الصيرفة الإسلامية كمنتج فكري إسلامي

د. راشد البلوشي

* أستاذ اللغويات المساعد بجامعة السلطان قابوس

يُقر المسلمون بأن الإسلام دين كل الأماكن والأزمنة؛ لذلك فإن الهدف الأسمى من جميع الأحكام والتشريعات الإسلامية، وكذلك من النتاج الفكري الإسلامي، هو أن يقدم الإسلام الخيار الأفضل للإنسانية في كل شأن من شؤون الحياة، مقارنة بجميع النظم الأخرى (رأسمالي، اشتراكي، شيوعي، بوذي، هندوسي...). وهذا يحتم أن تكون الصيرفة الإسلامية الخيار الأفضل ليس للمسلمين فقط، وإنما كذلك لغير المسلمين. وبتعبير آخر، يجب أن تكون مبادئ وقوانين الصيرفة الإسلامية ونتائجها للمقترضين أفضل من الصيرفة التقليدية، وذلك حتى يقدم الفكر الإسلامي للإنسانية مثالا من نتاجه الفكري يدل على أنّ الإسلام وكل ما أتى به يمثل أفضل المناهج لأنه الرسالة الخاتمة من الخالق العالم بما يصلح الأمر في الدين والدنيا، حتى في نظام الصيرفة، والذي يعتبر منتجا فكريا غربيا.

لذلك؛ فإننا نهيب بالقائمين على نظام الصيرفة الإسلامية أن يعيدوا النظر في التكلفة المادية للنظام المصرفي الإسلامي؛ حيث إنهم بمبادرتهم خلقوا خياراً أفضل لأمر الآخرة، ولكن يمكنهم أيضاً أن يجعلوا هذا الخيار أفضل لأمر الدنيا، من خلال تقليل التكلفة المادية (مقارنة بالتعامل المصرفي التقليدي). فكما استحقوا أجر المبادرة عن طريق إيجاد بديل للنظام المصرفي التقليدي (الربوي)، فإنهم مأجورون بإذن الله إذا ما أعادوا النظر فيما يخص التكلفة المادية، خصوصا تلك المتعلقة بالقروض السكنية؛ بهدف أن تكون على الأقل أقل بقليل من الفوائد المدفوعة من خلال النظام المصرفي التقليدي، وذلك من أجل أن يجذب النظام المصرفي الإسلامي جميع المسلمين الموجودين في السلطنة وليس فقط المتدينين والقادرين منهم. والهدف الآخر الأسمى هو أن يقدم الإسلام من خلال النظام المصرفي المبتكر خياراً أفضل للإنسانية، وحلاً يؤكد على أن مفكري الإسلام لا يمكن إلا أن يأتوا بما يؤكد على تفوق هذا الدين على ما سواه.  

وبتعبير آخر، فإنه لا يجب أن يكون الخيار الإسلامي "اختباراً" لدرجة تدين العمانيين (والمسلمين عموما)، ولكن "عوناً" لهم على التدين، وكذلك دعاية حقيقية، بل "دعوة صادقة" لهذا الدين بجميع مبادئه ونتاجاته الفكرية. لذلك لا يجب علينا، كمسلمين مفكرين، أن ننشغل بتفاصيل الكسب الدنيوي المحدود عن الهدف الأسمى من وجودنا وهو عبادة الله بحق والدعوة إليه بصدق. فبدون هذه الإجراءات التجديدية الإضافية (تقليل ربح البنك الإسلامي ليكون أقل من فائدة البنك التقليدي)، فإنه من السهل جداً تصوير نظام الصيرفة الإسلامية على أنه اختراع يستغل مشاعر المسلمين الدينية وحبهم لله وخوفهم منه، وبأنه يحقق مكتسباته على حساب تدينهم وقوة صلتهم بالله ورغبتهم في التقرب إليه، حتى لو اضطروا للتضحية بالمال، بما أن طلب الجنة حُفَّ بالمكاره. (وهذا ليس اتهاماً، لا سمح الله، وإنما هو قراءة في فكر الآخر الذي كان ولا يزال يختلق الثغرات ويتصيد العثرات لهذا الدين وأهله حتى يُظهره أو يُفسرِّه على أسوأ صورة. ولكن واجبنا تجاه هذا الدين وكل ما يُنسب إليه يظل دائماً هو أن نظهره على حقيقته، وهي أنه سرُ صلاحِ الأمرِ في الدارين).

وبما أن الغرب يقدس الحياة الدنيا والمادة، فإن هذه ليست طريقة فعّالة أبداً لتسويق أي منتج إسلامي في الغرب. والإضرار بالمصالح الدنيوية للناس أيضاً يتنافى مع روح الإسلام (ونحن نقرُّ بأنه ليس الغرض من اختراع نظام الصيرفة الإسلامية)، فكلنا يعلم أن روح الإسلام تدل على أنه دين الاعتدال، دين ينشد الصلاح للناس في الدنيا والآخرة. ففي فقه الميراث في الإسلام مثلاً شرع الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وهو تشريع أراد الله به صلاح أمر الدنيا، وذلك لأن الذكر هو من يكون مسؤولا مالياً عن الأنثى (سواء كانت بنتاً، أو زوجةً، أو أختاً، أو أمًّا)، لذلك وجب أن يكون نصيبه مثل نصيب الأنثيين. وكذلك شرع الله الزواج وحرم سائر العلاقات الجنسية الأخرى (الموجودة في المجتمع الغربي) ليس فقط لأنه السبيل إلى الجنة (وهذا من شأن الآخرة)، بل أيضاً من أجل صلاح الحياة الدنيا (وقاية من الأمراض، وصوناً للأعراض، وحفظاً للأنساب، وحماية للعلاقات الاجتماعية من مشاكل التعدي على الأعراض). وفي كفارة الأيمان أيضاً قدّم الله إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة (وهذه من مصالح الخلق الدنيوية) على صيام ثلاثة أيام.

وإن كان لا بد للفرق (بين ما يُدفع وما يُؤخذ) في حالة الخيار الإسلامي من أن يكون أقل من الفرق في حالة الخيار التقليدي في الخارج (لغير المسلمين)، مدللين بذلك على سماحة الإسلام ويسره، وبأن الغرض من خيار الصيرفة الإسلامية ليس الكسب فقط، وإنما قضاء حاجات الخلق أيضاً، إعانة لهم على أمر الدنيا، فإنه من الأوْلى أن يحصل المسلمون على هذا الامتياز، من باب "الأقربون أولى بالمعروف".

تعليق عبر الفيس بوك