أنا الاسمُ المرفوعُ بثبوتِ نُونكِ

عبد الله بليجان السمعو – حلب - سوريا


(1)
لا تمُت قبل أن تعرف الحقيقة
 فالخريف خدعةٌ ابتكرتها الأشجار لتُخبر العصافير أنّها تقدّمت في السّن
الطريق الّتي لحقت بالرّياح أخبرتني بذلك
لأُخبر العصفورين أن يتريّٓثا ف عُشّهُما لن يسقط
(2)
كيف لعاشقين أن يسقطا وهما لم يكونا على الحافّة؟!
الحقيقةُ عجوزٌ حكيمةٌ تجلسُ على كُرسيٍّ هزّاز قرب نافذةٍ تُطلُّ على صدري
لا يُراودها النّعاس
هي لا تنام غير أنّها تُغمضُ عينيها لتُكمل في مُخيّلتها مراسم زفاف العشّاق
العشّاق الذين فاتهم موعد زفافهم
وهم يأخذون لبعضهم صُوراً مؤطّرةً
مع خيالٍ ليس من نسل الأغاني
خيال حبسهم بصورةٍ خاطئة
بإطارٍ من فُراق
بزجاجٍ يأخُذُ صُراخهم على محمل الجدّ لدرجة أن يجرح حلقهم أملاً بأن يكفّوا عن الصّراخ خوفاً من أن يتشظّىٓ
ويتحوّل هذا الصّراخُ لأذرعٍ تأكلُ وجه من تُحبُّ شوقاً
 الحقيقة تقولُ: بأنّ هذه الأصابع كانت تحاول كسر الزّجاج للهرب من تلك الصّورة الخاطئة التي احتجزهم الخيالُ الخاطئُ بها
لا كما يدّعي الشُّعراءُ بأنّها أصابّعٌ تلوّحُ بالوداع
كيف لعاشقين أن يسقطا وهما لم يكونا على الحافّة؟!
لأيّامٍ وأنا أغسلُ وجه الحقيقة بالماء
لأزيل كُلّ التّجاعيد التي تُخبّئ أنصاف الأجوبة المفقودة
تلك الأنصافُ الّتي من شأنها أن تُجفّف عرق الأسئلة
وحين سألتُها عنّا
أطلقت ضحكةً سقطٓت عليّ أقواسُ فمها
كما تسقطُ قطرة ماء على سطح ماءٍ راكدٍ فتخلُقُ من الدّوائر
 ما يكفي ليسبح النّهر فزعاً إلى ضفّتيه فارّاً من مائه
ثمّ لا يلبثُ صبراً
حتّى يُدركٓ أنّ حظّهُ من الجريان
هو احتضان الماء له فحسب
نهضٓت عن الكرسيّ
وضعٓت يدها على كتفي
ثمّ قالت: أيسبحُ النّهرُ دون مائه؟!
قلتُ: لا
قالت : فلا يُؤطّرنّكما خيالُ ما أطّر من قبلكم
فتُحبسان كما حُبس من قبلكم
فتكونان جسدين من قصب تُتٓأتأُ الرّيحُ بكما في أعلى تلّةٍ من الفراق
انظر إلىٓ وجهك الكظيم دونها
تعرفُ أنّها حقيقتُك يا بُني
كيف لعاشقين أن يسقطا وهما لن يكونا على الحافّة؟!
لأيّامٍ وأنا أفكّر كيف سأُخلّصُ ما أكتبُ لك من إثم الأغلال
الأغلال التي تلتفُّ حول عنقك لتخنقك
كيف سأنتقلُ بما أكتبهُ لك من تأثيره اللحظيّ إلى ديمومة الحقيقة
الحقيقة التي لطالما كُنّا أنا وأنت ذروتها
أن أخلّصك من الأغلال يعني أن أكون قادراً على
غلي الكلمات
 لأصنع منها عطراً يحمل رائحتي
ربّما سأكون حينها أخفّ حملاً عليك
أنا الاسم المرفوعُ بثبوت نونك
وحمٓامُ ركن الدّين والميسات يشهد
(3)
السّماءُ طاولة زهر
حينما كان العشّاق يُحرّكون النّجوم بأصابعهم
ليحشروا القدر في (خانة اليك)
كُنّا أنا وحبيبتي نتسلّلُ من الباب الخلفيّ للقمر
لنحشو الشُّهب ونُذخّرها بالأماني
أنا أُطلقها من هنا فتلمعُ في سماء دمشق
ثمّ تُطلقها هي فألمع أنا هنا
هكذا نُمضي الليل ونحن نحتال على المسافة العالقة بين أسنان الطريق
لم يكن بدراً كان ترساً في وجه الذئاب التي تعوي ليلة اكتماله،
الذئاب التّي نذرت حناجرها للفراق
لم يكن هلالاً كان سيفاً يقطع صوت البعد قبل أن يصل الصّدى
لكنّها لم تفضح سرّه لئلّا تحزن أيّ عاشقة
وهي ترشُّ الماء على وجه القمر اليابس وتقدّمه لحبيبها كـ(عربونٍ) عن جمالها
صدّقني أيّها الرّجل أنثاك تحتاجُ لضحكتك أكثر من  دمعتك.
(4)
حينما وُلدتُ كان علىٓ أُمّي أن تفي بنذرها لجارتها العقيمة
 لذلك أنزلوني من (طوقها)
هكذا أصبحتُ ابناً للمجاز من أُمٍّ عقيمة
يومها وضعوا (جدعة سُرّتي) في مكتبة أبي
لم يعد يأبهُ أبي كثيراً
بعدما ردّدها الأطبّاءُ على مسمعه مراراً
(لن يعيش طويلاً هذا الطّفل)
لكنّ أمّي استمرّت في فتح ثلاثة أزرارٍ من غريزتها لتُرضعني
حينما كانت أُمّي تضغطُ بإصبعٓيها على ثديها لتُسكت بكائي
كان أبي يُحاول تفسير
لماذا الوقتُ يجلسُ في أزقّة حيّنا
ولتُثبت أمّي لأبي أنّ الوقت ينتظرني أنا
قررت أن (تُملّحني)
لئلّا يكون لعٓرقي رائحةٌ عندما أكبر
 وأطارد الوقت في الأزقّة
سرعان ما انعكس هذا الأمر سلباً عليّٓ حينما كبرت
ولأنّ الغيرة عدّاءةٌ ماهرة
كانت تتعرّقُ من خلالي
هكذا أصبح لعرقي رائحة
ولهذا كان لزاماً على حبيبتي أن تغسلني وتغسل غيرتي
لم أكن معصوب العينين
حينما أوشكت السّيارات أن تدهسني
كُلُّ ما أذكرهُ
قبل أن يتجمّع المارّة حولي وأنا ملقىً على الأرض
أنّك تراءيتِ لي
فقفزتُ قبل أن يرتدّ لي طرفي
كطفلٍ رأى أمّه على الطّرف الآخر من الشّارع
حينما كنتُ طفلاً
لجأت أمّي (لصبّ الرّصاص)
قراءة المعوّذات الثّلاث
تكرار سورة الإخلاص
تبخيري (بالحرمل)
 أخذتني لأحد الشّيوخ الذي قام بكيّي فوق سُرّتي ثلاث كيّات
وكُلها محاولات لتجفيف ثدي التّخمين
هكذا حتّى توقّفتُ عن البُكاء حينها
حتّى أمّي تعرف أنّي كبرتُ على هذه الحيل
وأنّه لم يعُد بإمكان شيءٍ أن يُسكتني
إلّا عناقك أنت.
(5)
أرسلتُ صدري زاجلاً في رجل طير
حمّلتهُ سبعاً طباقاً من وله
ولئلّا يُقيّدهُ الثّقل
درّبتُ نفسي أن أكون كما الشّجر
فيحطُّ عندي يستريح
فغلبتُني
فلم أعد أدري
أأصبٓحٓتني ؟
أم أصبحتُ أنا الشّجر
أفرغتُ ثغرهُ من ترجمات الأغاني
لئلّا تأخذهُ فتنة الأشجار
حينما ترفعُ الأوراق عن ساقيها
فينسىٓ أمري
ويعلو بالغزل
غسلتُ كلّ ما قد يجول يوماً بباله
حتّى ظنّ أنّي أورثتهُ شفاهي
لقّنتُهُ
عُنوان حيّك
والمباني
لون بابك
شكل نوافذ غرفتك المُطلّة على الشّمال وقاسيون
حذّرتهُ من غيرة الجهات الثّلاث الباقية
لئلّا تسحبه
كمحاولة منها لاستدراك خيبتها حينما لا تطالها نظرتك
كيف تفنىٓ
كيف تفشل
وهي تُقلّد ما يُسمّىٓ بالحياة
ولأنّي أعرف أنّ صدري سيسبقهُ
أطلقتُهُ إليك قبل صدري
ثمّ أطلقت صدري إليك
حدّثتهُ عن الرّفاق الّذين يعرفونني
 ويعرفونك
عن الرفيقات اللائي يعرفننا
(دون) أن يعرفوا جميعاً
 أنّي أحبّك
ولأن صدري أكبرُ من أن يُخفيه في إبط جناحه
أخبرتهُ بأن يقول:
هذا صدرُ مغتربٍ يشتاق دمشق
فإن قُرئ هذا النّبأ على مسمعك قبل أن يصلك الطّير
فاعلمي أنّي حينما أقولُ دمشق
أعنيك أنت.

تعليق عبر الفيس بوك