انفصال كردستان لتحقيق دولة "سنة ستان" (1 - 2)

علي المعشني

ملأت قضية الاستفتاء الكردي في 25 من سبتمبر الجاري العالم ضجيجًا إلى درجة إفقاد الكثير من المتابعين التركيز أو التحليل المنطقي والعقلاني لمغزى هذه الخطوة وسرها الدفين وتوقيتها وجغرافيتها.

فمن المعروف أن نزعة الانفصال لدى طيف من الأكراد موجودة ومنذ زمن بعيد وقد تجلى ذلك في صراعاتهم المسلحة مع الكيانات السياسية المركزية في كل من بغداد وأنقرة، ومرد ذلك في الأساس إلى التهميش والاقصاء في مراحل تاريخية بعينها للقومية الكردية في تلك البلاد واعتقاد الأكراد بأن استقلالهم سيمنحهم تحقيق الذات ومساحة واسعة من الحقوق مع التمتع بثرواتهم دون شريك آخر.

أكراد العراق ومنذ خمسينيات القرن الماضي وهم يشكلون خاصرة أمنية للعراق وبندقية للإيجار لزعزعة استقراره إلى أن تم الاتفاق بينهم وبين الحكومة المركزية ببغداد على منحهم الحكم الذاتي بعد اتفاقية الجزائر عام 1975م بين العراق وإيران وبذلك تحقق لأكراد العراق حلم ووضع لم يتحقق لأي من طوائف الأكراد في بلاد الجوار، إيران وتركيا وسوريا.

تركيا تمثل الخزان الأكبر للأكراد في المنطقة ثم تتوزع تلك القومية وبنسب أقل على إيران وسوريا والعراق. ومن المعروف أن حزب العمال الكردستاني يخوض حربًا ضروس ضد تركيا منذ عقود، كما سبقت هذه الحرب انتفاضات كردية كثيرة على الحكم المركزي في أنقرة أشهرها الانتفاضة التي قادها الكردي سعيد بيران عام 1925م والتي أطلق عليها البعض ثورة الشيخ سعيد ووصفوها بأنها حركة إنفصالية كردية عن الدولة الأم تركيا، بينما وصفها البعض الآخر بأنها ثورة صوفية نقشبندية ضد دولة أتاتورك العلمانية وانتصارا للخلافة.

وأي كانت هوية هذه الثورة أو الانتفاضة ومقاصدها فما يهمنا منها في هذا المقال هو تسببها في تهجير مئات الآلاف من أكراد تركيا إلى العراق وسوريا كلاجئين هاربين من المذابح والمواجهات المسلحة مع الدولة التركية ثم كمستوطنين اليوم بعد أن أخلوا كثيرًا بالتركيبة الجغرافية في الجغرافيات التي وجدوا منها التعاطف والايواء والضيافة وصولًا إلى أدعياء أرض وثروات ومظالم.

حين نختصر الزمن والحديث عن هذه القضية الطويلة الشائكة ظاهريًا والبسيطة على أرض الواقع إن تركت للمنطق والعقل، نقول بأن استهداف وحدة العراق هو حلم متجدد ومطلب أقليمي ودولي بدليل المشهد العام وأدوات وتفاصيل احتلاله والتنكيل به عام 2003م وبمباركة من قوى إقليمية عربية وأعجميّة، فالمخطط الأمريكي الصهيوني لتفتيت العراق وتمزيقه على أسس طائفية تم الترويج له منذ ما سُميت بحرب الخليج الثانية وتحديدًا عام1991م حين بسط الحصار الجائر على العراق وتم تسويق توزيع طوائفه على جغرافياته، جنوب شيعي ووسط سني وشمال كردي، رغم أن الأكراد محسوبون على الطيف السني في العراق.

لم يجد الغرب حينها وسيلة عملية لتحقيق مخططه النظري على أرض الواقع رغم الحصار وضعف الدولة المركزية في العراق، بل ولم يجرؤ الغرب على تنفيذ مخططه الحلم على أرض الواقع بعد سقوط بغداد وخلال سنوات احتلاله والتنكيل به. والأسباب كثيرة وأهمها إنّ الفُسيفساء العراقية الطائفية والعرقية ورغم شتاتها وتباينها الظاهري الاستثنائي في سنوات الاحتلال العجاف إلا أنّها ستقاتل مجتمعة وببسالة المخطط الغربي وسيدرك الغرب بأنّه يقاتل الأرض بكل مكوناتها ومن يقاتل الأرض محكوم عليه بالهزيمة النكراء. فالشعوب الحية قد تتغاضى في القضايا النائمة وتمرر النظريات والحديث ولكنها تتنمر حين تستيقظ تلك القضايا وتفرض نفسها كأمر واقع حيث تلتقط اللحظة وتظهر وجوهًا أخرى غير متوقعة ولا مألوفة.

من المسلمات التي لا يتحدث بها عاقل أو يختلف عليها اثنان أن قيام دولة كردية وعلى أساس عرقي على أي جغرافية في الإقليم يمثل خطًا أحمر من قبل الدول المعنية الأربع، تركيا وسوريا والعراق وإيران، ومن البديهيات كذلك أنّ الغرب يراعي كثيرًا حليفه الاستراتيجي التركي ويتفهم لمفردات أمنه القومي وعلى رأسها الوجود الكري في الأناضول، من هنا فالغرب شديد الحرص على عدم المساس بالمكون الكردي في تركيا أو ما يستنهضه ويحرضه من تجارب إقليمية تثير لديه نزعة التقليد والمحاكاة.

الاستفتاء اليوم على انفصال كردستان العراق لا يمكن فهمه بمعزل عن الظروف الموضوعية في المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية واستراتيجية تأجيج الحرب الدينية والمذهبية على وجه التحديد والدقة.

فمن المعروف أنّ الاستراتيجية الأمريكية لإعادة التموضع في المنطقة لخلط الأوراق خدمة لأمن الكيان الصهيوني عبر ركوب موجة الربيع وترقب خراجه قد منيت بضربات موجعة وهزائم خطيرة فرضت عليها حتى التفكير بالتضحية ببعض من يسمون بالحلفاء في المنطقة والانصياع قسرًا لقواعد اللعبة والاشتباك والمصالح الجديدة كليًا.

فحلم إسقاط النظام في سوريا أصبح من الخرافات وحلم دعم الجماعات المسلحة في سوريا والرهان عليهم لخلق واقع جديد أصبح من منكرات السياسة، وحلم دولة "سٌنة" ستان التوسعية في الموصل على يد داعش تبخرت على يد الحشد الشعبي.

حلم الغرب وراهن على إقامة جيب سني عازل بين العراق وسوريا بدءا من الموصل وصولًا إلى الرقة ودير الزور وقاضمًا لما استطاع من محافظات العراق السٌنية تحت لواء ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام واختصارها "داعش". وهذه الدولة – وكما حلم الغرب – لها كل الرموز السيادية للدولة من علم وعملة ونشيد وحكومة ومناهج وثروة نفطية ولم يتبق لها سوى الأرض ليقوم الغرب بفرضها بالقوة على المجتمع الدولي بألف ذريعة وسبب خدمة لمصالحه في تفتيت الأمة وغرس الظلامية والجهل وإشاعة ثقافة القتل المجاني وهدر الأنفس والمقدرات والثروات.

ونكمل في الجزء الثاني إن شاء الله.

Ali95312606@gmail.com