( 1792 – 1804) [1 – 4]

الأنشطة الاقتصادية في عهد السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي

د. صالح بن عامر الخروصي – سلطنة عُمَان

 

بلغ النشاط التجاري والملاحي العماني ذروته في أواخر القرن الثامن عشر، وكان ميناء مسقط يأتي في التصنيف الثاني من حيث الأهمية التجارية بعد موانيء الهند وجنوب شرقي آسيا التي برزت فيها ثلاثة مراكز رئيسية هي: كلكتا Calcutta وبتافيا Batavia وملقا Malaca  التي كانت تزورها السفن الاوربية، مما جعلها على اتصال مباشر بالمراكز العالمية مثل لندن London وأمسترادم Amisterdam ونيويورك New York. وكان التجار العمانيون يقومون بدور مهم في تجارة المحيط الهندي باعتبارهم موزعين للسلع التجارية التي ترد من المراكز الرئيسية الثلاث فضلا عن التجارة الداخلية لمسقط وزنجبار.
التجارة الداخلية: -
تعددت مصادر الدخل المحلية في عمان فساعدت بدورها على رواج التجارة الداخلية، وكانت من بينها المحاصيل الزراعية في منطقة الباطنة (أخصب المناطق الزراعية في عمان)، وكانت صادراتها من هذا المورد تقدر بحوالي مائة ألف روبية أي ما يعادل عشرة آلاف جنيه استرليني، بالإضافة إلى التمور التي تشتهر بها المناطق الداخلية. وكان الاستهلاك المحلي في مسقط قليل جدا، لذلك كان يتم إعادة تصدير معظم البضائع التي تصل إلى الميناء إما من قبل المستوردين الأصليين أو ممن اشتراها من مسقط ، حيث أن الضرائب المقررة على الصادرات تجبى بنسبة 5 % من ثمن التكلفة، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 7.5 % على البضائع المعاد تصديرها. وقد شكلت الضرائب المفروضة على التجارة مصدرا آخر من مصادر الدخل، وقدر المقيم البريطاني في مسقط ستون العائدات الجمركية لميناء مسقط في عام 1802 ب 300 ألف روبية أي نحو 30 ألف جنية استرليني، وهو مبلغ مرتفع مقارنة بعائدات عام 1765 التي بلغت 100 ألف روبية فقط، كما بلغت عام 1786م 200 ألف روبية. ويتفق كيلي مع ستون في أن إيرادات جمارك الميناء تجاوزت 300 الف روبيه مبررا رأيه بأن إيرادات الجمارك في عهد السيد سعيد بن سلطان (1806 -  1856) تراوحت بين 24 و 36 ألف جنيه استرليني، ولذا فإنه لا بد أن يكون دخل السيـد سـلطان من نفس المورد أعلى بكثير نظرا لارتفاع المعدل التجاري لمسقط خلال العقد الأخير من القرن الثامن عشر عنه بعد عشرين عاما ، وبالتالي كانت الضرائب أعلى هي الأخرى. ومن جانب آخر بلغت إيرادات جمارك ميناء السويق 40 ألف روبيه.     
التجارة الخارجية:-

كان المصدر الرئيسي للدخل في عمان هو التجارة الخارجية لما تدره من أرباح المبيعات وعائدات الضرائب الجمركية. وكانت الضريبة الجمركية التي تدفع للجباية بديلا لأجور الاستيراد التي تساوي2.5% ولم تكن هناك ضريبة معلنة على البضائع المصدرة من مسقط. وكانت النسبة العامة للاستيراد في عام 1801 تساوي 7 %، بينما كان التجار المسلمون يدفعون 5 %، ولم يدفع السيد سلطان والتجار المقربين منه أي ضرائب، وهذه هي المرة الأولى مند زمن بعيد يدفع فيها التجارالمسلمون من الضرائب نسبة أقل من غيرهم، وهذا يدل على نجاح سلطان حتى ذلك الوقت في احتكار تجارة الخليج. وتعتبر نسبة الضرائب المفروضة في ميناء مسقط والموانىء التابعة للسيد سلطان قليلة اذ ما قورنت بتلك المقررة في موانىء أخرى، وعلى سبيل المثال فإن نسبة الجمارك التي فرضت في ميناء البصرة في العقد الأخير من القرن الثامن عشر وصلت إلى 7.5% من قيمة البضائع  ، ومع ذلك كانت تجارة البصرة آنذاك تعيش عصرا ذهبيا بحسب وصف القنصل الفرنسي في البصرة السيد روسو. ويبدو أن ازدهار البصرة التجاري حتم على سلطان الدخول في علاقة تجارية وثيقة بالسلطات الحاكمة في تلك المدينة، وقد نجح سلطان في التوصل إلى عقد اتفاقية للتبادل التجاري بطريقة استيراد مخفضة قدرها 3 % من ثمن التكلفة ، وهي النسبة التي كان يتمتع بها التجار الأوربيون فقط في ميناء البصرة.
حصل السيد سلطان على إيرادات كبيرة من الجمارك والموانئ التابعة له خارج عمان ـ ومن بينها الموانئ الواقعة في شرق افريقيا وهي زنجبار Zanzibar وكلوة Kilwa وبيمبا Pemba وماليندي Malindi  وغيرها من الموانئ الصغيرة ـ، وبلغت تلك الواردات حوالي 40 ألف دولار اسباني في عام 1800، ثم ارتفعت في عام 1804 لتصل الى حوالي 46 الف دولار اسباني أي ما يعادل مائة الف روبيه. واستفاد السيد سلطان بدرجة كبيرة ايضا من ايرادات بندر عباس التي قدرت في عام 1801 ب 45 الف روبيه في عام 1802 أي حوالي مائة الف دولار ماريا تريزا ، وهو ما يمثل ثلث دخل السيد سلطان سنويا، وجاء معظمه من تصديره الملح من جزيرة هرمز القريبة من بندر عباس.
ارتبطت عمان بعلاقات تجارية واسعة في عهد سلطان، فبالإضافة إلى علاقاتها التقليدية بالموانئ الهندية، وبمستعمرات فرنسا في المحيط الهندي،وبالموانئ المطلة على الخليج سواء العربية منها أو الفارسية ارتبطت أيضا بعلاقات تجارية مع المستعمرات الهولندية في جنوب شرق آسيا مثل كوشينCochin  وباتافيا Batavia، وكان السيد سلطان يرسل إلى الميناء الأخير ثلاث سفن سنويا لجلب السكر والتوابل بأسعار رخيصة نسبيا عند مقارنتها مع الأسعار السائدة في موانئ غرب الهند. وفتح السيد سلطان طريقا للتجارة مع الحبشة التي كان يستلم منها الفتيان العبيد على سبيل الهدايا، وكان ينوي أن يفتح مركزا تجاريا هناك قرب مضيق باب المندب، حيث كان يرسل كل سنة سفينة محملة بالشمع والخراف وجلود الحيوانات، وفي عام 1802 أرسل إلى الحبشة طلبا للحصول على حصانين ليرى مدى قابلية الأسواق الهندية في شراء تلك الحيوانات. وكانت الحبشة تشتري في المقابل من العمانيين القماش. وجمعت علاقات الصداقة بين سلطان والأمير بيجار (حاكم إقليم السند الواقع في شمال غرب الهند) وتعود جذور العلاقة بينهما إلى حادثة وقعت في عهد والده الإمام أحمد، وعندما تسلم الأمير بيجار الحكم في السـند وتولى سلطان الحكم في عمان قام هذا الأخير بزيارة السنـد، وامتنانا بما قام به السيد سلطان أرسل إليه بيجار كمية من الملح الصخري تقدر ب 30 ألف مند ، وواظب على إرسال تلك الكمية سنويا إلى مسقط، وتوثقت العلاقات التجارية بين البلدين بشكل كبير منذ ذلك الوقت. وضمن علاقاته مع شبه القارة الهندية كانت له علاقات جيدة مع سلطان إمارة ميسور تيبو صاحب، وتعود جذور العلاقات بينهما إلى عصر والديهما ، فكان حيدر على والد تيبو على علاقات تجارية وطيدة بالإمام أحمد، وزاد ذلك النشاط التجاري في عهد تيبو (1782-1799)، وتبادل الطرفان تعيين الممثلين التجاريين بين بلديهما، وعقدت اتفاقية تجارية بينهما تم بموجبها تخفيض الضرائب الجمركية على السفن الميسورية المتاجرة مع مسقط من نسبة 10% إلى نسبة 6% ، وبالمقابل خفضت الضرائب على السفن العمانية التي تتاجر مع ميناء منجلور الميسوري بنسبة 50 % مما كانت عليه سابقا.
      حافظ السيد سلطان في بداية عهده على المكاسب التجارية التي تحققت في عهد سلفه السيد حمد بن الإمام سعيد، وعمل على إضافة مكاسب أخرى مستغلا عدة عوامل منها ما يتعلق بشخصيته، وبالأساليب والمشاريع التجارية التي انتهجها، ومنها ما يتعلق بالظروف الدولية والإقليمية التي سادت العالم والمنطقة آنذاك، ومنها ما يتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي والتجاري العالمي والمحلي آنذاك. ومما يجدر ذكره أن التجارة كانت هي الهدف الأساس الذي دفع سلطان إلى السيطرة على مسقط في عام 1793 ، وعندما أصبح حاكما بقيت الحاجة الملحة لحماية وتعزيز التقدم التجاري لمسقط مسيطرة على تفكيره. وقد وصفه العميد بحـري جون بلانكت J. Blankett  الذي تقلد عددا من المناصب الرفيعة في بحرية بومباي بقوله:" إن أي شخص له بُعد نظـر يمكن أن يرى في أفكار سلطان أنها تجارية أكثـر من أي أمير عربي آخر، كما أنها أفكار ليبرالية ".  ووصفه جون مالكولم John Malcolm  الذي  يعد واحدا من أهم العسكريين والساسة البريطانيين في الهند والخليج العربي بأنه " أمير نشط جدا ومغامر".

تعليق عبر الفيس بوك