" تيسير النَّحو"

عيسى الرواحي

علم النحو أعظم علوم اللغة العربية مكانة وأجلها قدرًا وأسماها منزلة، وهو من العلوم اللازمة لقراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة وحفظ اللغة واستقامة اللسان. وإذا كان فهم القرآن الكريم والسنة النبوية فرضا واجبا فإنَّ هذا لا يتحقق إلا بفهم علوم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومما هو معلوم أيضا أنَّ النحو العربي من شروط أهلية التفسير والإفتاء والاجتهاد يقول سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة " الإعراب من شروط المُفسر، وهو شرط أساسي لتفسير القرآن الكريم؛ فإنَّ من لاحظ له من علم النحو لا يمكن أن يرقى إلى فهم مقاصد التنزيل".

   ومما لا يخفى على أحد أنَّ أبناءنا طلبة المدارس يدرسون النَّحو العربي ضمن مادة اللغة العربية في الحلقتين الأولى والثانية للتعليم الأساسي، والصفين الحادي عشر والثاني عشر، ولكنَّ الحصيلة المعرفية والتمكن في هذا العلم لا يرضي طموحا، بل إنَّ من طلابنا ـ وللأسف الشديد ـ مَن ينفرون من دراسة النَّحو، ويرونه حملاً زائداً على كاهلهم، وعبئا ثقيلا على نفوسهم، ويظنون أنَّه من العلوم التي يصعب فهمها ويعسر إتقانها، بل رسخت في أذهانهم هذه الفكرة الخاطئة.
وفي حقيقة الأمر فإنَّ طلاب المدارس قد يُعذرون أكثر مما يلامون في نفورهم من دراسة النَّحو، ولا تشنيع عليهم في تدني مستوياتهم وضعفهم الشديد في هذا العلم الجليل؛ فالمطالع مناهج تدريسه وطرقها، وتسلسل دروسه وترتيبها، يؤمن بأهمية إعادة صياغة تدريس هذا العلم الشريف في مراحلنا الدراسية بشكل جذري، سواء بإعادة ترتيب دروس النَّحو وتسلسلها، أم بإضافة دروس لا بد منها، أم إلغاء دروس بحثت في عمق هذا العلم كان من الأنسب أن تكون في مرحلة التخصص الجامعي، أم طريقة عرض الدرس ومحتوياته، ناهيك عما نجده في بعض الدروس  من النقص المخل في عرض القاعدة النَّحوية، والأخذ بالقواعد الشاذة، والتكلفات غير اللازمة التي يعلمها ذوو الاختصاص.

   والحاجة إلى إعادة صياغة تدريس النَّحو ليست مقتصرة على مراحل التعليم النظامي؛ فمراحل التعليم الجامعي هي الأخرى بحاجة إلى ذلك حسب وجهة نظري، فعلى سبيل المثال نجد أنَّ طلبة كلية التربية بجامعة السلطان قابوس تخصص اللغة العربية يدرسون علمي النَّحو والصرف في خمسة فصول دراسية فقط بساعات تدريسية مجموعها مائتان وثمانٍ وثلاثون ساعة  في حين يدرسون الأدب في سبعة فصول دراسية بساعات تدريسية مجموعها مائتان وأربع وتسعون ساعة، بل يمكنهم دراسة فصل ثامن في الأدب إن اختاروا ذلك؛ مع أنَّ دراسة النَّحو أهم من دارسة الأدب، وأنَّ الطالب أحوج إلى فهم النَّحو، والإلمام بقواعده، والتمكن فيه، وتطبيقه عملياً أكثر من حاجته للأدب الذي يمكن أن يتعمق فيه بمفرده، وما قيمة دراسة الأدب لطالب العلم إذا لم يكن ذا علمٍ بالنَّحو؟!
وانطلاقا من حبنا للعربية وواجبنا تجاهها وغْيرة عليها وسعيا في الارتقاء بمستويات أبنائنا الطلاب في علوم لغتهم الخالدة يأتي إصدار كتابنا المتواضع "تيسير النحو"، وهو قبل ذلك دعوة إلى الله تعالى.
لقد وضعت هذا الإصدار بين يدي القارئ الكريم وطالب العلم النجيب، وأنا مُوقن بأنَّ علم النَّحو بحرٌ خضمٌ، ولست أدعي أنني أحد ربابنته المهرة، أو أنَّني حزت رسوخ القدم في فنونه، أو أحطت بما لم يحط به غيري، أو صرت ماهرا بأدواته وأساليبه، أو ضليعاً متمكنًا في أصوله وفروعه، ليس شيئا من ذلك قط، ولا أعدو أكثر من كوني طالب علم في بدء مشواره. وقد اجتهدت متوكلا على الله تعالى، معتمدا عليه وحده، مستبصرا بما علمته في هذا العلم من زاد يسير، مستنيرا بأسفار المخلصين المتخصصين من أبناء المسلمين، مسترشدا بسؤال الراسخين في العلم، فجاء هذا الإصدار الذي وضعت فيه الزاد الذي لابد منه من علم النَّحو لطالب العلم، وكل حريص على استقامة لسانه، وصواب قلمه، وكل غيور على لغة القرآن، وهو انطلاقة واثقة، وركيزة راسخة، وطود ثابت بإذن الله تعالى لمن أراد أن يُبحر بعد ذلك في خضم هذا البحر المتلاطم.
يبحث الكتاب في هذا العلم الشريف مشتملا على قواعده الأساسية ومفرداته الإعرابية، وهو يجمع بين الجانبين النظري والتطبيقي بأسلوب ميسر وشرح مختصر، مستخدما في ذلك الخرائط الذهنية والجداول المنظمة والألوان الجذابة من أجل إبراز عنصر التشويق في عرض المعلومة وإيصالها إلى المتعلم.
يتكون الكتاب من خمسة وثلاثين درسا قسمتها على تسعة فصول، وبين دروس الفصل الواحد رابط قوي يربطها، وكل الدروس في جميع الفصول مترابطة كعقد اللآلئ، وقد تدرجت في ترتيبها من القاعدة إلى القمة، مُضمنًا كل درس عناصر محددة مبينة في بدايته، وأعطيت كل عنصر حقه من الشرح والتحليل والتمثيل قدر المستطاع بأسلوب ميسر وعرض مختصر ليس به إطناب مملٌ ولا إيجازٌ مُخلٌ، وأشبعت كل درس أسئلة في خاتمته نوَّعتها بين المقالية والموضوعية وبين النظرية والتطبيقية، وفي نهاية كل فصل وضعت أسئلة شاملة لتلك الدروس؛ إيمانا بأنَّ هذا العلم يحتاج إلى استغراق في تطبيقاته من أجل إتقانه. وقد أضفيت على الكتاب ميزة فريدة فجعلت له صبغة عمانية أصيلة من خلال الشواهد والأمثلة والنصوص التدريبية؛ وذلك لتعريف طالب العلم بشيء يسير من الإرث العلمي العظيم لأبناء بلده عُمان.

أسأل الله تعالى أن ينال هذا العمل رضاه وقبوله، وأن ينفع به أبناءنا طلبة العلم وسائر أبناء المسلمين إنه سميع مجيب.

issa808@moe.om