التوازن الأمثل بين النجاح والفشل

أ.د/ أسامة محمد عبد المجيد إبراهيم
مستشار البحوث والسياسات بمؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع

 

يرى الباحثون في مجال الموهبة والإبداع أن الأفراد الموهوبين والمبدعين يظهرون اختلافًا نوعياً عن الأفراد العاديين وليس اختلافَا كميًا فقط ، فالأفراد الموهوبون يظهرون أنماطًا مختلفة من الأداء العقلي خاصة في مراحل النمو الحاسمة، وقد اتضح ذلك من خلال الأبحاث الحديثة التي تتعلق بالشخصية.
ولكن ما جوهر الأداء الأفضل الذي يصل إليه الفرد الموهوب في بعض مجالات الحياة؟
في الوقت الذي ينظر فيه إلى الفشل كخبرة ضرورية لابد أن يمر بها أي مبدع أو مبتكر، توضح الأبحاث الدور المهم للتوازن الأمثل بين النجاح والفشل في تعزيز السلوك المبدع لدى المتعلمين، فالعملية التعليمية تتضمن في الأساس مظهراً إيجابياً وآخر سلبياً؛ يتمثل المظهر السلبي في الفشل، بينما يتمثل المظهر الايجابي في النجاح . وفي الوقت الذي يؤدى النجاح إلى الثقة بالنفس فإنه يجعل الفرد يميل إلى تثبيت سلوكه، وعلى العكس فإن الفشل يفقد المتعلم بعض الثقة، ولكنه يزيد لديه فرص تجريب مداخل جديدة، وهكذا يصبح واضحاً ضرورة وجود توازن أفضل بين هذين المظهرين (النجاح والفشل) على الرغم من صعوبة حساب هذا التوازن، فالفشل الكبير جداً أو الصغير جداً يمكن أن يوقف النمو أو يسبب شعوراً بعدم المقدرة أو إحساساً بالعجرفة أو عدم الاهتمام، لذا فإن التوازن الأمثل الذي يؤدى إلى النمو الأمثل يصبح ضرورياً. ويعنى التوازن فشلاً يشجع على التعلم ونجاحاً يبنى الثقة بالنفس.
وهذا التوازن الأمثل لا يعتبر قيمة ثابتة؛ فالأفراد المترددون يحتاجون إلى المزيد من التأكد وإثبات الذات لفترة ما قبل إقحامهم في أعمال جديدة من الممكن أن تؤدى بهم إلى الإحباط، كذلك فإن للعوامل الخارجية دورها، فالأفراد يميلون إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين ونتيجة هذه المقارنة قد تؤدى إما إلى النجاح أو الفشل، علاوة على ذلك فإن هذا التوازن لا يمكن تحديده بطريقة موضوعية لأن كل شيء يتوقف على طريقته ومعناه لدى الفرد، فهناك أفراد يعتبرون الإحباط تأكيداً لعدم مقدرتهم بينما يعتبره أفراد آخرون تحدياً وفرصة جديدة للنمو، وهذا بالضبط جوهر ما يمكن وصفة سر الأفراد ذوى الموهبة العالية فالأفراد الموهوبون غالباً ما يحولون الإحباط والفشل إلى دوافع وتحديات تشجعهم على النجاح بدلاً من اعتبار هذا الفشل تأكيداً لعدم قدرتهم .
وهكذا فإن الأبحاث كثيراً ما توضح أن ذوى الموهبة العالية لديهم صورة إيجابية عن أنفسهم أكثر من ذوى الموهبة المتوسطة كما أنهم يتقبلون النقد الموجه إليهم، وهؤلاء الموهوبون غالباً ما يكونون أقل دفاعاً عن آرائهم، وهذا يجعلهم يستكشفون مجالات أكثر دون خوف وباهتمام متزايد لتجريب أنواع أخرى من السلوك، فمثل هؤلاء الأفراد الموهوبين تنمو لديهم المقدرة على الفهم و الابتكار، ومن ثم فإن أي تجربة جديدة يمكن أن تزيد من فرص النمو لديهم . وثقة الفرد في قدراته تدفعه إلى التعامل مع المشكلات بفشلها ونقدها على أنها تحدياً لقدراته أكثر من كونها دليلاً يهدد عدم قدرته، وهذا الاتجاه بدوره يؤدى إلى النمو المستمر .

تعليق عبر الفيس بوك