من أوجاع العمّه

...
...
...

شعر: سعيد شحاتة - مصر

 

(1)
- العمّة: عارف..  عارفه يا بتّ..
عارفين يا قاعدين جنبي تتاوبوا...
الصبح شكله ماجاش من امبارح...
وانا كلّ صُبح باقوم اسلّم ع السما بإيدي...
حفظت زوايا الكون مواعيدي...
بأزرع جناين روحي بالحِنّه..
وادعي لحبايب قلبي في الجنّه..
كان والدي دايمًا ينصح اخواتي
ويقول لهم بالليل بصوت واطي..
اسمع يا واد..
إياك تكون غير البطل في الحرب أو في السّلم أو ف الحلم...
لا تطاطي راسك للعدا ولا ترضى بالظلم ف أراضي الغير...
ولا تنسحب من دير ولا جامع...
الكلّ سامع خطوتك وانت اللي مش سامع خطاوي المغرمين بالدمّ..
الهمّ همّك والعدو بيتغمّ من شدّة رباطة جأش أعداؤه...
خلّيك أشدّ من الحديد بالإيد.. وأصلب من عيدان الصُّلب
قلب المقاتل عندي ما اسموش قلب...
قلب المقاتل عندي طيّاره...
تدخل بكلّ قواها في الغاره
تخلق حضاره وترفع العمدان...
(2)
سامحينا يا بنت الديوان..
..................
كان والدي سوط بيروّض الجدعان
ويدوس على القلب الجبان زيّ اللي بيدوس بالقدم فوق ورده دبلانه...
ويقول بصوت جاحد:
ما تموتش غير في المعركه واقف على حيلك...

..........................  
قايد لخلق الله قناديلك
رامي ورا ضهرك هلاهيلك...
شايل على كتافك عياييلك...
نافر... صهيلك هازز الجبروت...
اعدل عمامتك واوعى تتاخر
وإيّاك في لحظه تخاف هناك م الموت...
الموت حليف الخوّافين المهزومين، المجبرين ع السّيف..
مش للي واخدين المعارك كِيف..
خليك مدد للمحرومين ومداد
خليك ما بينهم في الوجع إنشاد
خليك عتد وعتاد
يمكن حياتك كلها
........  تطلع في آخر كادر تسجيل اعتراض
(3)
سامحينا يا عمّه..
..................
الصبح شكله ماجاش...
وانا قاعده صوتي من الوجع متحاش...
مش عارفه ألمّ اللمّه واضحك وسطكم يا ولاد..
بيني وبينكم مش دول وبلاد...
بيني وبينكم زاد وزوّاد واحتشاد وعباد...
كان نفسي أقول حدّوته للأحفاد وأطبطب ع البنات بشويش واهنّنهم..
وافصل ما بينهم في الخلاف بالهَمس
وارسم ملامح يومي بعيونكم أشعّة شمس..
وانفض غبار الأمس من فوق جتتي وافرح بلمّتكم
يا اجواز بناتي... نوّروا بيوتكم
وابقوا ادعوا نص الليل لعمّتكم
واتذكروا قعدتنا بالخير واحكوا للي ماجوش...
فرحانه بالأحفاد وقعدتهم...
زعلانه ع اللي انا لسّه ما عرفتوش...
كان نفسي... لكن بكره مالحقتوش
(4)
سامحينا يـا عمّه ..
..................
ريحة قلوبكم حلوه وانتو بتضحكوا ف وشّي
أنا قلبي ما يطيقش المنَشّي ويعشق البحبوح...
هيّ الحياه تنفع تكون غير روح؟
وانا عايزه ايه غير ضحكه من ارواحكم الطاهره
ملعون ابو الدنيا..
الدنيا حاجه ضئيله مش ظاهره
بس انتو شايفينها بطريقه وانا بطريقه وشكل ما تشوفهوش..
اصل انتو لسّه عيدان ما جرّبتوش..
امّا أنا... شجره
عشت الحياه من أولّ السطر لنهاية صفحة الإملا..
خضت التجارب كلّها كامله...
وطلعت منها كأنّي كنت شعاع مَرَق من غير أثر...
والقلب قاوح واتكسر واتقام...
واتقام وقاوح واتكسر تاني
كان اسمي إيه...
كان اسمي حاجه جميله في عيون ريّس البحر الكبير..
كان اسمي أجمل منّي بلسانكم..
كان الرضا منكم قليله كتير..
وانا كنت راضيه وحامده ومسالمه..
وف كلّ مرّه باروح باعود سالمه..
لكنّي شايفه الصبح مش واضح،
قلقانه زيّ ما اكون بدأت اشتاق لكم
بس الطريق ما يساعش
الرُّوحه فيه دايمًا بلا عوده
والعمّه راضيه بحالها ومهاوده..
(5)
سامحينا يـا عمّه ..
..................
العمّه راضيه وماشيه مضطرّه...
العمّه داخله وكلّكم برّه...
العمّه حرّه من البدن والموت..
من قبضة القابضين على الملكوت..
من قهرة القوت والمرض والصّمْت..
خليكوا نايمين... في انتظار الجاي
امّا انا... فـ انا قمت
شفت اللي أبدانكم هنا مستغرباه...
وعرفت ليه طعم الحياه على أرضكم حامض...
ما تفسّروش السرّ بالمعقول...
السرّ غامض والمدد موصول...
والعقل مش مُدرك..
العقل فوق الأرض زَرْدِة طين...
وعشان كده ضيّق...
والصدر رغم براحه بيزيّق...
أمّا هنا... فالرؤيه مفتوحه...
والنيّه لو كدّابه مفضوحه...
والكلمه مش مسموحه غير للموجودين
إحنا هنا بنقدّس الأسرار
وانتم هناك بتصلّوا للقوانين...
وبتقتلوا الياسمين على عيدانه...
الأرض كائن قلبه فِ ودانه...
وعنيه في كفّ الريح..
يطلع يصيبها العمى ويضلّها المصابيح..
وتتوه ورا الفرسان...
فيتاجروا بيها ف ساحة العميان...
الدنيا زيّ الأرض ف طباعها الغريبه وقلبها الجاحد..
تاخد غرضها وتهمل الواحد كأنه مافيش..
تاخد ولا تدّيش..
تاخد حياتنا كأنّها بقشيش زبون فيّيس..
والدي قابلني هناك بشَلْق سريس...
وكأنّي لسّه صغيّره ورايحوله شايله غداه في كيس اخضر...
وامّي خدتني معاها للبندر...
وانا ماشيه باتغندر ما بينهم زيّ طفله لا خلّفت ولا سلّفت أيامها للغير واكتفت بالعيشه والهدمه...
(6)
سامحينا يـا عمّه..
..................
اللقمه ويّاكم صحيح كان طعمها يشرح صدور المكتومين ويشدّ أبدانهم...
بس الحياه مع والدتي ووالدي دليل على صدق معدنهم...
أمّا انتو لسّاكم هناك... شايلين حمول الوهم فوق الروس..
روحكم حبيسه وقلبكم محبوس...
والسوس بينخر في الضماير زيّ ما بينخر في عضم مراكب العايشين وبيسموا الحياه بين البيوت الضيّقه تباريح، وبيغنوا الهموم تفاريح...
قولي صريح قدام جميع الميّتين أحياء...
قولي كما قال شاعري الهجّاء...
استرجلي يا بنت روحي الصاحيه قدّام الزمن بدراعك المتعافي واتقامي كما اتقام الجمل في الحَرّ.. واتحامي بمقام الشاعر الواقف أمام الصولجان يصرخ في وشّ الظلم بالكرابيج...
الدنيا عركه كبيره مش تهريج...
دوسي على الخراريج بإيد ما تخافش قولة آه ولا تهاب الحياه، واتوضي بالنور والبحور السبعه... واتغطي بملامح قلب هذا المحترم، واتقامي ما توطّيش...
لسّه المعاني الضيّقه أوسع من الراس اللي مش محتاجه تستوعب...
لسّه البراح في القلب يشبه للبراح في الكوكب المفتوح لكلّ المشتاقين لمواكب الرؤيه...
لسّه الزوايا ف ساحة الفردوس بتستنى الضعاف يستقووا ويقيموا الصلا ويقوموا كالدراويش...
يا بنت روحي لحلمكم غطيان...
قلبي لوجعكم قمح ورغيف عيش...
يا بنت سيالتي اللي فيها كتير قوي وكُلّ الكتير ع الأرض ما بيكفيش...
فما تسمحيش للورد يحني دماغه قدّام العواصف، واسمحي لروحك تصدّ الريح إذا الريح انطلق من بقّ وَحْش مغارة الجبل البعيد المحمي بصحابه...
رصّوا الكلام الحِلو في كتابه..
واتداروا من ريح بكره بتيابه...
واتبخّروا بالمسك والتبشير...
ولا ترسموش الحلم بالطباشير...
الحلم لازم يترسم بالدمّ...
بالمشي فوق الجمر والمسامير...
(7)
سامحينا يا امّ القلب ترنيمة حرير ..
..................
جرّبت واتغرّبت يا أحشائي من جوّه
يا عضم جسمي اللي فضل منّي
جرّبت بس اشتدت النوّه
وحبايبي بعد البُعد طالبينّي...
يرضيكم اكسف قلب أبويا وفرحة امّي وضحكة الريّس وارواح الصغار اللي اتحرمت ف دنيتي من مِسك ضمّتهم
أولادي... شيلة بطني... أيّامي اللي غطّيتهم...
.... وحبلت بيهم لمّا ودّيتهم...
يرضيكم اكسف قلبي واكسر شوقه للتانيين...
لو كان هنا غاليين... هناك غاليين...
والموت ما بيفرّقش بين وما بين
الكلّ رايح... والجميع جايين
فما تبخلوش على بعض بالفرحه
وان متّوا موتُمْ زيّنا واقفين..
الدنيا إيه غير جسم جاي من طين... وراح للطّين...

تعليق عبر الفيس بوك