الانفصالية ليست الحل

تؤكد مشاهد التاريخ وأحداثه أنّ النزعات الانفصالية لا تمر دائمًا بسلام، بل إنّ الكثير من الحركات الانفصالية واجهت مقاومة شرسة من السلطات المركزية في العديد من الدول، كما إنّ الدول التي تمكنت من الانفصال وتأسيس دويلات صغيرة لم تجد التقدم الذي كانت تنشده من وراء الانفصال.

في الوقت الراهن، تتصاعد أصوات انفصالية في إقليم كردستان العراق وكذلك إقليم كتالونيا الإسباني، وكلاهما يتمتعان بالحكم شبه الذاتي، مع سيادة الحكومتين المركزيتين في كل من بغداد وبرشلونة على الإقليمين. كردستان العراق عقد العزم منذ فترة ماضية على عقد استفتاء الانفصال وبالفعل أجرى الاقتراع على الانفصال عن الدولة المركزية بصورة نهائية، وأظهرت النتائج تأييدًا عريضا بين من ذهبوا إلى الصناديق. ورغم أنّ المجتمع الدولي عارض بشدة إجراء هذا الاستفتاء إلا أن سلطات أربيل أصرّت على تنفيذ الخطوة بالكامل. ويبدو أن حكومة أربيل تسعى لاستغلال نتيجة الاستفتاء للضغط على حكومة بغداد في العديد من الملفات التفاوضية وفي مقدمتها الثروات النفطية، مصدر الثروة الأول للعراق بأكمله. لكن ربما لم يخطر ببال الإقليم الساعي للانفصال أنّ هذه الخطوة ستجر عليه من المشكلات ما لن يستطيع تحملها، فما إن واصل الإقليم في خطته الانفصالية، حتى تكالبت القوى الإقليمية عليه، وقبلها الحكومة المركزية، التي اتخذت عدة قرارات استهدفت من خلالها تقويض سلطة الإقليم. وفي الوقت الراهن يعيش الإقليم بين عزلة وحصار لم يكونا في الحسبان عندما أخذته النعرة الشعبوية بإجراء الاستفتاء.

المؤكد أنّ تداعيات هذا الإجراء الانفصالي لم تجلب حتى الآن الخير للإقليم، بل استدعى قوى إقليمية لتنصب قواعدها العسكرية على الحدود مع كردستان، وقلب الرأي العام إقليميا ودوليا، فضلا عن سلسلة من العقوبات الاقتصادية وإجراءات العزل التي اتخذتها معظم الدول.

وعلى التوازي وفي إقليم كتالونيا، انقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض للانفصال، ولم يكن واضحا ما إذا كانت الحكومة الإسبانية المركزية في مدريد ستتخذ خطوات عقابية ضد السلطات الكتالونية أم لا، لكن الثابت في هذه الحالة ما خلفته خطوة الاستفتاء من شرخ حقيقي في اللحمة الوطنية بين الكتالونيين.

إنّ الخطوات الانفصالية التي تتصاعد هنا وهناك لن تعود على مؤيديها إلا بالفوضى والاضطرابات، وعلى عقلاء الشعوب أن يعلوا منطق المصلحة العامة لا المنافع الذاتية، للنجاة بسفينة أوطانهم من الموجات العاتية.

تعليق عبر الفيس بوك