تطلعات لمستقبل الدراما العُمانية (10)

شيخة الفجرية


أن تقوم العديد من القنوات التلفزيونية، بعرض برامج خاصة لمراحل تصوير الأعمال الدرامية: كالأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، لهو كفيل بتوعية المشاهد وإعلامه بدور المخرج في كل جزئية من جزئيات العمل الدرامي، إذ لم تعد تنطلي على المشاهد أية أعذار تتسبب في إضعاف النص الدرامي التلفزيوني العُماني، يقول روجورم بسفيلد لكل مخرج درامي تلفزيوني أو سينمائي:" إذا عنيت بأمر شخصياتك العناية الواجبة، فإنَّ الحوار والفعل سيُعنى كل منهما بأمر نفسه"(1)، وهنا السؤال: كيف يعتني المخرج بأمر شخصياته؟ ماالذي تعنيه هذه الجملة؟ ألا يعني ما قاله بسفيلد أن المخرج هو المسؤول عن ضمان تلقائية الممثل وحرفيته في تجسيد كل شخصية من شخصيات المسلسل؟ فعلى من تقع مسؤولية إبتعاد الممثل عن جوهر الدور المنوط إليه؟ أليس المخرج هو المسؤول عن كل ذلك؟ فالمشاهدون" يُريدون أن تكون الشخوص حقيقية، كالتي يرونها في حياتهم، ويتوقعون أن تكون أكثر منها إمتاعاً"(2).
ولن تتحقق المتعة إلا بتحقق أدواتها في العمل الدرامي التلفزيوني، وأهم هذه الأدوات هو النصّ(الفكرة، والقصة، والحوار، والسيناريو)، يليه؛ مميزات إختيار الفريق التنفيذي (الفني)، منها: المؤلف الموسيقى، الممثلين المتباينين بتباين المستويات التي يفرضها النص والمنسجمين بانسجامه، مدير وفنيو التصوير(اختيار ومناقشة حجم اللقطات وأبعاد زوايا التصوير)، مهندس الصوت، يلي ذلك الرؤية الإخراجية: كيف ستظهر الشخصيات؟ من حيث: شكلها، وملابسها، وطريقة كلامها، وسلوكها، وتلقائيتها؟ ماذا عن المونتاج؟ كيف سيكون إيقاعه منسجماً مع متطلبات النص وماهي درجة الإبتكار الإخراجي التي ستفرضها الرؤية الإخراجية عليه؟ ثم ماذا عن حدّة وسلاسة القطع والانتقالات(مزج، اختفاء، وظهور تدريجي)؟ وكيف ستساهم الديكورات في رسم طبيعة الشخصية وتطوّرها؟ ماذا عن مساهمته في خلق مصادر إضاءة منطقية؟
كيف سيتم توظيف الملابس؟ هل سيكون لها دور في بيان نوع الشخصيات وانتماءها ومستواها الإجتماعي؟ هل ستكون الإكسسوار متوفرة؟ هل سيتم تصميمها خصيصاً للعمل؟ أم سيتم الإستعاضة بالمتوفر شرط التناسب؟ أم سيُستبدل بالمطوّر أو المستورد؟ هل سيتم التعامل بحذر مع طبقات صوت الممثلين حسب نوعية المشهد في قول الحوارات؟ ماذا عن توظيف الموسيقى؟ هل ستكون مجرد خلفية للأحداث؟ أم ستكون متنوعة بتنوع الأحداث؟
كل هذه أسئلة تفرضها المقارنات الإبداعية بين مسلسل عماني وآخر عربي أو أجنبي، إذ لم تعد الفروق شاسعة، ويجب ألا تكون إلا على صعيد الأفكار والقيم التي تتضمن كل نص، والحديث  هنا عن التقنيات المستعملة في  عملية تلفزة النصوص الدرامية، والتقنيات متوفرة، وعلى كل مخرج الاستعداد لفكرة المقارنة في التنفيذ، فالمخرج الجيد والموهوب هو  كلمة السر، لنجاح أي عمل درامي تلفزيوني أوسينمائي، وهو ما يفسر انتقال مخرج بحريني على سبيل المثال لإخراج مسلسل تلفزيوني بحريني وآخر كويتي وثالث سعودي أوقطري في النفس العام، بينما الكويت والسعودية وقطر مليئة بالمخرجين؛ وكذلك الأمر  في مصر "أم الفنون"، فإنها لطالما استعانت بمخرجين من دول عربية مختلفة؛ إذ  وجدنا المخرج التونسي شوقي الماجري مخرجاً للمسلسلات المصرية، كذلك المخرج السوري كان كل ذلك بحثاً عن الفكر الإخراجي الجيد؛ فالمخرج الجيد عملة يبحث عنها المنتجون في  كل دول العالم.
وما تعانيه الدراما العُمانية في أمر الإخراج، هو أن يؤتى بمخرجين متواضعين جداً من حيث المهارات الإخراجية، وإن توفر المخرج الجيد فإنه سيكون أمام عقبة لا يمكن تجازوها وهي الوقت، كأن  يتم التعاقد معه قبل شهرين لإخراج مسلسل من ثلاثون حلقة، على أن تهيء له شركة الإنتاج ممثلين من الدرجة الثالثة والرابعة مع وجهين أو ثلاثة من الممثلين المعروفين في السلطنة، فماالذي سيفعله هذاالمخرج في هذه المدة القصيرة؟!
ولذلك يعتمد بعض المخرجين الغير عُمانيين على أنَّ الدراما العمانية أصلاًغير معتنىً بها، وإلا لما أتوا به فيالوقت بدل الضائع، لذلك لا ضرورة بأن يكون هو أكثر حرصاً من أهلها؛ لذا فإنه يقبل أن يكون مخرجاً يقود ممثلين متواضعين جدا على صعيد المهارة والجماليات؛ فينهي العمل في المدة القياسية اللا معقولة ويمضي.
كان يكفي أن تستمر السُنَّة الحسنة التي استنَّها سعادة الوكيل السابق لوزارة الإعلام، في استضافته لجميع العاملين على المسلسلات الرمضانية(المؤلفين، والمخرجين، والممثلين، وممثلي شركات الإنتاج المنفذة، والمسؤولين في  وزارة الإعلام ومسؤولي الإذاعة والتلفزيون) كل عام، كان يقال الكثير مما يمكن الأخذ به في تطوير الدراما العُمانية، كنّا نرى موظف الرقابة وهو يتحدث عن أسباب التحفظ أو حذف بعض المشاهد في المسلسلات، ومن ذلك كنا نكتشف الكثير من الحقائق المحجوبة، إذ حين  يدّعي المخرج  أن الرقابة هي من بترت مشاهد وكلمات وشخصيات من المسلسلات التلفزيونية أومن النصِّ الدرامي المكتوب، يتم اكتشاف العكس  من حديث موظف الرقابة أمام الملأ!! كان مؤسفاً أن يكون فكر موظف الرقابة أكثر انفتاحاً واستعداداً للمناقشة وتقبلاً للرأي من بعض المخرجين!!
كُنّا نتحدث مباشرة عن بعض الإنزعاجات في تنفيذ المسلسلات، نتحدث عن  ضرورة أن تكون "بروفة الطاولة" في أولويات تنفيذ أي عمل درامي تلفزيوني على وجه الخصوص، ثمة مخرجين يُعبرون عن أنه لايحتاجها، وثمة مخرجين آخرين يؤكدون أنها هامة ويجب أن تكون من الأولويات فعلاً، كُنّا نتحدث عن ضرورة اختيار الممثل المناسب لكل دور، تحدثنا بضرورة أن لا يُزجّ بممثلين مبتدئين في أدوار بطولة دون أن يتم اختبار أدائهم، أي ضرورة اختبار أداء الممثلين المبتدئين قبل إسناد الأدوار لهم، كنا نتحدث عن ضرورة إحترام توجه النصّ الدرامي، بحيث يتم تنفيذ المشاهد الكوميدية بشكل كوميدي دون أن  تنقلب إلى مشاهد تراجيدية غير مبررة، ودون علم المؤلف، كنا نتحدث عن ضرورات ومحذورات ومحظورات كثيرة، كان بالإمكان رؤية الأمور بوضوح، تطوّرت الرؤية ومستوى قبول الأفكار أثنائها، لدرجة أن تم إنتاج ستة أعمال درامية تلفزيونية في عام واحد، بالطبع تمت معاقبة من كان يتحدث عن تلك الأخطاء التي لا يجب أن تحدث مستقبلاً، ولكن لم يكن مهماً سوى وجوب وصول الفكرة وتطويرها، وعدا ذلك فلا أهمية له، كانت جائزة الإبداع(الإجادة) الإعلامي حاضرة في بعض الحوارات، وكانت مسألة رفع قيمتها المادية من ضمن تلك النقاشات.
انتهى ذلك العهد، ولم تعد هنالك اجتماعات شبيهة، وصل الأمر لدرجة أنه لم تعد تنفذ مسلسلات أصلاً، واختفت جائزة الإبداع (الإجادة) الإعلامي، لم يعد كاتب النصّ الدرامي الإذاعي والتلفزيوني يجد ذات الترحيب الذي كان، فماالذي حدث؟!!
لنعد إلى التطلّعات التي نتمنى تحققها في قادمِ الأيام، والتي يجب أن تكون أفضل مما سبق، إذ لا يمكن أن يكون القادم أقلُّ من تطلعات العاملين في هذاالمجال بعد كل هذا الإنتظار المرير، وأبرز التطلعات التي نأمل أن تتحقق:
(1)    قراءة النصوص، ومناقشة الكاتب في نصِّه وأفكاره قبل الحكم عليه وعلى نصّه
  بشخصنةٍ مقيتة كما يحدث في السنوات الأخيرة.
(2)    تجويد الأعمال الدرامية من جميع النواحي، وأهمها توفير الموافقات قبل وقت البث بوقت كافٍ يستطيع من خلاله المخرج والكاتب الإتفاق على الممثلين الذين سيؤدون الأدوار وفق المرسوم في النص أو بالتقريب منه.
(3)    إقرار حق الكاتب في حضور"بروفة الطاولة" كأولوية يجب احترامها من المخرج وشركة المنتج المنفذ.
(4)    إلزام شركات الإنتاج المنفذة بأن يكون المخرجين الذين يديرون عملية ترجمة النصوص الدرامية على أعلى مستوىً من المهنية والحرفية والموهبة الرفيعة، ويكونوا من الأسماء ذات  السمعة العالية في إخراج المسلسلات التلفزيونية، وإن لم يتم تنفيذ هذاالإلزام يجب على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون العودة للإنتاج بنفسها على أن تتعاقد مع المخرجين الجيدين.
(5)    جمع الخريجين العمانيين الشباب والشابات ممن درسوا الإخراج  في عُمان  وخارجها ليكونوا مساعدي مخرجين، كما يجب إعطاءهم الفرصة في تنمية مهاراتهم من خلال دوات عالية المستوى في الإخراج، ليكونوا فيما بعد هم المخرجين الذين نتطلع لإنفراج أزمة الإخراج الدرامي على أيديهم.
المراجع:
1ـ جلاوجي، عزالدين: النص المسرحي في الأدب الجزائري, مطبعة هومة، ط1، الجزائر، 2002م, ص158.
 2ـ وينفريد وارد: مسرح الاطفال ، ت: محمد شاهين الجوهري ، بغداد: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، المطبعة العصرية ، 1986، ص162.

تعليق عبر الفيس بوك