الشباب.. ثروة عمان الحقيقية

 

د. حفيظة البراشدية

حقيقة مهمة يجب أن ينظر إليها صناع القرار في عُماننا الحبيبة وهي أنّ شباب السلطنة هم الثروة البديلة للثروة النفطية، وهم رأس المال البشري الذي يمكن أن يعول عليه للنهوض بالاقتصاد الوطني في الفترة الاقتصادية القادمة. حيث يشكل الشباب العماني ما نسبته 23.7% من إجمالي العمانيين.

إن الفترة القادمة هي الفترة الذهبية لشباب المجتمع العماني، حيث ستبدأ هذه النسبة بالانخفاض تدريجيا ليتجه المجتمع نحو الكهولة. وهذا التغير في التركيبة السكانية ناتج عن انخفاض معدلات الخصوبة لدى المرأة العمانية، إذا تناقص هذا المعدل من ستة أطفال في منتصف التسعينيات إلى 3.2 طفل عام 2010، ليصل إلى أقل من ثلاثة أطفال (2.9) طفل وفقا للمسح العنقودي الأخير الذي قام به المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عام 2014. ويعزو المختصون هذا التناقص في معدل خصوبة المرأة العمانية نظرا لزيادة تعلم المرأة العمانية، وخروجها للعمل فضلا عن عوامل بيئية واجتماعية مختلفة.

وبغض النظر عن الأسباب، فإنّ هناك حقيقة ماثلة ويجب عدم تجاهلها، وهي أنّ العصر الذهبي للثروة النفطية قد ولّى وراح. الأمر الذي يزيد من ضرورة الاستفادة من الثروة الشبابية الحالية، والتي ستحدث الفرق بإذن الله، وإذا ما نظرنا للدول التي تقدمت بفضل رأس مالها البشري فقط نجد سنغافورة والتي تندرج ضمن الدول الفقيرة بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن، ولكنها استطاعت أن تضع نفسها في مصاف الدول المتقدمة من جميع النواحي، وأصبحت مركزا ماليا ولوجستيا عالميا، وذلك بفضل الصناعات التكنولوجية التي برع فيها الشباب، وهكذا زاد دخل الفرد 140 ضعفا خلال 50 سنة فقط، وأصبحت سنغافورة ضمن النمور الاقتصادية الآسيوية الأربعة مع كوريا الجنوبية، وتايوان، وهونج كونج.

وسأركز هنا على أربعة جوانب مهمة فيما يتعلق بتفعيل الاستفادة من الثروة الشبابية العمانية وهي:

أولا: أن شبابنا العماني شباب طموح وفاعل ويحتاج فقط لمن يعطيهم الثقة والفرصة، ولن يكون ذلك إلا من خلال توفير فرص العمل الملائمة لهم، أو تسهيل تمويل مشاريعهم الريادية.

ثانيا: لابد من الاستثمار الأمثل للطاقات الشبابية والاستفادة من مواهبهم وطاقاتهم المتجددة؛ لذلك يجب أن يتم التركيز في الفترة القادمة على التوجيه المهني للشباب بالشكل الصحيح عبر اكتشاف هذه المواهب، وتوجيهها للوظائف المناسبة وليس الوظائف المتوفرة.

ثالثا: لابد من ضخ الدماء الشابة في مختلف المؤسسات والقطاعات الاقتصادية، والصعود بهم للمناصب القيادية العليا في تلك المؤسسات، وتحديدا في القطاع الخاص، وإذا ما تم تعمين القيادات العليا فيه فسوف تحل العديد من مشكلات التوظيف في القطاع الخاص.

رابعا: إحلال الشباب العماني محل العمالة الوافدة في جميع الوظائف الممكنة، من خلال فرض القوانين الملزمة لشركات لقطاع الخاص بالتعمين الفعلي للوظائف التي يوجد بها باحثين عن عمل من العمانيين.

وفي رأيي يجب ألا يترك الشباب ينتظرون الفرص الوظيفية إلى أن يطغى عليهم الكسل وتتقادم معلوماتهم، يجب أن يتم الأخذ بأيدهم واستيعابهم بالكامل في مختلف المؤسسات كمتدربين على الأقل بحيث تستثمر طاقاتهم وقدراتهم وتتطور ويتم اكتشافها. وعبر هذا التدريب يكتسبون الخبرة والثقة والعلاقات العامة التي تمكنهم من بدء بمشروعاتهم الريادية الخاصة، سواء بشكل فردي أو على شكل فرق ومجموعات. وهنا أطرح مجرد اقتراح: لماذا لا يتم فرض تدريب إلزامي على جميع الباحثين عن عمل خاصة الخريجين الجدد؟

إنّ مولانا - حفظه الله ورعاه- هو أكبر داعم للشباب العماني، ولعلّ أوامره الأخيرة بتوفير 25 ألف فرصة وظيفية للباحثين عن عمل خير دليل على ذلك. وهنا يبقى الدور على المسؤولين لمتابعة ما بدأ به، وإيجاد الحلول لتوظيف الشباب وتمويل مشاريعهم الريادية، وجعلها أول أولويات اهتمامهم، لكونها السبيل للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتنويع مصادره.

لدينا ثروة بشرية ذات جودة عالية تحسدنا عليها الكثير من الدول، فهل سنستفيد منها قبل فوات الأوان؟!

 

  • اختصاصية بحث وإحصاء بمجلس البحث العلمي

تعليق عبر الفيس بوك