الصيرفة الإسلامية ومفهوم التنافسية

 

د. راشد بن علي البلوشي

أستاذ اللغويات المساعد- جامعة السلطان قابوس

شهدت السلطنة خلال العقد الحالي افتتاح بعض البنوك الإسلامية وكذلك افتتاح فروع (نوافذ) صيرفة إسلامية لبعض البنوك التقليدية. وطبعًا نتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى القائمين على نظام الصيرفة الإسلامية في السلطنة من رجال أعمال ومفكرين وقانونيين وهيئة شرعية. نشكرهم لثلاثة أسباب. الأول هو أنهم استجابوا لطموح المسلمين لأن يقدم الإسلام بديلا للنظام المصرفي التقليدي (والذي يعتمد في كثير من معاملاته على الفائدة).

والثاني هو أن نظام الصيرفة الإسلامية يتضمن منتجات (أو خدمات مصرفية) كثيرة صُممت لتكون متوافقة مع مبادئ التعاملات المالية في الشريعة الإسلامية. والثالث هو أنهم بذلك يقدمون للبشرية مثالاً آخر على أن الإسلام لا يمكن أن يُفلس من المنتجات الفكرية، وأنه الدين الذي ارتضاه الله لعباده، ولذلك فإنه قادر على مواكبة ركب الحضارة الإنسانية والإتيان بكل ما هو جديد ومفيد، للدنيا والآخرة معاً. في ما يلي، سوف نناقش إحدى الخدمات المصرفية (وهي القروض السكنية) ونعلّق على أحد أهم تفاصيلها في النظامين المصرفيين الموجودين، ومن ثَم نقدم بعض النقد البناء في ما يخص الطريقة التي يتبناها نظام الصيرفة الإسلامية من وجهة نظر عامة وكذلك دينية وحضارية.  

قبل إنشاء البنوك الإسلامية في السلطنة، كان كثير من الناس يتجهون للبنوك التقليدية من أجل الحصول على قروض سكنية، من أجل شراء منزل قائم. كانت أهم المشاكل تتلخص في نسبة الفائدة وحقيقة كونها تراكمية، مما ينتج عنه مبلغ كبير يدفعه المقترض على سبيل الفائدة، مكلّف من الناحية المالية. ولكن مع اكتمال منظومة الصيرفة الإسلامية في السلطنة، فإنّ الكثيرين يتجهون الآن للمصارف الإسلامية والنوافذ الإسلامية للبنوك التقليدية. ولكن ما شكّل صدمة للكثيرين هو أنَّ التعامل على طريقة الصيرفة الإسلامية يكلّف المقترض أو الزبون أكثر مما يكلفه التعامل على طريقة الصيرفة التقليدية في ما يخص القروض السكنية.

فعلى سبيل المثال، إذا كانت قيمة المنزل 50000 ريال، فإن البنك يوفر 40000 ريال (%80 من قيمة المنزل) ويدفع المالك 10000 ريال (الـ 20% المتبقية)، سواء في حالة البنك التقليدي أو البنك الإسلامي. يتلخص الفرق في قيمة القسط الشهري، فالقسط في حالة البنك التقليدي 281 ريالا، وفي حالة البنك الإسلامي 313 ريالا، هذا إذا كانت مدة السداد 18 عامًا. وبذلك يكون إجمالي ما يدفعه المقترض للبنك التقليدي 60696 ريالا، وفي حالة البنك الإسلامي فإنه يدفع 67608 ريالات. أي أنه يدفع مبلغاً وقدره 20696 ريالا كفائدة على القرض للبنك التقليدي، وفي حالة القرض الإسلامي فإنّه يدفع 27608 ريالات ربحاً للبنك الإسلامي. أي أن الفرق 7000 ريال عماني تقريبًا. (حصلت على هذه الأرقام من خلال مكالمتين مع مسؤولي القروض في بنك تقليدي وفي النافذة الإسلامية لنفس البنك التقليدي).

طبعًا نحن نؤمن بمبادئ الصيرفة الإسلامية المتبعة في السلطنة ونثق في القائمين عليها من مشرِّعين وموجِّهين ومنظِّرين، ونؤمن كذلك بأن آلية التعامل المالي من خلال المصرف الإسلامي آلية شرعية لا يأتيها الباطل ولا تعتريها الشكوك من الناحية الدينية. ولكن إذا كانت التكلفة المالية في التعامل مع البنك الإسلامي أكبر من التكلفة المالية في التعامل مع البنك التقليدي، فإنَّ السؤال الذي يتبادر للذهن هو: "إذاً ما هو الشيء الإسلامي في التعامل على الطريقة الإسلامية؟"

      بمعنى أنه إذا كان الزبون المقترض يدفع للبنك الإسلامي مبلغاً أكبر مما يدفعه للبنك التقليدي (طبعا مع إقرارنا بالفرق في طبيعة التعامل المالي وكذلك الراحة النفسية الناتجة عن الابتعاد عن فوائد البنوك)، فإن مفهوم الميزة التنافسية يصب في مصلحة المنتج المصرفي التقليدي، لا الإسلامي. ولهذا السبب، كما تعلمون، فإن الكثيرين من العمانيين اتجهوا للصيرفة الإسلامية، ولكنّ كثيرين آخرين فضلوا الصيرفة التقليدية متذرعين بأن التكلفة المادية في البنوك الإسلامية أكبر وأنه ليس لديهم خَيار آخر (بنفس التكلفة، على الأقل، حيث إن الفرق في المثال الذي بدأنا به هذا المقال، وهو 7000 ريال تقريبًا، يعادل قيمة سيارة جديدة). ولكنّ من يختارون الصيرفة الإسلامية منا يفعلون ذلك لأنهم يريدون أن تكون جميع تعاملاتهم متسقة مع مبادئ الشريعة الغرّاء، لما يوفره ذلك من راحة نفسية وطمأنينة بأنهم سلكوا الطريق الصحيح. وبالنسبة لهم فهذا سبب كافٍ لأن يقبلوا على البنوك والنوافذ الإسلامية من أجل القروض السكنية.

ولكن هذا لأنهم أولاً مسلمون وثانياً قادرون على التكلفة الإضافية. بمعنى أنه لولا عامل الدين الإسلامي (وكذلك الغنى النسبي) لَما اتجهوا للصيرفة الإسلامية إذا كانت أعلى كلفة من النظام المصرفي التقليدي. وهنا تبرز مشكلة أخرى، ليست مالية وإنما دينية حضارية. وهي كيف لنا كمسلمين أن نسوِّق نظام الصيرفة الإسلامية، كمنتج حضاري إسلامي، لغير المسلمين، الذين لا يؤمنون بالثواب والعقاب وإنما بالمادة وكل ما يتعلق بها؟ وبتعبير آخر، إذا كان الفرق بين النظامين المصرفيين ينحصر في الراحة النفسية الناتجة عن الشعور بأنَّ التعامل المالي متسق مع الشريعة الإسلامية، فإنه من الصعب (بل من المستحيل) التسويق للنظام المصرفي الإسلامي كمنتج فكري للاقتصاد الإسلامي وللحضارة الإسلامية في البلاد الغربية (وغير المسلمة عمومًا).

تعليق عبر الفيس بوك