الأزياء الرجاليّة في الدراما العُمانية (8)

شيخة الفجرية – باحثة وناقدة – سلطنة عُمان


واهمٌ من يعتقدُ أن الملابس ليست إلا كماليات في النصِّ الدرامي المتلفز، بل هي الجزء الأصيل الأكثر تعبيراً عن الشخصية والهوية، والملابس العُمانية من أهم المرتكزات التي تميز الشعب العُماني العريق، وكان أبرز ما تميز  به أهل عُمان هو صنعهم لملابسهم، وفي ذلك يقال أن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لبس ثوباً صُحارياً، أو كُفِّنَ بثوبٍ صُحاريّ، وهذا إن دلَّ فإنه يدل على الجذور العميقة للملابس العُمانية التي تصنعُ بيد أهلها، وقد" تفاعل العُمانيون مع غيرهم من الشعوب والحضارات بحكم توجههم التجاري البحري الذي فرضه عليهم واقعهم الجغرافي"(1)، والذي وسعَ من أفق التلاقي والتبادل التجاري بينهم وبين الشعوب التي وصلوا إليها بسفنهم وأشرعتهم، وهذا التوّجه الذي ساق إليهم أفخر المواد التي يستطيعون بها تكوين ثقافتهم الخاصة في كل شيء، ومنها صنع الملابس الخاصة بهم دون غيرهم، حيث لاتخلو الولايات العُمانية من النسّاجين العاملين على آلة "الكارجة"(2) التي ينتجون من بين موادها الخشبية ملابسهم الحريرية والقطنية التي يلبسونها.
وقد تميزت الثقافة العُمانية في الملابس، بأنها استعملت أنواع  من الأقمشة، سواء المحلية أم تلك المجلوبة من الصين والهند واليمن، وأبرز دور للملابس العُمانية في الدراما المستقبلية، هو وضع المراحل التاريخية في سياقها الموثق، دون القفز على الحاضر الذي ينتقص كثيراً من قيمة الدراما العُمانية حين تتحدث عن التاريخ والتراث، ولا يمكن للمشاهد القبول بأن تتساوى جميع النساء في المسلسل الواحد من حيث نوع اللبس ونوع القماش، فعلى الرغم من ازدياد نسبة الفقر التي سادت عُمان بعد عام 1900؛ إلا أنَّ العُمانيات حافظن على أناقتهن وعلامات الغنى في طريقة لبسهن.
ومن المعروف عبر السنين عن المرأة العُمانية أنها تخيط بيدها كل شيء، لدرجة أن العُمانيات يتبادلن خياطة ملابسهن، فمنهن من تخيط (تكسيرة) الثوب، ومنهن من تخيط (رسمة) ثوب الرجل(ثوب ريل)، وهكذا لبقية القطع الملبسية، ومن ذلك أتت الأنواع والمسميات المختلفة الباقية إلى الآن، في الباطنة والظاهرة والشرقية وظفار والداخلية، أنواع وأشكال متنوعة من الملابس العُمانية، التي لا يمكن لها الصمود لولا الإستمرارية، بينما دخلت خياطة"الليلام" بعد السبعينيات وتستعمل على نطاق محدود جداً في مناطق محدودة ليس منها أغلب القرى والبلدات التي لطالما لبست صنع يدها، وما دخل على خياطة لبس العمانيات جاء موافقاً لما كان عليه قبل مجيء  الخياط "الآسيوي"، إذ لاتزال "رسمة المراير" بأنواعها لثوب المرأة في الباطنة موجوداً ويلبس بكثرة، وإزداد لبسه في المناسبات في السنوات الأخيرة كثيرا، سواء كان مخاطاً باليد أم بـ"الماكينة"، ولاتزال "الرسمة الصورية" مستمرة وشائعة، وكذلك "رسمة الشرقية" الخاصة بولايات إبراء والمضيبي والقابل وبقية الولايات القريبة منها، فمن الإجحاف تعميم خياطة "الليلام" في الدراما العُمانية وضرب كل ما اشتهرت به المرأة العُمانية من طريقة لبس عرض الحائط، فـ" في التراث عناصر كثيرة يمكن تطويرها وإنماؤها لتتلاءم مع معطياتنا"(3)، فكيف لبنت النوخذا وبنت كبير التجار وبنت الشيخ وبنت صاحب المزارع والأملاك لبس ثوب لندني بقيمة 600بيسة وتم تخييطها بطريقة "الليلام" كما حدث في بعض المسلسلات؟!  ثمة من برر ذلك بالفنتازيا! بينما في الفنتازيا الدرامية " كثيرا ما يفضّل الخيال على الحقيقة، وتنسج الحقائق من خيوط الأحلام"(4)، فما بالكم بحقائق متوارثة وموثقة، كيف يترك البذخ الموثق ويكرس الفقر المستورد؟ المرأة العمانية تلبس الثوب المصنوع باليد، ويمكن توافره لو توافرت النية الحقيقية في صنع دراما حقيقية وقريبة  من الإنسان العماني، إذ كانت ثمة أسماء للأقمشة المستعملة في تشكيل القطع الملبسية العُمانية، منها: الحرير، واليوذري، والدرياهي، والممشط، و"صراي المندوس"، و"شمروخ النبات"، وضرب إبرة، وشبكة صور، والبريسم إلخ...
ويكفي أن يضع العاملين على الدراما العُمانية قول المقدسي شعاراً قبل تنفيذ أي عمل درامي له علاقة بالتاريخ والتراث سواء بالطريقة الفنتازية أو بالعودة إلى التاريخ الموثق ما قبل القرن العشرين، فقول المقدسي: " ليس على بحر الصين اليوم بلداً أجلَّ منه، عامر، آهل، حسن، طيب، نزه، ذو يسار وتُجّار وفواكه وخيرات، أسواق عجيبة وبلدة ظريفة ممتدة على البحر...، ولهم آبار عذبة وقناة حلوة وهم في سعة من كل شيء"(5)، يفتح أمام الصورة الدرامية المشاهدة أفقاً واسعاً لايمكن حدّه وحصره، وقول المقدسي مجرد مثال بسيط لما قيل في عُمان منذ ماقبل الميلاد في رحلات إيزدور إلى آخر من زار عُمان قبل بداية التدهور الإقتصادي العنيف في عام1865م وتراجع التجارة العالمية في موانيء البلاد.
وقد تختلف الملابس الرجالية عن الملابس النسائية ولكن كلا النوعين ينمازان بالتنوع والثراء، فالملابس الرجالية تكوّنت من: العمامة، والكمة، والقميص(يأتي هذا القميص بشكلين إما قميص قصير أو قميص طويل يصل إلي القدم – الذي يسمى حاليا الدشداشة – وبهذا القميص أزار عند الرقبة (6) ، وكذلك يلبسون الجُبَّة (ثوب واسع الكمين مفتوح من الأمام ويلبس فوق الملابس(7) ، يقول ابن بطوطة عن ذلك: " ولباسهم القطن، ويشدون الفوط في أوساطهم عوضاً عن السروال، ويغتسلون مرات في اليوم"(8).
دخل الرداء (عبارة عن قطعة كبيرة وقد تكون متوسطة أيضا وتصنع من القطن أو الكتان وتلف حول الجسم وقد تستخدم في فصل الشتاء أيضاً) ضمن الجديد في ملابس الرجل العُماني، كما لبس القَبَاءُ(وهو عبارة عن ثوب مفتوح من الوسط يلبس فوق الثياب(10) ، ولبس الَتَّبَان(عبارة عن سراويل قصيرة تصل إلى ما دون الركبة بقليل(11)، يلبسها العمال والمزارعين(12). وملابس الرجل العُماني الشتوية، فهي تلك المصنوعة من قطن أكثر سماكة من قميص الصيف، و يتوشحون الأوشحة والقمصان المصنوعة من الصوف (13)، كما لبسوا الجوارب(14).

المراجع:
1. الشعيبي، بدرية بنت علي: الأزياء وأدوات الزينة في المجتمع النزوي خلال (2هـ/8 م- 10هـ/ 16م) ، بحث مقدم لندوة نزوى تاريخ وحضارة ( 2-4 /11/ 2015م )، تنظيم: هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.
 2. الإسم المحلي لآلة صناعة الأقمشة القديمة في عُمان، وهي لا تزال متواجدة ولكن على نطاق محدود جداً.
3ـ المهنى، عبد الله أحمد: الحداثة وبعض، العناصر المحدثة في القصيدة المعاصرة، عالم الفكر، مج 13، ع3 أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 1988، ص 30.
4ـ صليبا، جميل: من أفلاطون إلى بن سينا، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع،ط3، د.ت، ص 80.
 5. المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة ليدن،1909، ص97.‏
6. الشعيبي، بدرية بنت علي بن جمعة: الأزياء وأدوات الزينة في المجتمع النزوي خلال (2هـ/8 م- 10هـ/ 16م)، المرجع السابق.
7.الكندي، أحمد بن موسى: المصنف، تحقيق عبد المنعم عامر، د.ط، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1981م، ج5ص30؛ الشقصي، خميس بن سعيد: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ،تحقيق سالم بن حمد الحارثي، د.ط، وزارة التراث والثقافة، مسقط:د.ت، ج4، ص 96.
8.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت بدون تاريخ، ص276.‏
9. الشعيبي، بدرية بنت علي: الأزياء وأدوات الزينة في المجتمع النزوي خلال (2هـ/8 م- 10هـ/ 16م) ، سبق ذكره.
10.الكندي، أحمد بن موسى: المصنف، مرجع سابق، ص30؛ الشقصي، خميس بن سعيد: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، مرجع سابق، ص88.
11. الكندي، أحمد بن موسى: المصنف، مرجع سابق، ص30؛ الشقصي، خميس بن سعيد: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، مرجع سابق، ص88.
12. الشعيبي، بدرية بنت علي: الأزياء وأدوات الزينة في المجتمع النزوي خلال (2هـ/8 م- 10هـ/ 16م)، مرجع سبق ذكره.
 13.الشقصي، خميس بن سعيد: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، سبق ذكره، ص95-98.
 14.الكندي، محمد بن إبراهيم: بيان الشرع، د.ط،  وزارة التراث والثقافة، مسقط: 1984م، ج45، ص24.

تعليق عبر الفيس بوك