علي بن مسعود المعشني
يقول الله في كتابه العزيز: "زيتونة لا شرقية ولا غربية"، وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الجزء من الآية الكريمة، فقيل المعنى أن هذه الزيتونة لا يسترها عن الشمس شيء فتصيبها الشمس حالة شروقها وحالة غروبها وحالة استوائها في السماء، وما كان هذا حاله من الزيتون يعتبر ثمره أجود وقيل غير ذلك، وإليك كلام المفسرين في المراد بالوصف المذكور.
فقد قال الشوكاني في فتح القدير، عند تفسير هذه الآية من سورة النور: وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الوصف، فقال عكرمة وقتادة وغيرهم : إنَّ الشرقية هي التي تصيبها الشمس إذا شرقت، ولا تصيبها إذا غربت . والغربية هي التي تصيبها إذا غربت، ولا تصيبها إذا شرقت . وهذه الزيتونة هي في صحراء بحيث لا يسترها عن الشمس شيء لا في حال شروقها ولا في حال غروبها، وما كانت من الزيتون هكذا فثمرها أجود. وقيل إن المعنى: أنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها، فهي غير منكشفة من جهة الشرق، ولا من جهة الغرب. حكى هذا ابن جرير عن ابن عباس، قال ابن عطية: وهذا لا يصح عن ابن عباس، لأنَّ الثمرة التي بهذه الصفة يفسد جناها، وذلك مشاهد في الوجود، ورجح القول الأول الفراء والزجاج، وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مثل ضربه الله لنوره ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية. قال الثعلبي: قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا، لأنَّ قوله زيتونة بدل من قوله شجرة، قال ابن زيد: إنها من شجر الشام، فإن الشام لا شرقي ولا غربي، والشام هي الأرض المباركة". (انتهى).
"شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان" للدكتور جمال حمدان، من أبرز الكتب التي كتبت ودرست جغرافية مصر بأنواعها وقد قرر هذا الكتاب على طلبة الجغرافيا في مصر كلها وذلك لما له من أهمية وما حواه من معلومات عظيمة وقد سماه شخصية مصر لما يدرسه من شخصية مصر الإقليمية والبشرية والزمانية والتكاملية فهو يتساءل عن ما يعطي منطقة ما تفردها وتميزها بين سائر المناطق محاولا أن ينفذ إلى روح المكان ليستشف عبقريته الذاتية التي تحدد شخصيته الكامنة.. لأن علم الجغرافيا في رأي د. جمال حمدان- عاشق الجغرافيا- هو علم متفرد متوحد مطلق لا علما نمطيا متكررا نسبيا، فالجغرافيا كالتاريخ لا تعيد نفسها بالضبط ولا الإقليم يكرر نفسه ومن ثم فلا قانون للإقليم من حيث هو، ولذلك فإنَّ دراسة الإقليم لا تقتصر على الحاضر وإنما تترامى إلى الماضي وخلال التاريخ وهذا ما درسه هذا الكتاب الرائع.
لاشك أنَّ الجغرافيا ليست تضاريس ومناخا وموقعا بل تمتد إلى تفاسير ومدلولات أعمق لفهم شخصية الدولة والتكوين النفسي والعضوي والوجداني للشعوب، فالجغرافيا تشكل اقتصاد الدولة، وقوة الدولة، ومجتمع الدولة بل ومدى انسجام مكونات الدولة . فمن المعلوم أن هناك بلدانا تسمى بالبلدان المظلومة جغرافيًا وهي البلدان التي لا تتوافر لها منافذ بحرية، والبحر بطبيعة الحال يعني التجارة والتواصل مع الثقافات والشعوب، وهناك بلدان تحتم جغرافيتها وتفرض على ساكنيها التباعد وعدم التواصل والانسجام بفعل تضاريسها أو مساحتها أو شكل جغرافيتها، وهناك بلدان تفرض جغرافيتها الانسجام والتداخل التام لبساطة جغرافيتها وتقارب وتداخل المساحات وهكذا.
لاشك عندي أن الدارس المتمكن لجغرافية عمان سيستنطق منها الكثير من الأسرار التي شكلت شخصية عمان ومن خلالها شخصية العماني، وبالنتيجة فرضت الشخصيتان هوية عمان ورسالتها عبر تاريخها وحقب أطوارها، فأصبحت عمان دولة منسجمة مع ذاتها ومتصالحة جدًا مع هويتها عبر جميع مراحلها التاريخية وإلى حد التطابق مع الأخذ بالاعتبار لزوم الزمان والعصر.
بل ويمكن للدارس والباحث التاريخي أن يلمس أن شخصية عمان وشخصية العماني فرضتا نفسيهما وبقوة على كل من حكم عمان عبر تاريخها بأن يتمثلهما ويتشبه بهما فكانت رسالة عمان التاريخية عبارة عن تاريخ شديد الانضباط إلى حد القداسة في التعامل مع الداخل والخارج حيث تجلى ذلك الانضباط المتناسل تاريخيًا في سياسات حكام عُمان في الألفي عام المتأخرين، على اعتبار أن عُمان هي الكيان السياسي العربي الوحيد الذي حكم من قبل أهله طيلة مدة تاريخية طويلة ومتصلة تسببت بالنتيجة في خلق هوية عمان التاريخية لمن يفهما وقرأ تاريخها.
عُمان لا يمكنها أن تغير هويتها في سياساتها ومواقفها على الإطلاق، كما لايمكن لأي حاكم لعُمان أن يخرج عن السياق التاريخي لهوية عمان ورسالتها، فهذا يعني التخلي والإلغاء لكل مكونات شخصية عمان وشعبها فهي مبادئ راسخة كجبالها.
عُمان تشكلت هويتها التاريخية من صلابة الجبال ونقاء رمال الصحراء وأفقها البعيد واتساع السواحل وهدير الموج، هذا قدر عمان التاريخي والذي لامحيد عنه فعمان لم تصنع نفسها بل صنعهتا مشيئة الله وحفتها عنايته ودعوات رسوله الأكرم (ع)، لهذا تفردت في موقعها ومفردات طبيعتها وصفات وطباع أهلها.
خاض العُمانيون وعاشوا كل شيء يمكن أن يخوضه أو يعيشه بشر على ظهر اليابسة، من حروب وسلام ورخاء ومجاعات وغزوات وهجرات واستقرار وانعزال وانفتاح واقتتال داخلي وتعايش وتآخٍ، فصقلتهم تلك التجارب مجتمعة وحصنت من مناعتهم ولم يعد يؤرقهم أو يخيفهم شيء منها، حيث أصبحت شخصية عمان والعُمانيين مزيجا من الشدة والصلابة والزهد والصبر والتبسط وروح المغامرة والقدرية وحب الاستقرار والسكينة والوقار، فشخصية عمان والعمانيين شخصية مستنفرة ومتهيئة على الدوام رغم كل مظاهر الدعة والهدوء لأنّ التاريخ علمهم بأن السلام الحقيقي لا يأتي إلا بالاستعداد الدائم للحرب .
قبل اللقاء: "لقد علمتني تجارب الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التي ننفرد بها، ولا تغيظهم النقائص التي تعيبنا"... عباس محمود العقاد.
وبالشكر تدوم النعم.