواجه العامل في كل يوم. علاوة على ذلك يمكن ، يمكن أن يكتسب الطلاب المنافع التالية:
(1)    الرضا من خلال تحديد الأهداف وإدارتها.
(2)    تعزيز التعلم الموجه ذاتيا والاستقلالية، ومهارات العمل الجماعي، والفهم الشخص والاجتماعي.
(3)    فرص العمل مع الآخرين من ذوي القدرات المماثلة وتبادل الأفكار والتمتع بالتحديات الجديدة.
(4)    تعلم كيفية تحديد معايير التميز وتقويمها
وقد استنتج الباحثون أن المسابقات يمكنها أن تخدم بوصفها شعلة تحفيزية لتطور المواهب، كما أوصوا بالمسابقات من أجل الفتيات بوصفها وسائل لتعزيز المساواة بين الجنسين في العلوم والرياضيات. وفي دراسات تحليلية، قرَّر أغلب الطلاب الذين شاركوا في المسابقات أن إنجازاتهم ومواهبهم قد تعززت من خلال مشاركتهم في المسابقات، وأن المسابقات ساعدتهم على زيادة وعيهم بالفرص التعليمية والوظيفية. وبالنسبة لكثير من هؤلاء الطلاب، فقد أكدت مشاركتهم في المسابقات على مواهبهم وإمكاناتهم، وساعدتهم بصورة موضوعية على فهم إمكاناتهم المميزة.
ويمكن للمسابقات أيضاً أن تخدم كوسائل لإكساب الطلاب التعلم المنظم ذاتيا والذي يجعل الطلاب أكثر مسئولية في تخطيط مواهبهم وتحقيقها. أيضا يمكن زيادة مهارات الدراسة والعمل من خلال المشاركة. وتتضمن هذه المهارات التي تساعد المسابقات على اكتسابها ما يلي: إدارة الوقت، والاتجاهات، والالتزام بالمواعيد، التخطيط، وتحمل المسئولية. ويمكن للمسابقات أن تعزز اهتمامات الطلاب بإتاحة الفرص أمامهم للاستفادة من الاهتمامات الخاصة بهم وتشكيل اهتمامات جديدة.
في اللقاء القادم سوف نتعرف على عدد من تجارب الدول في مجال المسابقات... يتبع

تعليق عبر الفيس بوك