الدروس الخصوصية.. ترف العلم وتلف المال (2)

عيسى الرواحي

الدروس الخصوصية ترفُ العلم وتلفُ المال، وهذا ما أثبتناه من واقع طلابنا بشكل عام، وأثبتته عدة دراسات في هذا الشأن؛ فالطالب الذي يأخذ الدروس الخصوصية، يكون في كثير من الأحيان غير مبالٍ في الحصة الدراسية، ولا مهتما بالتركيز والانتباه أثناء شرح المعلم، بل إنَّه قد يثير الفوضى والشغب داخل الفصل الدراسي؛ لأنَّه ينتظر في منزله مدرسا خصوصيا على حساب أبيه! ذكر لي أكثر من مدرس بأنهم يستطيعون معرفة الطلاب الذي يأخذون الدروس الخصوصية من خلال سلوكهم داخل الفصل، فإنْ وجدوا طالبا نائما أو مهملا أو مشاكسا أو يحاول التفلسف على المعلم، فقد يكون ذلك سببه أخذ الدروس الخصوصية. أقول ذلك ليس تعميما، ولا يعني أنَّ الإهمال وعدم المبالاة مقصور فقط على طلاب الدروس الخصوصية، وإنما من ضمن آثارها.

تواصلتُ مع ولي أمر ذات مرة، قائلا له: إنَّ توفير الدروس الخصوصية لابنك ليس في مصلحته، فسارعني إلى القول: كيف عرفت ذلك؟ قلت له إنَّ سلوك ابنك في الفصل وإهماله وتفلسفه على المعلم وتطاوله عليه يدل على ذلك بوضوح! بل إنَّ من الطلاب من زلت ألسنتهم وساء خلقهم أمام معلميهم بكل وضوح في أنهم ليسوا بحاجة إليهم؛ فالمدرسون الذين يوفرهم آباؤهم لهم خيرٌ منهم بكثير. أقول بكل تأكيد إنَّ من آثار الدروس الخصوصية في بعض الأحيان أن تنعكس سلبا على أخلاق الطالب، فتجعله لا يُحسن كلامه، ولا يحسن تعامله مع معلميه، فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟!

والمعلم نفسه الذي يؤدي الدروس الخصوصية في حقيقة الأمر سيفقد الاحترام الحقيقي لمهنته السامية، خاصة إذا كان مدرسا بالمدارس الحكومية؛ لأنه أجيرٌ عند ذلك الطالب، وهذا ما أثبتته إحدى الدراسات من تساقط الحواجز وتقارب المستويات بين الطالب والمعلم الخصوصي؛ فالمعلم في بيت الطالب جاء إليه؛ لأجل كسب المال أكثر من نشر العلم.

الدروس الخصوصية ترفُ العلم وتلفُ المال؛ حيث إنَّها تغرس في الطالب الاتكالية أكثر من الاعتماد على الذات وبذل الجهد في الفهم والاستيعاب.

إنَّ الطالب المجتهد الراغب في التفوق الذي خُصص له الوقت الكافي لتدريسه داخل المدرسة، ما عليه إلا أن يراجع دروسه في المنزل باستمرار، مستغلا كل الوسائل التعليمية المتاحة لديه، دون الحاجة إلى هذا المسار غير المحمود، لكن الاتكالية المقيتة عند بعض الطلاب تفرض عليهم من يوصل إليهم المعلومات والمسائل إلى أدمغتهم جاهزة دون عناء بحث أو اطلاع أو مراجعة، فهم يريدون كل شيء جاهزا، وإن كلفهم ذلك الأموال الوفيرة.

سيخالفني بلا شك كثير من الآباء في أكثر من نقطة في هذا الصدد، ومن حقهم ذلك، وواجبنا تجاههم أن نحترم وجهات النظر الأخرى؛ حيث سيؤكدون لك أنَّ الدروس الخصوصية أسهمت كثيرا في رفع مستويات أبنائهم التحصيلية، وأنَّه لولا الدروس الخصوصية ما استطاع أبناؤهم تحقيق تلك الدرجات التي حصلوا عليها، وبما أن الأمر كذلك فالمال يهون -وإن كان وفيرا- من أجل مصلحة الأبناء!

أقول إنَّ ذلك لا يخلو من الصواب في بعض الجزئيات، ولكن هؤلاء الآباء الكرام الذين علموا شيئا عن واقع الدروس الخصوصية قد غابت عنهم أشياء لم يدركوها بعد! فإن سلمنا بأنَّ الابن حقق درجات مرتفعة بسبب الدروس الخصوصية كان يمكن أن يحقق تلك النسبة المرتفعة دون الحاجة للمدرسين الخصوصيين لو أنَّ هؤلاء الطلاب جدوا واجتهدوا واهتموا كثيرا بالحصص الدراسية، وبمذاكرة الدروس أولا بأول، والمراجعة المستمرة. والواقع الحقيقي الذي أكاد أجزم به أنَّ أعلى المستويات التحصيلية للطلاب والطالبات الذين لا يلجأوون إلى الدروس الخصوصية. في المدرسة التي أعمل بها، وعلى مدار عدة سنوات، كُنت أحرص على معرفة واقع الطلاب مع الدروس الخصوصية والنتائج المرجوة منها، فكان أصحاب النتائج المرتفعة لا يعتمدون على الدروس الخصوصية قط، ودليل أقوى من ذلك هو أنَّ أغلب الطالبات لا تعرف معنى الدروس الخصوصية، لكن نتائجهن بشكل عام أعلى بكثير من الطلاب.

وبالمقابل، فما أكثر الطلاب الذين لم يفلحوا في دراستهم حتى مع توفير الدروس الخصوصية في مختلف المواد! ولنا شواهد كثيرة، وهذا بلسان حال كثير من الآباء. وقد ذكر لي أكثر من ولي أمر أنهم أهدروا أموالا وفيرة في الدروس الخصوصية من أجل أبنائهم، لكنهم لم يفلحوا قط. أقول ليت الآباء يدركون حقا الصورة الكاملة لواقع الدروس الخصوصية!... وللحديث بقية في مقالنا القادم بإذن الله تعالى.