نزوى الأغزر إنتاجًا تليها إزكي ثم بهلا وسمائل

عمان ترفد الفكر الإنساني بـ 2130 عالمًا.. و222 جزءًا من الموسوعات المُطوّلة

...
...
...
...
...

 

الشيباني: حركة النتاج الفكري العماني بلغت ذروتها في القرنين الثالث عشر والرابع عشر من الهجرة

 

500 مخطوطة للإمام السالمي.. والأكثر وفرة في المكتبات

 

الشيخ سالم بن حمود السيابي يتصدر قائمة الإنتاج الفكري بـ 90 مؤلَّفا.

 

لا يمكننا قراءة مفهوم الريادة وقصب السبق لدى العمانيين بمعزل عن مكوّنات وهوية الشخصية العمانية، الممتدة بجذورها وعقليتها المتفتحة عميقا في تربة التاريخ..

فقديما حاز العمانيون سبق دخولهم في الإسلام بلا سيف ولا لهب؛ حين وصلت عام 629م رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى ملكي عُمان عبد وجيفر ابني الجلندى تدعوهما إلى الدين الجديد، فكانت بين الجانبين وفود متبادلة لدراسة هذا الدين، وكسب معلومات إضافية حوله، وبعد اقتناع قبلا الدخول في الإسلام طواعية.

وكان للعمانيين قبل كل العرب سبق مدحهم بدماثة الخلق ونبل الأخلاق من قبل النبي حين قال لرجل بعثه إلى حي من أحياء العرب؛ فسبوه وضربوه: "لو أنّ أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"..

ومن دلائل تلك الريادة الاكتشافات الأثرية الحديثة التي أشارت إلى ريادة العُمانيين الأوائل للبحار المفتوحة منذ ما يربو على الخمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو تاريخ مُوغِل في القدم.

لذا لا غرابة في محيط الريادة أيضًا أن يندرج 3 علماء ومؤلفين عمانيين كبار ضمن فئة التابعين في القرن الأول الهجري، وهم الإمام جابر بن زيد والإمام سالم بن ذكوان الهلالي، والإمام صحار بن العباس العبدي.

وإن كان العمانيون قد قدّموا للبشرية سابقا خدمة حماية اللغة العربية وعلومها من معانٍ ونحو وعروض وتشكيل على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي العماني فهم مازالوا إلى الآن يرفدون الفكر العربي بكم واسع من المعارف والعلوم في شتى المجالات.

 

الرؤية- محمد علي العوض

 

 

تشير الإحصائيات التي أجراها سلطان بن مبارك الشيباني -أول باحث عماني يتناول الموروث الفكري العماني وفق القوانين الببليومترية- إلى أنّ النتاج الفكري العماني بلغ ذروته بين سنتي 1250هـ - 1350هـ، وأنّ عددًا كبيرًا من العلماء العمانيين تميّزوا بالعمل الموسوعي الذي يفوق حجم أي عمل موسوعي في العالم العربي أجمع، ومن أمثلة ذلك:

- كتاب "قاموس الشريعة" لجميل بن خميس السعدي المولود ببلدة القرط بالقرب المصنعة، والذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري، ويعد كتاب قاموس الشريعة

أكبر كتاب إباضي على الإطلاق، حيث يقع في 90 جزءا، وهو من أكبر الكتب الإسلامية أيضًا، ويحتوي على كل أبواب الشّريعة من العقيدة والفقه والآداب والأخلاق، وأصول الفقه، وجملة كبيرة جدا من الآثار والأحاديث، فهو يمثل دائرة معارف عصره. كما يحوي أقوال العلماء من مختلف المذاهب الإسلامية من القرن الأول الهجري إلى القرن الثالث عشر الهجري، وقد بذل المؤلّف فيه جهدا من ناحية ترتيب مادة الكتاب فجاء ترتيبه ترتيبا دقيقا وبديعا؛

- كتاب "بيان الشرع" للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن سليمان الكندي المتوفى عام 508هـ وتبلغ مجموع أجزائه واحدا وسبعين جزءا؛ تشتمل على أبواب في العلم وأصول الفقه وأحكام القرآن وعلومه وأصول الدين والولاية والبراءة والحكم والمواعظ والوصايا والآداب والنيات والطهارة والنجاسات والصلاة والزكاة والصيام والحج والنذور والكفارات والأيمان والذبائح والقضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاوى والشهادات والإقرار، وصرف المضار والنكاح والفراق والعدة وحقوق الأزواج والأولاد، والحيض وأحكام العبيد والنسب والأيتام، والوصايا والفرائض والأمانات والضمانات والحدود والقصاص والديات والإمامة والجهاد والحرب، كما اشتمل على عدد وافر من النوازل والمسائل العلمية التي تعكس صورة حيّة للمجتمع العماني في ذلك الوقت إضافة إلى مادة غنية حول فقه السياسة الشرعية والتاريخ السياسي بعمان.

وهو يعد أكبر كتاب مصنف بعد (قاموس الشريعة) كما كان أحد الكتب التي تستمد منها الفتاوى والأحكام في عمان، ونظرا لمكانته أولاه العمانيون جل اهتمامهم ودراسته.

- كتاب محمد بن محبوب في الفقه، ويتكون من 70 جزءا، وتباينت نشأة الشيخ بن محبوب الأولى بين عمان والبصرة والحرمين الشريفين، وقد تولى رئاسة مجلس أهل الحل والعقد للبيعة للإمام الصلت، ثم تولى خطة القضاء بصحار، إلى أن توفي بها سنة 260هـ/873م.

- كتاب "الخزانة" للشيخ بشير بن محمد بن محبوب بن الرحيل المعروف بابن المنذر ويتكون من 70 جزءا، وهو يضاهي بيان الشرع في الكم والكيف.

وقد ترك للأمة الإسلامية والأجيال المتعاقبة من بعده كنوزا من المعارف ككتاب "أسماء الدار وأحكامها" وهو من الكتب المهمة التي تناولت الدور الذي يناط بالعقل البشري، وكذلك كتاب "المختصر" و"المحاربة" لكن للأسف هناك كتب للمؤلف لم تصل إلينا ككتاب "البستان" وكتاب "الرضف" و"الإمامة". وكتاب "حدوث العالم"

- كتاب الكفاية لصاحبه محمد بن موسى الكندي، ويتألف من 51 جزءا.

- كتاب المصنف للشيخ العلامة الفقيه أحمد بن عبدالله الكندي ويقع في 41 جزءا. وقد ألف عددا كبيرا من الكتب والرسائل منها: - كتاب "التخصيص" و"الاهتداء" و"التسهيل في الفرائض" وكتاب "التيسير في النحو" و"سيرة البررة" و"الجوهر المقتصر" وكذلك كتاب "الذخيرة" و"التقريب في النحو". وله أشعار في الأدب والفقه، وهو الذي قام بترتيب أبواب كتاب بيان الشرع، وسماه بهذا الاسم، ويعتبر خاتمة العلماء الفطاحل في القرن السادس.

7- منهج الطالبين للعلامة الشيخ خميس بن سعيد الشقصي ويقع الكتاب في 20 جزءا. ونال به ثناء المعاصرين والمتأخرين حتى أنّ العلاّمة سالم بن حمود السيابي – رحمه الله- قال عنه: "وإذا شئت التروي فعليك بقاموس الشريعة ومنهج الطالبين". ويقول عنه الإمام محمد بن عبدالله الخليلي – رحمه الله – "ليت هذا الكتاب يطبع" -ويقصد به منهج الطالبين- وكان الإمام نور الدين السالمي – رحمه الله – يثني على هذا الكتاب وذلك لشموليته.

ويعد العلامة خميس الشقصي أحد مجددي الفقه في القرن الحادي عشر الهجري.

 

موسوعات ثرية

ويبلغ مجموع أجزاء هذه الموسوعات المطولة 222 جزءا وتبلغ نسخها الخطية 1212 نسخة بمعدل 5 نسخ لكل جزء. ويبلغ عدد العلماء العمانيين عبر العصور 2130 عالمًا من بينهم ما يقرب 500 شاعر.

 أما عدد المؤلفين من علماء عمان 1624 مؤلفا، وعليه فإنّ العلماء العمانيين الذين لم يتركوا إرثا فكريا بلغوا 506 علماء.

أمّا التقسيم الجغرافي لحجم النتاج الفكري العماني فتتبوأ نزوى المرتبة الأولى في عدد المؤلفين حيث بلغ عددهم 424 مؤلفا، تليها إزكي بـ 162 مؤلفا، وتشترك بهلا وسمائل في المرتبة الثالثة بـ 144 مؤلفا لكل منهما.

وأكثر المؤلفين تأليفا من حيث عدد الصفحات فالشيخ جميل بن خميس السعدي من المصنعة الذي ألف أكبر موسوعة عمانية (90 جزءا) فهو أكثر المؤلفين العمانيين إنتاجا حيث يصل متوسط عدد صفحات كل جزء إلى (300 صفحة) ولذا فالمؤلف دوّن (27 ألف صفحة).

ويجيء الإمام نور الدين السالمي في مقدمة أكثر المؤلفين إنتاجا من حيث الفترة الزمنية ومتوسط عمره، حيث ترك 43 مؤلفا، تبلغ مجموع صفحاتها (13620) صفحة، ألف جلها في 20 سنة بمعدل 650 صفحة سنويا وهو ما يعني أنّه كان يؤلف صفحتين يوميًا دون انقطاع.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مخطوطات الإمام السالمي هي الأكثر وفرة في المكتبات العمانية حيث تتجاوز 500 مخطوطة بمتوسط 8 نسخ مخطوطة لكل جزء من مؤلفاته.

أما من ناحية غزارة الإنتاج الفكري العماني وتنوعه المعرفي فيتصدر الشيخ سالم بن حمود السيابي القائمة، إذ جاوزت آثاره العلمية 90 مؤلفا وقد بدأ التأليف قبل بلوغه العشرين، ويكفي للدلالة على إسهامه العلمي أن نشير إلى أنه صاحب أكبر نظم علمي في العالم العربي قديما وحديثا حيث زادت أبيات كتابه "إرشاد الأنام في الأديان" على 120 ألف بيت، ونظمه في هذا الكتاب يقارب ضخامة نظم الشيخ محمد بن شامس البطاشي الذي بلغ ١٢٤ ألف بيت في كتاب "سلاسل الذهب".. ولكن الشيخ السيابي يفوق هذا العدد بكثير إذا جمعنا نظمه في كتبه الأخرى.

ويقف في مقدمة علماء عمان المعاصرين الشيخ العلامة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي العالم المجتهد والمفكر المجدد ويشهد له القاصي والداني بوافر العلم والصلاح. ومن مؤلفاته "جواهر التفسير" و"أنوار من بيان التنزيل" و"الحق الدامغ" و"سقط القناع" و"الحقيقة والدامغة" و"الاستبداد مظاهره ومواجهته".

ومن العلماء الكبار أيضا إمام العلم والعمل الشيخ الرضي حمود بن حميد الصوافي الذي فقد بصره في صباه فعوضه الله ببصيرة فاق بها أقرانه، وحفظ القرآن رغم فقده لبصره وهو ابن 17 عاما ومن يجالسه يشعر بتواضعه وعلمه الغزير.

وكذلك الشيخ الدكتور إبراهيم بن أحمد الكندي الذي فقد بصره وهو لم يتجاوز سن الثالثة من عمره لكنّه وبعناية من والديه حفظ القرآن الكريم وهو ابن 10 سنين ونال الدكتوراه عام 1988 وللشيخ بصمة في الحياة وله أكثر من 4 آلاف حلقة دعوية وتربوية ومن مؤلفاته "الاستثناء عند اﻷصوليين" و"القياس الشرعي بين الإثبات والانكار" و"الإسلام دين العدالة والسماحة والرحمة" وغيرها.

تعليق عبر الفيس بوك