عبيدلي العبيدلي
ليس هناك من يُجادل في النجاحات التي حققها معرض جايتكس الذي يقام كل عام في مدينة دبي على امتداد السنوات الـ 37 منذ تأسيسه، عندما انطلق كفعالية تحتضن ما تُقدمه صناعة تقنية الاتصالات والمعلومات للمستهلك فردا كان هذا المستهلك أم مؤسسة، قطاعا خاصا أم مؤسسة حكومية.
وعرف جايتكس خلال هذه المسيرة التي يتجاوز عمرها ثلاثة عقود نجاحات ملموسة، جنت بموجبها مدينة دبي، ومعها إمارات اتحاد الإمارات العربية الأخرى الكثير من المكاسب، الاقتصادية والمالية، تجاوزت حدود صناعة المعلومات وتقنياتها من جانب، ومست صلب الحياة السياسية في دبي من جانب آخر.
ولعل العنصر المُشترك الذي يوحد نظرة كل القادمين للإمارة خلال فترة هذا المعرض الضخم، من عارضين، ومتحدثين في الفعاليات التي تقام على هامشه، وزوار يؤمون أجنحته، هو الانبهار من ضخامته وعلى المستويات كافة. هذا الانبهار يدفعهم للتساؤل حول الأسباب الكامنة وراء تلك النجاحات، والعناصر الكامنة التي رافقتها، وأوصلت جايتكس إلى المواقع المتقدمة، التي هو عليها اليوم، رغم الصعوبات التي واجهها، ومن بينها المنافسات التي ولدتها فعاليات مشابهة، عرفتها المنطقة وأسواق في دول أخرى من العالم، على امتداد العقود الثلاثة المنصرمة.
لقد حققت دبي كل تلك النجاحات وجنت الفوائد الملموسة وغير الملموسة، والمباشرة وغير المباشرة، بفضل مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية يمكن رصد الأهم بينها في النقاط التالية:
- الرؤية المتقدمة، مقارنة، مع الدول المحيطة بدبي العربية منها وغير العربية، التي استطاعت أن تكتشفها دبي في وقت مبكر جدًا بشأن الآفاق، ومن ثم المكاسب المالية والاقتصادية التي يمكن أن تولدها أسواق المعلومات والاتصالات، والتي أباحت لها لمس الفوائد التي يمكن جنيها عند الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادي، وعلى وجه التحديد عندما يتعلق الأمر بصناعة المعلومات والاتصالات. جذب هامش الحرية الاقتصادية النسبية التي تمتعت بها دبي انتباه شركات العالم الكبيرة نحوها، وشجعتها على اختيارها مركزا متقدمًا لعرض منتوجاتها التي تقذف بها للأسواق، والخدمات التي توفرها لروادها.
- الوفرة المالية التي أوجدتها طفرة كميات النفط المصدرة من المنطقة والارتفاع المفاجئ في أسعارها، والسيولة النقدية التي أصبحت بين أيادي المؤسسات الخليجية في القطاعين العام والخاص، الأمر الذي ولد قدرة شرائية ضخمة، لم تتراجع عن الحدود الدنيا المجدية اقتصاديا، والتي شجعت احتكارات صناعة الاتصالات والمعلومات على الإقبال على جايتكس كنقطة انطلاق نحو أسواق المنطقة أولاً، وأسواق الدول المتاخمة لها ثانيا، لجني الأرباح الطائلة من الحالة التي وفرتها تلك الطفرة.
- التشبع الذي عرفته أسواق البلدان التي بحوزتها المنتجات والخدمات المتعلقة بصناعة المعلومات والاتصالات ومن ثم أرغمتها على البحث عن أسواق خارجية جديدة من أجل التوسع أولاً، وجني المزيد من الأرباح ثانياً. وشكلت دبي، بانفتاحها الاقتصادي، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي المتميز، محطة تجارية متقدمة للوصول لأسواق تلك البلدان، بما فيها تلك الواقعة في الشرق الأقصى.
على أن حالة الانبهار لا تلبث أن تعاني من حالة انكماش، مشوبة بنوع من الفزع من المستقبل غير المبشر بخير، التي في انتظار جايتكس، وربما دبي، كي تحلل مكانها، محاولة لاستقراء طبيعة ومدى خطورة مجموعة من التحديات والمصاعب التي باتت دبي، وعلى وجه التحديد سوق المعلومات والاتصالات، وفي القلب منها معرض جايتكس، تواجهها، والتي يمكن حصر الأهم بينها في النقاط التالية:
- تراجع كمية السيولة النقدية المتوفرة لدى دول المنطقة بفعل انخفاض الأسعار أولاً، والتراجع في كميات النفط المصدرة ثانياً، والنزيف الذي ولدته الحروب التي تخوضها الدول الخليجية المصدرة للنفط ثالثاً وليس أخيرًا. تضافرت هذه العوامل مجتمعة كل تحول دون الوصول إلى أرقام التوسع المتوقع في أسواق المنطقة، وخاصة في سوق تقنية المعلومات والاتصالات. فقد عرفت مشتريات هذه السوق انكماشا ملموسا في موازناتها، وعلى وجه الخصوص في المشروعات الحكومية، وهي أكبر مستهلك لها.
- الاضطرابات التي عصفت بالاستقرار السياسي والاجتماعي الذي نعمت به دول المنطقة قبل أن تهب عليها، وبتفاوت رياح الحراك السياسي العربي منذ العام 2011. قادت تلك الاضطرابات إلى اهتزاز الثقة المطلقة التي كانت تنعم بها هذه المنطقة، ووجدت صناعة المعلومات والاتصالات نفسها أمام تساؤلات غير مسبوقة بشأن توقعاتها لأحجام الأسواق الخليجية، ومن ثم استراتيجياتها التوسعية بشأنها.
- المنافسات، بغض النظر عن جديتها، التي باتت تفرضها فعاليات مشابهة تقام في أسواق دول قريبة من دبي، وبات البعض منها، ولو بشكل غير ملموس حاليًا، لكنه قابل للنمو والتوسع، يشكل تهديداً على مستقبل جايتكس، ومشروعاته التوسعية والتطويرية. هذا العامل التنافسي، ربما لا يرقى إلى المستوى التنافسي الحاد، لكنه لا يخلو من عوامل التهديد الذي يفرز تحدياته في وجه العاملين على معرض جايتكس، ويطمحون في توسيع دائرة أنشطته، والأسواق التي يصل لها.
- التوسع الهائل في حجم وجغرافية الأسواق التخيلية، أو الإلكترونية، التي أفقدت جايتكس الكثير من عناصر القوة التي كان يتمتع بها. فلم رواد جايتكس في حاجة إلى انتظار ظهور الجديد في صناعة المعلومات والاتصالات في صالات جايتكس، كونهم باتوا على اطلاع مسبق عليها من خلال الخدمات التي توفرها أسواق الإنترنت. هذا من جانب، ومن جانب آخر لم يعد أولئك الرواد، وخاصة وكلاء شركات الاتصالات والمعلومات في حاجة إلى جايتكس كي يلتقوا بشركائهم من الشكات الكبرى. فقد باتت الإنترنت، هي الأخرى الوسيلة الأكثر جدوى، والأسرع في هذا المجال.
هذه التحديات، وأخرى غيرها أقل أهمية منها، تقف اليوم بوجه صارخ أمام أعين القائمين على معرض جايتكس، والسؤال الأكثر إلحاحًا هو هل ينجح هؤلاء في مواجهة هذه التحديات وتجاوزها من خلال الحلول المبتكرة التي تضمن لجايتكس احتفاظه بموقع الصدارة التي احتلها خلال الثلاثين من حياته؟.