الوظيفة مطلب .. ولكن!

 

سارة البريكية

 

تنهض المجتمعات عامة بأبنائها المتعلمين علماً يقودهم ليكونوا أصحاب تعقل ووعي وفهم ودراية، وليس كل متعلم من الممكن أن يتحلى بأخلاق حسنة أو أنه وصل لمرحلة النضج والفهم واجتناب الشرور والآثام، أو أنه بإمكانه أن يسهم في بناء المجتمع ورقيه إسهاما يحقق له تقدماً كريمًا معززًا من مستواه المجتمعي والمحلي في كل المجالات، وحينما ينهي المتعلم دراسته الثانوية أو الجامعية، ينظر إلى الوظيفة على أنها الحلم الذي طال انتظاره ليتحقق له، وليحقق منها أهدافه وتطلعاته كل بحسب أولوياته وظروفه.

وفي هذه الأوضاع التي يعيشها العالم بأسره، استجاب مولاي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المُعظم -حفظه الله ورعاه-، لمطالب الشباب الخريجين والباحثين عن عمل، فأصدر أوامره السامية بتوظيف خمسة وعشرين ألف باحث عن عمل سيتم البدء في تطبيقها في شهر ديسمبر المُقبل.

وفي هذا السياق فإننا نُبارك للباحثين عن العمل، وآمل أن أكون واحدة منهم، وأن يُحالفني الحظ لأوظف بعد سنوات طويلة من البحث والسعي، وأملي أن التحق بالوظيفة التي تمنيتها والتي من أجلها ترددت فيما مضى من الوقت على مؤسسات وجهات حكومية كثيرة، وطرقت أبواباً عدة من أجلها، فاسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني لالتحق بالوظيفة والعمل في ظل التوجيهات السامية الحالية لجلالتكم، وحكومتنا لن تقصر، ويارب يكون لي في هذه الخطوة حظ، وأن أتشرف بأن يتم توظيفي.

لقد قال جلالته يومًا "إنَّ الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون نفوذاً أو سلطة" وهي فعلاً كذلك، فالوظيفة مطلب ولكن قبل كل شيء هي تكليف رباني من لدن رب السموات والأرض يقوم من خلالها الموظف بخدمة نفسه ومجتمعه وعامة الناس، وصاحب الوظيفة يجب أن يتحلى بالصدق والأمانة والنزاهة، فللوظيفة أخلاق وتعامل حسن، ولها في الإسلام مكانة ومنزلة رفيعة، فبها يسعد المرء ويشقى، وتتطور المجتمعات وتتقدم.

إنَّ أية وظيفة يعمل فيها الموظف بنية بناء مجتمعه وعف نفسه بسلوك متزن وبتعامل أخلاقي جميل يراعي فيه التواضع واحترام وتقدير الجميع فإنّه ينال منه الأجر، والوظيفة كذلك هي تكليف دنيوي من ولي الأمر يحفظه الله، فإنه سواء كنا في الوظيفة أو بدونها، فإنه مطلوب منا أن نكون على قدر المسؤولية المناطة بنا، فكيف بنا إذا كنا أصحاب وظائف.

إن استجابة جلالته لأبنائه الباحثين عن عمل تعد لفتة أبوية كريمة، وترجمة حقيقية صادقة لمعاني الحب والاهتمام الكبير الذي يوليه جلالته لأبناء شعبه الكريم، وليس بغريب على جلالته يحفظه الله ويرعاه هذا الإنعام السامي وهذا التكريم، فقد عودنا على مكرماته منذ فجر النهضة المباركة.

ومن هنا فإنه من المؤكد أنه بعد هذه التوجهيات السامية سينخرط الكثير من الشباب في العمل، وستحتفل البيوت بالتحاق أبنائها بالوظائف، والتحاق هذا العدد الكبير من الباحثين عن عمل، يعني حدوث زيادة في الدخل القومي والاقتصادي للبلد، فالذي سيتوظف سيحصل على أشياء كثيرة، منها أنه سيبني له بيتا وسيتزوج وسيمتلك سيارة وأرضاً وخلافه، وكل ذلك سيدفع عنه من راتبه رسوماً لعدد من الجهات الحكومية، وريع تلك الرسوم سيدخل في ميزانية الدولة، فهنا ساهم الموظف الجديد في بناء وطنه ولو بجزء يسير.

إن الحصول على الوظيفة لا يعني التوقف عند هذا الحد، فمواصلة التعليم بعدها، يعد جانباً مهماً، حيث إنه سيخدم المجتمع في جوانب مختلفة، فالجاهل تعليما وثقافة وأدبا وأخلاقا هو الذي يكلف مؤسسات أي دولة الكثير، فإصلاحه وتأهيله عندما يأتي بالمشاكل التي تضر بالبلاد، يكلف أموالا باهظة، ومواصلة التعليم بعد الحصول على الوظيفة، يتيح للسلطنة أن تمضي في عملية الإحلال، فالذي سينال مؤهلاً علمياً كبيراً وهو موظف، لا شك أنه سيكون يومًا في وظيفة كان يشغلها غير عماني، وهذا أمر ممتاز.

كذلك مواصلة الدراسة بعد الوظيفة يعني اتصال ذلك الموظف بالقراءة والاطلاع والبحث سواء في مقررات المرحلة التعليمية التي هو بها، أو في أي مجال آخر، ويقول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منِّا على ما كان عوده أبوه ..فلا ريب أن كثيرا من الشباب سيكون لديهم بعد ذلك أسر وأطفال، وهي فرصة كذلك أن ينشأ ابنك وهو يراك متمسكاً بالكتاب ومواصلا لتعليمك ومطورا لنفسك، فشكرًا لكم مولاي جلالة السلطان قابوس على ما تفضلتم به وأنعمتم.

 Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك