مناقشات مستفيضة ومداخلات ثرية من الحضور حول مدى إمكانية إلزام الشركات بتنفيذ مشاريع المسؤولية الاجتماعية

الجلسة الأولى من المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية تستشرف "مستقبل الاستدامة".. وتبرز دور "مركز الحوكمة" في الإعداد لـ"الميثاق"

...
...
...
...
...
...
...
...

◄ إبراز الفارق بين العمل الخيري ومشروعات المسؤولية الاجتماعية

◄ الاستدامة نهج دائم ومتوازن للنشاط الاقتصادي والمسؤولية البيئية والمنفعة المجتمعية

◄ "مركز الحوكمة" يستهدف تطوير أداء مجالس إدارة الشركات وتشجيع التنافسية الاقتصادية

◄ "ميثاق الاستدامة" مرجع لجميع المؤسسات بالسلطنة ويشمل كافة المجالات

◄ البوسعيدي: التعريف بالاستدامة يتضمن إقامة مؤتمر وإنشاء جائزة وطنية

◄ "ميثاق الاستدامة" مرجع للجميع دون إلزام

◄ البهلانية: تغير إيجابي من قبل المؤسسات تجاه مشروعات المسؤولية الاجتماعية

◄ الحارثي: المسؤولية الاجتماعية واجب وطني على كل المؤسسات

◄ د. محمد الزدجالي: لا بد من غطاء تشريعي يُلزم الشركات بتحديد نسب من الأرباح للمسؤولية الاجتماعية

◄ المسن: "الغاز المسال" تواصل تخصيص نسبة للمسؤولية الاجتماعية رغم أزمة النفط

الرؤية- مدرين المكتومية- محمد قنات

تصوير/ راشد الكندي

حملت الجلسة الأولى من أعمال المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية، عنوان "مستقبل الاستدامة"، وهدفت إلى استعراض الفارق بين المسؤولية الاجتماعية للشركات وثقافة العمل التطوعي، وضوابط ومبادئ المسؤولية، وآليات تطبيقها، واستراتيجية إدارتها لتعظيم حجم الاستفادة منها تنمويا.

وكان المنتدى قد انطلق برعية معالي الشيخ محمد بن سعيد الكلباني وزير التنمية الاجتماعية، تحت شعار "نحو ميثاق وطني للمسؤولية الاجتماعية"، وبتنظيم من جريدة "الرؤية". وشهد المنتدى، ولأول مرة في السلطنة، مشاركة الشيخة حصة بنت خليفة آل ثاني مبعوث الأمين العام لجامعة الدول العربية للشؤون الإنسانية كضيفة شرف المنتدى، علاوة على مشاركة عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة الرائدة في مجال المسؤولية الاجتماعية والمهتمين من أفراد ومؤسسات، بجانب حضور أصحاب السمو والمعالي والسعادة والجهات المعنية والشباب.

وسعت الجلسة الأولى من أعمال المنتدى إلى إيجاد حلقات ربط بين موجهات الاستدامة بإطارها الواسع، وتمدُّداتها لتشمل المسؤولية الاجتماعية كمجال إنمائي، وشهدت الجلسة نقاشا مستفيضا حول أهمية تأسيس مركز أو هيئة أو جهة يُناط بها تنظيم جهود المسؤولية الاجتماعية وتوجيهها، والآلية التنظيمية لتحقيق ذلك. كما استشرف المشاركون في الجلسة مستقبل المسؤولية الاجتماعية في السلطنة، وآليات دعمها من قبل القطاعات المتعددة ودمجها ضمن مبادئ التخطيط الإستراتيجي. وسلطت الجلسة الضوء على الكيفية التي يمهِّد بها الميثاق الطريق لجعل مفهوم المسؤولية الاجتماعية ديناميكيًّا متطورًا ومواكبا للمستجدات.

التطلعات المستقبلية

وقدم السيد حامد بن سلطان البوسعيدي المدير التنفيذي لمركز عمان للحوكمة ورقة عمل بعنوان "التطلعات المستقبلية للاستدامة"، والتي جاءت على 3 محاور رئيسية؛ تناول المحور الأول منها تعريف ومفهوم الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري، فيما حمل المحور الثاني عنوان "فوائد الاستدامة"، أمّا المحور الثالث فتناول ميثاق الاستدامة ودور مركز عمان للحوكمة.

واستهل البوسعيدي ورقة العمل بالحديث عن العمل الخيري، وقال إنه يشير إلى تقديم الشركات للتبرعات الخيرية لمعالجة مجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها كجزء من استراتيجية شاملة للمواطنة، في حين أن المسؤولية الاجتماعية للشركات تمثل استراتيجيات وممارسات الشركات لإعلاء شأن القيمة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية في إطار نماذج وممارسات العمل الأساسية.

وأضاف أنّ الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية هما وجهان لعملة واحدة، مشيرا إلى أنّ الاستدامة تعني تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأساسية للجميع، وتمتد لتشمل كل الفرص المتاحة من أجل تحقيق حياة أفضل، بينما المسؤولية الاجتماعية تمثل مسؤولية المنظمات تجاه تحقيق التوقعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لشركائهم والحد من تأثير الشركاء.

وأسهب البوسعيدي في تعريف الاستدامة وقال إنّها "نهج دائم ومتوازن للنشاط الاقتصادي والمسؤولية البيئية والمنفعة المجتمعية"، مضيفا أنّ الاستدامة تتعلق بتحقيق تحديات تمتع الأجيال القادمة بنفس أسلوب الحياة التي يتمتع بها الجيل الحالي، وهو ما يقتضي بطبيعة الحال تبني منظور طويل المدى في إحداث توازن في التأثيرات الاقتصادية والبيئية والمجتمعة لنشاط الشركة.

وانتقل البوسعيدي بعد ذلك إلى المحور الثاني وتحدث عن الفائدة من الاستدامة، وقال إنّ ثمة فوائد متعددة تعود على المؤسسات عند تطبيق الاستدامة، منها تعزيز سمعة الشركة والتي في المقابل تقود إلى تعميق ولاء العميل للشركة، تحقيق الكفاءة من خلال استخدام مواد خام أقل وطاقة أقل والكثير من إعادة التدوير، وكذلك تحقيق الربحية والفوز بثقة أصحاب العلاقة، كما إنّ الموظفين الذين يكونون في حالة تحفيز أفضل حالا للعمل في شركة يعتبرونها "تفعل الشيء الصحيح"، إضافة إلى أنّ الاستدامة تساعد الشركة على تعزيز موقعها وتشجِّع القرارات المتعلقة بالاستدامة لدى الآخرين. وهذا يساعد على تعزيز منتجاتها.

مركز الحوكمة

وعرج البوسعيدي عقب ذلك على المحور الثالث، والذي استعرض فيه ميثاق الاستدامة ودور مركز عمان للحوكمة في هذا السياق؛ حيث قدم نبذة عن المركز، والإطار الوطني لمشروع ميثاق الاستدامة في السلطنة.

وقال البوسعيدي إن المركز أنشئ بموجب المرسوم السلطاني عام 2015، ويعنى بنشر مفهوم وثقافة الحوكمة والاستدامة في كافة المؤسسات في السلطنة، وهو مستقل إداريا وماليا غير هادف للربح، ويقدم خدمات التدريب والاستشارات والبحوث والدراسات.

وأوضح أدوار المركز والتي ذكر من بينها تولي مهام التدريب والتطوير؛ حيث يقدم المركز برامج أكاديمية وتدريبية من شانها تحسين وتطوير أداء مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والأطراف الأخرى. كما يعمل المركز على تمثيل مجالس إدارات الشركات في توصيل آرائهم ومبادراتهم ومقترحاتهم إلى الجهات الرقابية والمختصة فيما يتعلق بالقوانين واللوائح التي تتعلق بمجلس الإدارة وكل ما يتعلق بتطوير العمل في مجال حوكمة الشركات من أجل تشجيع تأسيس بيئة عمل اقتصادية تنافسية قادرة على المنافسة إقليميا ودوليا، وبالتالي سيكون للمركز صوت مسموع مؤثر لدى الجهات ذات العلاقة بعمل الشركات والدولة بشكل عام.

وأشار إلى أن من أدوار المركز وضع الممارسات والمعايير، وذلك من خلال إجراء البحوث والدراسات في مجالي الحوكمة والاستدامة التي من شأنها تطوير المبادئ والممارسات للشركات والأفراد، بالإضافة إلى العمل على إنشاء مواثيق مختلفة والتنسيق مع السياسات والقواعد الحكومية.

ومن ثم استعرض البوسعيدي "الإطار الوطني لمشروع ميثاق الاستدامة في السلطنة"، وأوضح أن الهدف من المشروع ترويج مفهوم وأهمية الاستدامة في بيئة عمل المؤسسات والعائد عليها وعلى المجتمع بشكل خاص واقتصاد البلد بشكل عام، وأن يكون مرجعا لجميع المؤسسات في السلطنة، وكذلك أن تصبح هذه الثقافة موضع اهتمام مستمر من قبل مؤسسات الأعمال، وليمتد مفهومها ليشمل العديد من المجالات؛ كالاهتمام بالقضايا الاقتصادية والبيئية والاجتماعية الإنسانية والأخلاقية والمهنية، ومراعاة حقوق العاملين، والشفافية في العمل، والاهتمام بالصحة والتعليم والتدريب والتأهيل والبعد عن الفساد المالي والأخلاقي، ومراعاة حقوق الإنسان، وتطوير المجتمع المحلي، وإصدار تقارير الاستدامة الشاملة لهذه الجوانب التي من شأنها تعزيز الشفافية وقيم التكافل والعطاء. وبيّن أن هذا المشروع يهدف إلى وضع استراتيجية المركز في مجال الاستدامة. وختم البوسعيدي ورقة العمل بالإشارة إلى محتويات الميثاق وآليات العمل.

تعريفات متنوعة

ولفت إلى أن الميثاق يحتوي على وضع تعريف محدد لكل من الاستدامة، والمسؤولية الاجتماعية والعمل التطوعي، وكذلك تحديد الأطراف المعنية وتحديد القطاعات والأولوية، وإبراز العائد على الشركات من تطبيق وافضل الممارسات المتبعة في الاستدامة مع إعطاء بعض الأمثلة، علاوة على أن الميثاق سيسعى إلى توضيح كيفية إعداد تقارير الاستدامة، وتوضيح وربط العلاقة بين القطاع الخاص والعام لتسهيل الشراكة والتنمية واستدامة المشاريع التي تخدم الاقتصاد الوطني.

وحول آليات العمل، أوضح البوسعيدي أن المرحلة الأولى تتضمن دراسة المشروع من خلال قياس وتقييم وإشراك جميع الأطراف المعنية، مشيرا إلى أن هذه المرحلة تنقسم إلى قسمين؛ الأولى تتمثل في مرحلة البحث والمسح المكتبي، والثانية هي مرحلة المسح الميداني.

وأضاف أن المرحلة الثانية تشمل التخطيط وإعداد السياسات، وقال إن مرحلة التخطيط وإعداد السياسات تأتي بعد الانتهاء من نتائج المستخلصة من المرحلة الأولى، وبدء إعداد السياسات الوطنية والخروج بتوصيات لتأطير عمل ميثاق السياسات الوطنية في الاستدامة.

وزاد أن المرحلة الثالثة تتمثل في التعريف بالسياسات الوطنية في الاستدامة وتقديم السياسات الوطنية للشركات، عن طريق التوعية وإقامة مؤتمر واستخدام وسائل الإعلام للشركات والمجتمع المحلي في السلطنة، وأيضا من خلال إنشاء جائزة الاستدامة وفتح باب التسجيل لجميع الشركات المحلية للتنافس فيها، على أن يتولى المركز القيام بذلك وبالتعاون مع مختلف الأطراف.

وبين أن المرحلة الرابعة تتضمن التدريب والتأهيل؛ حيث سيتم تدريب الشركات على كيفية تطبيق هذه السياسات بشكل احترافي بالتعاون مع خبراء خارجيين للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الشركات وإلزام الشركات المساهمة العامة في الإفصاح عن أبرز الممارسات المتبعة في الاستدامة في الشركة، على أن يتولى مركز عمان للحوكمة القيام بذلك كونه جزءا من اختصاصاته.

الجلسة النقاشية

وعقب الكلمة، عقدت جلسة نقاشية شارك فيها سعادة الدكتور يحيى بن بدر المعولي وكيل وزارة التنمية الاجتماعية، والسيد حامد بن سلطان البوسعيدي المدير التنفيذي لمركز عمان للحوكمة والاستدامة، والمكرمة صباح البهلانية رئيسة جمعية التدخل المبكر للأطفال ذوي الإعاقة، وسليمان بن حمد الحارثي نائب الرئيس التنفيذي للأعمال المصرفية الإسلامية ببنك مسقط، فيما أدار الجلسة الإعلامي يوسف الهوتي. وشهدت مناقشات مستفيضة حول مستقبل الاستدامة وآليات تعزيز جهود المسؤولية الاجتماعية ودورها في التنمية المجتمعية.

وانطلق النقاش بتوجيه يوسف الهوتي مدير الجلسة سؤالا إلى سعادة الدكتور وكيل وزارة التنمية الاجتماعية حول مفهوم الاستدامة في إطار المسؤولية الاجتماعية. ورد سعادة الوكيل بتوجيه الشكر إلى جريدة الرؤية على تبنيها مثل هذه المبادرات، وهو نهج إيجابي يعكس حس المسؤولية العالي لدى القائمين على أمرها، وقال: "لدي عدد من الملاحظات التي تنصب جميعها في هذه المبادرة، وتوجيهات مولانا صاحب الجلالة في الكلمة التي ألقيت في مستهل المنتدى، وتوجيهات جلالته الدائمة والمستمرة بضرورة عقد شراكة حقيقية من أجل أن تتحقق التنمية المستدامة، وأن تكون هذه الشراكة حقيقية بين القطاع الخاص والقطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني". وأشاد المعولي بالتنظيم المميز للمنتدى، من حيث المشاركات المتنوعة، سواء في أوراق العمل أو الجلسات النقاشية، مشيرا إلى أن أبرز ما يميز هذا المنتدى هو السعي لنقاش حر مستفيض يخرج برؤى واضحة أو خارطة طريق للمستقبل في هذا المسار. كما وجه المعولي الشكر إلى الهيئة العامة لسوق المال، والتي اجتهدت وقدمت مشروع ميثاق الاستدامة، والذي يتضمن جوانب المسؤولية الاجتماعية، مؤكدا الحاجة الماسة إلى تطبيق هذا الميثاق.

وتابع المعولي قائلا إنّ المجتمع العماني يشهد العديد من مشاريع المسؤولية الاجتماعية، وهناك جهد يتنامى باستمرار من القطاع الخاص تأصيلا لمفهوم المسؤولية الاجتماعية. وأوضح أنّ مفهوم المسؤولية الاجتماعية ظهر منذ عشرات السنوات، فعندما بدأت آثار الثورة الصناعية على المجتمع، انطلقت ردود الأفعال ضد الشركات الصناعية، وبدا الانتباه والوعي في النمو والتأكيد على ضرورة تحقيق الانسجام بين ما يقوم به القطاع الخاص أو الشركات الصناعية وغيرها من الشركات تجاه المجتمع.

العمل التطوعي

من ثم انتقل الهوتي لتوجيه حديثه إلى المكرمة صباح البهلانية وقال: من واقع الخبرة في العمل التطوعي.. ما هي أهداف تحقيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية؟ وردت البهلانية قائلة: في اعتقادي أنه في السابق كما ذكرنا أنه معظم الناس والجمعيات يقومون بعمل خيري وكان معظم الشركات يقدم مبالغ، لكن في الوقت الحالي أصبح هناك تغيير بين الشركات وبين مؤسسات المجتمع المدني، وذلك من خلال الشراكة، والتي لا تقوم فقط على توفير الأموال، إنما أيضا عبر إقامة علاقات قائمة على الاستدامة وذات صلة بتغيير مفاهيم المجتمع. وأوضحت أن جمعية التدخل المبكر تلقت دعما كبيرا في البداية من معظم الشركات، وتم تنفيذ العديد من المشروعات والأعمال، لكن الدعم كان في صورة تقديم أموال فقط، لكن الآن تحول الأمر إلى مشاركة حقيقية، وانخراط في مختلف الأعمال التي تقوم بها الجمعية. وأشارت إلى أن مفهوم المشاركة تطور حتى إن الكثير من العاملين في الشركات يقومون بزيارة الجمعية وتقديم الخدمات والمشاركة في تنفيذ الفعاليات، مؤكدة أن مثل هذه الأمور تؤكد تنامي الوعي المجتمعي بأهمية المسؤولية الاجتماعية.

وانتقل الهوتي بسؤاله بعد ذلك إلى سليمان بن حمد الحارثي نائب الرئيس التنفيذي للأعمال المصرفية الإسلامية ببنك مسقط، حول إشكاليات تحقيق الاستدامة في المسؤولية الاجتماعية. واستهل الحارثي إجابته بالتأكيد على أهمية أن يفرق القائمون في المؤسسات الخاصة بين الدعاية والإعلان من جهة وبين المسؤولية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن المسؤولية الاجتماعية يجب أن تكون متأصلة في فكر المسؤولين، وأن الأمر ليس تكليفاً وإنما جزء من عملهم، كما لا يجب اعتباره عبئا على المؤسسة وإنما هو واجب وطني وتنفيذي بطريقة منظمة.

وأوضح الحارثي أن الكثير من الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز حققت خطوات متقدمة في مجال المسؤولية الاجتماعية، وبات لديهم المقدرة على استقبال الطلبات وتقييمها ومنح الأولوية للطلبات الجيدة التي تضمن الاستدامة، مشيرا إلى أهمية إشراك الموظفين في مشاريع المسؤولية الاجتماعية وليس المؤسسات فقط.

وينتقل الهوتي بالسؤال إلى السيد حامد البوسعيدي، وقال: "لقد طرحت في ورقتك بعض المفاهيم والوصول إلى ميثاق عمل، وعندما نقول ميثاق فإنه يعني الالتزام.. فهل هذا يعني إلزام كل المؤسسات الخاصة والمؤسسات العامة في الدولة بالعمل التطوعي بشكل منظم ومنهجي في إطار منظم؟ أم أن كل مؤسسة تعمل بشكل مستقل؟

وقال السيد حامد البوسعيدي إن الميثاق يمثل مرجعًا للجميع، ولكل مؤسسة الحق في كيفية تفعيل الاستدامة في بيئة العمل، لكنه ليس إلزاميًا على الشركات، لكن ربما الوضع يكون مختلفاً في سوق رأس المال، نظراً لأن الجهة الرقابية المعنية قوانيها وتشريعاتها إلزامية للشركات المساهمة العامة، وإذا صدر قرار أو تعميم ستُلزم الشركات المساهمة العامة بتطبيقه بشكل كامل. ونوه البوسعيدي إلى ضرورة أن تكون هناك جهة تراقب وتتابع وتقيم، مشيرا إلى أنه بالنسبة للشركات الحكومية، فإنَّ وزارة المالية وجدت هذا الميثاق جاهزا، وتم إعداده من قبل جهة أخرى، وهي مخولة وحدها بتطبيق هذا الميثاق على الشركات الحكومية، فإذا ارتأته ملزماً فهذا شأنها، لكن بالنسبة لميثاق مركز عمان للحوكمة فإنه غير ملزم. وشدد البوسعيدي على أن الإلزام لا يجب أن يكون في صورة مبالغة، لأنه هنا سيتحول إلى ضريبة، لكن الإلزام في الوعي ببعض بنود الميثاق، وعبر البوسعيدي عن رأيه بأنه يعارض في الوقت الحاضر إلزام الشركات بتخصيص نسبة معينة من أرباحها لمشاريع المسؤولية الاجتماعية، وأن يترك المجال مفتوحا أمام الشركات، لأنها في النهاية أموال المساهمين، ما يعني أن هناك مجلس إدارة يقرر ما يشاء.

مداخلات عامة

وشهدت الجلسة مداخلات من الحضور المشاركين في أعمال المنتدى، حيث قال سعادة الدكتور محمد بن إبراهيم الزدجالي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية صحار: "لدي مداخلة في محورين، المحور الأول المسؤولية الاجتماعية؛ حيث للأسف الشديد لا يوجد قانون في السلطنة يلزم شركات القطاع الخاص بالمسؤولية الاجتماعية، ولتوضيح الحقائق فإنّ الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال المؤسسة الوحيدة التي يوجد بعقد تأسيسها نسبة محددة كحدى أدنى للمسؤولية الاجتماعية؛ وهي 1.5 في المئة، وهذا المبلغ يصل في سنة واحدة لأكثر من 5 ملايين ريال عماني، ويزيد سنويًا تحت مظلة المسؤولية الاجتماعية، والشركة مشكورة تمد يد العطاء إلى كافة أرجاء السلطنة، ولا تقتصر مساهمتها على نطاق عملها الجغرافي". وأضاف الزدجالي أن شركات تعمل مثلاً في حدود صحار وهي الشركات الأكثر استثمارا في ميناء صحار، لكنها لا تدفع ريالا واحدا للمسؤولية الاجتماعية، لغياب عامل الإلزام. وطالب الزدجالي بأن تخرج توصيات المنتدى بضرورة إيجاد غطاء تشريعي لإلزام الشركات بالمسؤولية الاجتماعية، أو البدء بفئة معينة من الشركات تسهم بنسبة محددة كحد أدنى في مشروعات المسؤولية الاجتماعية.

وتداخل سعادة الدكتور وكيل وزارة التنمية الاجتماعية قائلاً: أعتقد أن فلسفات المسؤولية الاجتماعية قائمة على الطوعية وليس الإلزام، في حين أن إيجاد صيغة معينة لتنفيذ مشاريع المسؤولية الاجتماعية أمر يعود لمجلس إدارة الشركة، التي تقرر النسبة التي يمكن أن تقدمها للمجتمع، وما يهمنا في هذا السياق أن يكون هناك التزام أخلاقي تجاه المجتمع، مشيرا إلى أن الصورة في عمان مشرقة، وليست قاتمة كما يتصور البعض، إذ إن هناك شركات عديدة تحدد نسبة مسؤوليتها الاجتماعية، حتى وإن كانت هناك شركات مقصرة، لكن دعونا نتفاءل فهناك جهود واضحة تبذل ومقدرة.

إلزام أم تطوع؟!

وهنا يطرح مدير الجلسة النقاشية تساؤلا حول إذا ما كان الأمر يتطلب أن يكون هناك إلزام أم يتم ترك المجال للجميع أن يعمل بحرية؟

وجاء الرد من المدير التنفيذي لمركز عمان للحكومة والاستدامة قائلا إن سؤال سعادة عضو الشورى يتحدث عن تحديد نسبة معينة، لكنني أعتقد أن مشاريع المسؤولية الاجتماعية ينبغي أن تكون نابعة عن قناعة حقيقة وإيمان راسخ بأهميتها في المجتمع، ومن ثم فإن تنفيذ مثل هذه المشروعات سينجح إذا ما تحقق ذلك.

وأضاف السيد حامد قائلاً إن هناك إحدى الشركات الأمريكية، قام صاحبها بتأسيس شركة سفريات خصص عائدها لسفر كبار السن، من خلال عرض مالي خاص، وأصبح يستقطع من هذه المبالغ ويستثمر ما يستقطعه في الجانب الخيري، والآن الشركة أصبحت مخصصة للفئات العمرية الأخرى، وأصبحت الشركة من أكبر الشركات في أمريكا، وأدرجت في سوق الأوراق المالية، مشيرا إلى أن كل هذا النجاح تحقق بفضل إيمان مؤسسها بالعائد. لذلك استدرك البوسعيدي قائلاً إنه إذا لم تكن القيادات في المؤسسات مقتنعة بأي عمل كان، فإنه لن يكتب له الاستمرارية، لكن إذا ترسخت الفكرة فستتحقق الاستدامة في العمل، حتى إذا ذهبت القيادات أو تغيرت، فحينها سيتحول الأمر إلى التزام أخلاقي للملاك ومجالس الإدارات والمساهمين.

ويتداخل الشيخ خالد بن عبد الله المسن الرئيس التنفيذي للمؤسسة التنموية للشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال؛ واستهل حديثه بتقديم الشكر إلى جريدة الرؤية، وقال إن هذا التجمع المميز كنا ننتظره منذ فترة طويلة. وأضاف أن الشركة العمانية للغاز المسال مثال رائد في مجال المسؤولية الاجتماعية منذ 20 عامًا، كما إن مجلس الإدارة كان له السبق في تخصيص نسبة 1.5 في المئة من أرباح الشركة، وهي شركة وطنية تساهم في الدخل الوطني مع الحكومة في حدود 15 في المئة، ورغم التأثر بأسعار النفط إلا أن نسبة الـ1.5 في المئة لا تزال قائمة.

وتابع المسن قائلا إنه تم مؤخراً تأسيس شركة تنموية للمؤسسة العمانية للغاز الطبيعي المسال، إيماناً منها بأهمية المسؤولية الاجتماعية، وإن المبالغ التي تدفع للتأمين انخفضت بسبب المسؤولية الاجتماعية والعلاقات الطيبة مع المجتمع، حيث تم توفير الملايين من الريالات في جانب التأمين، وهذا عائد مادي يتحقق بفضل المسؤولية الاجتماعية.

وزاد قائلاً إن المؤسسة التنموية للشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال ترحب بأي شركة لديها الرغبة في الاطلاع على المنصات أو الحوكمة، مشيرا إلى أن السياسات التي تقوم بها الشركة واجب وطني ونحن شركاء مع الجميع لخدمة الوطن والمجتمع.

وانتقل الحديث إلى السيد حامد بن سلطان البوسعيدي وقال إنه من خلال الاطلاع على تجارب بعض دول العالم ومن خلال الاحتكاك مع الخبرات المتواجدة في فريق العمل من عمانتل وشركة النفط العمانية وبعض البنوك، فإنه سيتم عرض المسودة على الجميع. وبين أنه فيما يتعلق بالمكافآت المالية، فإن المتطوع لديه مسؤوليات والتزامات ويتطوع خيراً، لكن من أجل استمرار تطوعه وعطائه لابد أن يتم تحفيزه، وكذلك المؤسسات الحكومية أو الخاصة إذا أردنا أن تساهم فلابد أن يكون هناك حافز على استمراريتها مثل تخفيض الضرائب وأن تمنح الأولوية في المناقصات والقوى العاملة. ومضى قائلاً إن الاستدامة ليس المقصود منها الاستمرارية فقط، بل هي المفهوم الأشمل للمسؤولية الاجتماعية، وأي مشروع يراد قيامه لابد أن يراعي 3 جوانب؛ البيئة والمجتمع والاقتصاد.

فيما قالت المكرمة صباح البهلانية إن الجمعية الآن بدأت تقدم خدمات للأطفال مرة في الأسبوع، حيث إن الجمعيات الخيرية تقدم خدمات مثلما تفعل المؤسسات الحكومية والمؤسسات الصحية وهذه الخدمات لا يمكن أن تقدم بدون متطوعين، والذين أصبحوا موظفين في هذه الجمعيات، وقد تغير المفهوم لديهم، علاوة على الالتزامات التي تقع على عاتقهم، لكن في المقابل هناك متطوعون يقدمون جزءا بسيطا من أوقاتهم في العمل التطوعي مع الجمعية، ولا يريدون مقابلا، وهناك من يساعد في عملية جمع التبرعات وآخرون يقدمون مساعدتهم في فعاليات متنوعة، وهذا يدل على أن ليس كل الأعمال الخيرية تكون بنسبة كبيرة تطوعية.

ثقافة العطاء

وذهب سليمان بن حمد الحارثي إلى أن فكرة وثقافة العطاء لازالت غير مكتملة في المجتمع، مشيرا إلى أن مثل هذه المنتديات والمؤتمرات يجب أن تقام في كل محافظة، فالإنسان العماني بطبعه محب للخير ومعطاء، ومن خلال العمل مرت علينا عدة نماذج، ومن خلال عملنا مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في تنفيذ مشروع المؤسسات الوقفية، يتضح أن هناك العديد من الأشخاص الخيرين، والذين يتبرعون بمبالغ كبيرة، وفي بعض المناطق البعض تبرع بنصف مليون ريال عماني، والبعض الآخر قام بتأسيس مؤسسات وقفية. وأضاف الحارثي أن انتظار العائد المادي مثل تخفيض الضرائب غير محبب، إذ إننا نأمل أن يتم تعميم فكر المسؤولية الاجتماعية على كل فئات المجتمع، حتى الأطفال، مشيرًا إلى أن المجتمعات الأوروبية تصطحب الأطفال عند تنفيذ المشروعات الخيرية، وهو ما يضمن غرس قيم ومفاهيم المسؤولية الاجتماعية في نفوس الصغار.

وحول دور ريادة الأعمال في المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة، قال سعادة الدكتور يحيى بن بدر المعولي وكيل وزارة التنمية الاجتماعية إن ريادة الأعمال غايتها تحقيق التنمية المستدامة، ولا ضير من أن يكون هناك تعاون بين بعض المؤسسات الداعمة في مجالات التدريب والتنمية وغيرها من المجالات، وهو ما يعكس كذلك مفهوم الشراكة. وتابع أن مجموعة من الشباب قاموا بتأسيس شركة زراعية وقدموا مبادرة إلى وزارة التنمية الاجتماعية، من خلال مبادرة تمكين، عبر تحويل أسر الضمان الاجتماعي إلى أسر معتمدة على ذاتها. وبين أن الوزارة اقتنعت بالفكرة وتم عقد شراكة معهم، لافتاً إلى أن هذا النوع من الشراكات مرحب به، طالما أنه يخدم المجتمع وأسر الضمان الاجتماعي بالقدر الكبير.

فيما اختتم السيد حامد بن سلطان البوسعيدي حديثه بالتأكيد على أنّ دور المركز يتمثل في وضع آليات تنظيمية، وأن دعم رواد الأعمال ينحصر في مخاطبة الجهات المعنية، لكنه شدد على أن ريادة الأعمال تمثل إحدى مسؤوليات الشركات الكبرى، وعلى الجميع أن يقدم لرواد الأعمال الدعم الكافي لتحقيق النجاح.

تعليق عبر الفيس بوك