د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المساعد جامعة السلطان قابوس
يتساءل الكثيرون عن ضرورة تسويق منتج الصيرفة الإسلامية خارج بلاد المسلمين. ونقول لهؤلاء بأن ذلك ضروري جداً إذا كنا جادّين في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. لقد أُمرنا كمسلمين أن ندعو لهذا الدين بكل الوسائل والطرق وبكل سلوكياتنا وتعاملاتنا وكذلك نتاجنا الفكري، وهذه من أمور الدنيا، وليس فقط من خلال كونه الخَيار الأفضل في الآخرة. بمعنى أنه لا يجب أن نقول للأمم الأخرى "اعتنقوا الإسلام لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان دخول الجنة في الآخرة" وإنما "اعتنقوا الإسلام لأن هذا هو الخيار الأفضل للدنيا والآخرة معاً" مع ضرورة إثبات ذلك بكل ما أوتينا من وسائل. لأنه إذا تمكنا من إثبات أن منهجنا هو الأفضل للدنيا فإن ذلك سيكون أفضل دليل على أنه الافضل للآخرة أيضاً. ولكن الحقيقة هي أننا أصبحنا من أكثر الأمم استهلاكاً للنتاج الفكري والتكنولوجي من الأمم الأخرى، مما دلّل على أننا لسنا أمة تتعلم وتعمل وتنتج بجد (أي أننا لسنا جادين بخصوص تحسين الحياة الدنيا) وإنّما أمّة تعتمد على منتجات الآخرين في الحياة المدنية، من سيارات وهواتف وحواسيب وإنترنت وغيرها.
ولذلك وجب أن يتميز الاختراع المصرفي الإسلامي عن الاختراع المصرفي الغربي بما يجعله الخيار الأفضل ليس للمسلمين فقط وإنما لغير المسلمين أيضاً. وإذا كان النظام المصرفي مبنياً على التعاملات المالية، فإنه يمكن جعل النظام المصرفي الإسلامي أفضل من الخيار الغربي (التقليدي) إذا نجحنا في جعل الفرق بين ما يأخذه الزبون من البنك وما يدفعه للبنك أقل. فإذا كان ما يدفعه المقترض للبنك الإسلامي (على سبيل الربح) مساويا لما يدفعه للبنك التقليدي (على سبيل الفائدة) فإن هذا كفيل بأن يعطي النظام المصرفي الإسلامي ميزة وأفضلية عند المسلمين. ولكن إذا كان الفرق أقل في حالة المصارف الإسلامية، فإنّ هذا يعطي نظامنا الإسلامي أفضلية مقارنة بالنظام المصرفي التقليدي في جميع أنحاء العالم. وبذلك يكون النظام المصرفي الإسلامي الخيار الأفضل ليس من وجهة نظر الآخرة فقط، بل أيضاً من وجهة نظر الدنيا، أي أنه يصبح الخيار الأفضل للدنيا والآخرة معاً، وبذلك يمكن تسويقه وبسهولة في جميع أنحاء العالم.
وذلك لأنّ الدين الإسلامي بجميع أحكامه وشرائعه ومبادئه لم يُبعث به المصطفى (عليه الصلاة والسلام) ليكون خيراً في الآخرة فقط، وإنما كذلك في الحياة الدنيا، كي يقيم الله به الدليل والحجة على أنّ الإسلام هو الدين الذي لا يصلح الأمر (في الدنيا وفي الآخرة) إلا به. فمن حِكَم فرض الصلوات الخمس أن يظل المسلم دائم الاتصال بخالقه الذي خلقه وعلم ما يصلح شأنه في كل أمره، حيث إنّ الصلوات الخمس توفر فرصة للمخلوق لكي يُعرض على الخالق لكي يصلح فساده ويقوم اعوجاجه ويضمن قدرته على أمور الدين والدنيا. (فهب أنّ جهازاً دائم العمل يُعرض على صانعه أو مصممه خمس مرات في اليوم لكي يفحصه ويقدم له الصيانة اللازمة لكي يعمل بكفاءة عالية، لا شك أنّ هذا أدعى أن يقي هذا الجهاز من الأعطال، والكلام هنا للشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله-) ورغّب جلت قدرته المسلمين في النوافل وقيام الليل لكي يمنحهم نافذة من الوقت لكي يناجوا الله ويسألوه حاجاتهم، وهذا من أمر الدنيا. ومن حِكَم فرض الصيام والترغيب فيه هو أنه طريقة لإراحة الجهاز الهضمي والجسم عموماً من هضم الأكل ومعالجته، أي أنه صحة، وهذا من أمر الدنيا. (ثبت مؤخراً أن الصيام يومين في الأسبوع يساعد على المحافظة على شباب الخلايا وتحسين الصحة عموماً وكذلك إطالة العمر.) و من حِكَم فرض الزكاة والترغيب في الصدقة هي أنهما يطهران مال المسلم من كل ما اكتسبه من غير وجه حق وبدون قصد، كالوصول إلى مقر العمل متأخراً أو مغادرة مقر العمل مبكراً أو القيام بالأعمال الخاصة خلال وقت الوظيفة. (وكذلك تمثل الزكاة والصدقة حصناً للمسلم من الحسد والحقد من الفقراء). ومن فوائد الحج كذلك أنه رحلة إلى الله تعالى (وهذا من أمر الآخرة) ولكن إحدى نتائجه العظيمة هي من أمر الدنيا، وهي أنّ السكن والطواف في مكة المكرمة، وهي مركز كوكب الأرض (وربما الكون كله) يساعد على إفراغ الجسم من الطاقة السلبية (والتي يمكن أن تتحول إلى أمراض عضوية إذا لم تعالج) لأن مركز الأرض يجذب الشحنات السالبة الموجودة في الجسم، لذلك فإنّ من يداومون على زيارة البيت الحرام هم من أفضل الناس صحةً. وهذا يؤكد ضرورة تسويق نظام الصيرفة الإسلامية على أنه الأفضل للآخرة وكذلك للحياة الدنيا.