ثلاثية التلاحم: عمان.. قابوس.. نوفمبر

حمود الطوقي

يعد الاحتفال بالعيد الوطني المجيد في 18 نوفمبر من كل عام، والذي تحل ذكراه الـ47 هذا العام، فرصة للتأمل والتقاط الأنفاس، والنظر إلى الصورة الكلية للسلطنة بعيدا عن الجزئيات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك، خصوصا على الصعيد الاقتصادي الذي يهم الكثيرين، مع الوضع في الاعتبار أن الوضع الاقتصادي لأي بلد يلامس ويتصل بشكل مباشر بالوضع السياسي والأمني، وهما -والحمد لله- مستقران تماما في نهج سياسة جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله- الحكيمة، والتي تنتهج سياسة السلام وحسن الجوار مع دول العالم ودول الجوار، وسياسة حكيمة تسلك طرق عدم التورط في الصراعات الإقليمية والدولية والسعي حثيثا لوأدها، وانعكس هذا كله على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني في السلطنة "صفر" في الإرهاب كما تؤكد التقارير الدولية، وهو ما نلمسه جميعا على أرض الواقع.

وقراءة متأنية للوضع الاقتصادي للسلطنة في ذكري العيد الوطني المجيد الـ47 في ظل الأزمة الاقتصادية، فإنه يُتطلب منا النظر للصورة الكلية للحالة الاقتصادية، دون التركيز على جزء وترك الآخر، كما هي الحال في النظر للكوب المملوء نصفه بالماء، حيث يرى المتفائل أن الكوب مملوء بالماء، بينما يرى المتشائم أنه فارغ نصفه، والحقيقة أن نصف الكوب مملوء بالماء لا أكثر ولا أقل.

الحقيقة الثابتة أنه ورغم فداحة الأزمة الاقتصادية في السلطنة، إلا أن الصورة ليست قاتمة، فهي مجرد أزمة عابرة ستنتهي يوما ما، كما جاءت أزمات قبلها وتجىء أزمات بعدها أيضا؛ فهي دورات اقتصادية يعرفها العالم كله وليست وليدة اللحظة، كل ما في الأمر أننا مررنا بمثلها وتوقعنا تكرارها، ولكن لم نتحسب أو نستعد لها جيدا، والأزمة لا تقتصر على السلطنة فقط، بل هي أزمة عالمية تبدو الدول المنتجة للنفط الأكثر تضررا منها، ويتلخص سببها الرئيس في زيادة إنتاج النفط، لرغبة أوبك والدول المنتجة للنفط في إخراج شركات النفط الصخري الأمريكية من سوق النفط العالمي، والتي تتكلف 40-45 دولارا لاستخراج برميل النفط الواحد، وكلما زاد المعروض من النفط تتكبد خسائر فادحة وتخرج من السوق؛ لذا تعكف تلك الشركات على ابتكار تقنيات تقلل تكلفة استخراج النفط للعودة للمنافسه في سوق النفط العالمي، وعلى كل حال يبدو الوضع الاقتصادي للسلطنة مطمئنا، رغم فداحة الأزمة واستمرارها منذ العام 2014، وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أن هناك ضوءا في نهاية النفق، وسوف تتحسن الأوضاع خلال الأعوام المقبلة، وأهم تلك المؤشرات الآتي:

أحرزت السلطنة تقدماً ملموساً في الأداء اللوجستي للعام 2016، بتحقيقها المركز 48 عالميًا، والـ4 عربيا، مقارنة بالعام 2014 الذي حققت فيه المركز الـ59؛ وذلك وفق مؤشر البنك الدولي للأداء اللوجستي، وهو ما يعكس تفاؤلا بشأن أهداف السلطنة الإستراتيجية والرامية لتحقيق المركز الثلاثين عالميا عام 2020 والعاشر عام 2040. وتؤكد الإحصائيات أن إجمالي احتياطي مخزون الغاز في السلطنة، يبلغ 59.4 تريليون متر مكعب تم إنتاج حوالي 20% منه، وبخلاف ما تستكشفه الشركة البريطانية "بي.بي" في السلطنة، تبلغ كمية الغاز المنتجة 12 تريليون قدم مكعب، بينما يبلغ الاحتياطي المؤكد حوالي 30 تريليون قدم مكعب. وتعمل شركة النفط البريطانية في المربع 64 في حقل خزان، وتستثمر في مساحة تعوم على خزان من الغاز يصل إلى 7 تريليونات قدم مكعب، وتسعى الشركة لاستكشاف مناطق إنتاج جديدة من الغاز الطبيعي، (IGU) وتعد السلطنة ضمن أكبر عشر دول مصدرة للغاز الطبيعي المسال عام 2017، حيث بلغت صادرات السلطنة من الغاز 8.1 مليون طن، وحصتها من السوق حوالي 3.1%. وحول مشاريع النفط والغاز المستقبلية بالسلطنة

أشادت مؤسسة "أكسفورد بيزنيس جروب" الدولية ومقرها لندن، بالإجراءات التي اتخذتها السلطنة لتشجيع الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل. وقالت في تقرير حديث إن الحكومة اتخذت في العام 2016 إجراءات لجعل السلطنة مقصدا استثماريا أكثر جاذبية من خلال الخدمات الإلكترونية للمحطة الواحدة، عبر بوابة "استثمر بسهولة"، والتي تجمع 76 خدمة حكومية مختلفة عبر منطقة إلكترونية واحدة، وأتت هذه المبادرة بثمارها؛ حيث ارتفع تصنيف السلطنة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال للعام 2017 الذي أصدره البنك الدولي 3 مراكز لتحصل على المركز 66 عالميا، وقفزت 127 مركزا في مؤشر بدء النشاط التجاري، لتحصل على المركز 32 عالميا، وهي أعلى مرتبة في الشرق الأوسط.

ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي للسلطنة بنسبة 2.9%، 3.7% خلال العامين المقبلين 2018 و2019 على التوالي، وهكذا يبدو أن العيد الوطني المجيد يحمل معه بشائر الخير للسلطنة.