عيسى الرواحي
الدروس الخصوصية تلف المال، واسألوا إن شئتم كم من المبالغ التي يصرفها بعض الآباء على أبنائهم في تدريسهم الدروس الخصوصية، خاصة عند أولئك الذين أصابهم الهوس في هذا الشأن؛ فصاروا يبحثون عن المدرسين الخصوصيين في مختلف المواد ولجميع الأبناء.
من غير المُبالغ فيه أنَّ يكون إنفاق بعض الأسر على أبنائها للدروس الخصوصية يفوق ما لو أنفقته عليهم في تدريسهم في مدارس خاصة! والمدرسون الذين يُقدمون الدروس الخصوصية يصبح دخلهم من تلك الدروس أضعاف رواتبهم، وقد يستغرب بعضنا إذا علِم أن دخل بعض المدرسين الشهري من الدروس الخصوصية في بعض الأحيان يتجاوز ثلاثة آلاف ريال شهريا! لأجل ذلك فلا غرابة أن يُقصِّر من أمثال هؤلاء المدرسين في واجباتهم الوظيفية بالمدارس، حيث يقضون ساعات متأخرة من الليل في إعطاء دروس خصوصية، فيأتون إلى المدرسة وهم في غاية التعب والإرهاق، وهذا ما تعانيه بعض إدارات المدارس في هذا الشأن. في إحدى المدارس التي كنت أعمل بها عانت الإدارة من أحد المدرسين في كثرة تغيبه وتأخره عن الدوام، ولم تفلح معه كل الوسائل الودية، وللأسف الشديد فإن اتخاذ العقوبات الرادعة مع أمثال هؤلاء من قِبل الجهات المعنية بوزارتنا الموقرة يستغرق وقتاً طويلاً. المعلم لم يكن مهتمًا بالأمر، بل كان يُصرح بالحرف الواحد بأنَّ ما تدره عليه الدروس الخصوصية من خير وفير أضعاف ما يأتيه من راتب الوزارة، فلا بأس عليه بأي العقوبات! ومدرس آخر يصرح بأن بقاءه معلما تابعا للوزارة من أجل ضمان بقائه في البلد دون اللجوء إلى من يكفله لو استقال منها، أما ما يتقاضاه من الدروس الخصوصية فيغنيه كثيرا عن راتب الوزارة. لا ريب أنَّنا بحاجة إلى وقفة جادة وقرارات صارمة لمثل هذه الحالات، وهذا يجعلنا نؤكد أهمية إعطاء إدارات المدارس مزيدا من الصلاحيات للتعامل مع مثل هذه الحالات.
إننا لا ننكر أنَّ المنظومة التعليمية في وطننا العزيز تعاني بعض الإشكالات، وأن هناك كثيرا من التحفظات على الوضع التعليمي الحالي، وأننا بحاجة ملحة إلى تغيير بعض السياسات التعليمية، لكننا ولله الحمد لسنا في مرحلة يضطر فيها أبناء المجتمع إلى هدر الأموال الطائلة في توفير الدروس الخصوصية لأبنائهم، فالوضع معنا بشكل عام لا يقتضي ذلك، فلماذا يتحمل أرباب الأسر على كواهلهم أعباء مالية ثقيلة ليسوا مضطرين إليها؟! بل إنَّ تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية سيؤثر سلبًا على أركان العملية التعليمية وستكون له آثاره غير المحمودة خاصة عندما يكون الباب مفتوحًا على مصراعيه دون تقنين ولا ضوابط.
وقد أشرت في مقال سابق إلى أننا قد نضطر إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية، ولكن في حالات ضيقة ومحدودة ومؤقتة تستوجبها حدوث أسباب معينة ومتى ما تلاشت تلك الأسباب، فإنه ينبغي لنا أن نستغني مباشرة عن هذه الدروس.
قد يضطر ولي الأمر إلى جلب مدرس خصوصي في بعض المواد العلمية لابنه الذي قهرته الظروف الصحية فأقعدته في البيت، ولم يجد من أفراد أسرته من يستطيع القيام بهذه المهمة، فهنا يكون اللجوء إلى الدروس الخصوصية إحدى طرق الحل للتغلب على العوائق التي واجهها الابن.
وقد يضطر ولي الأمر إلى جلب مدرس خصوصي لابنه الذي تعثر دراسيا في نتيجة الدور الأول، وهو بحاجة ملحة إلى من يقوم بمهمة الشرح له خلال تلك الفترة الوجيزة التي تسبق اختبارات الدور الثاني؛ حتى لا يخسر الابن عاما دراسيا كاملا.
وقد يكون من دواعي الضرورة أيضًا جلب المدرس الخصوصي لطالب الدراسات الحرة إن تعذر عليه وجود من يعينه في شرح دروس المواد العلمية.
وقد نجد مسوغا في بعض الأحيان ـ حسب وجهة نظري ـ لطلبة الثاني عشر الاستعانة بالمدرس الخصوصي قبيل الاختبارات النهائية لشرح بعض المسائل التي لم يتمكن الطالب من فهمها، وهذا في حال لم يتمكن معلمه بالمدرسة من مراجعتها له. على أنني أكاد أجزم بأن معلم الثاني عشر إن طلب منه أبناؤه الطلاب إعطاءهم دروس تقوية مسائية، أو تدريسهم في حصص الاحتياط، ولمس منهم الرغبة الجادة في ذلك، فإنه لن يتوانى ولن يتردد من أجل مصلحتهم، ولنا في ذلك شواهد كثيرة لا حصر لها.
ولا شك أنَّه إن وُجد بعض المعلمين في بعض المدارس غير قادرين حقاً على القيام بالتدريس بالصورة المرضية لأبنائهم الطلاب، وتعذرت كافة الطرق في إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة؛ فقد يكون اللجوء إلى المدرس الخصوصي أمرا لا بد منه في مثل هذه الحالات.
أما أن تكون الدروس الخصوصية ملازمة للطالب منذ بدء العام الدراسي إلى منتهاه وبشكل أسبوعي أو بشكل يومي في أغلب المواد، ويتعدى الأمر إلى أن يكون للأبناء ذكورا وإناثا وفي مختلف الصفوف الدراسية فهذا مما نؤكد جازمين بأنه ترفُ العلم وتلفُ المال... والله المستعان.