الأعراف والسنن الاجتماعية (2-2)

 

علي بن كفيتان بيت سعيد

 

الأحكام الصادرة يؤمن تنفيذها المجتمع في ظفار برمته ويتحملون تبعات تلك الأحكام بالتساوي، فمن رفض تنفيذ الحكم يُعاب عليه ذلك علنًا كجانب من التشهير ويصبح منبوذاً في المجتمع حتى يرضخ للتنفيذ، بينما يُكافأ من استجاب للأحكام العرفية وأمتثل لها بأن يتحمل معه جميع أفراد المجتمع دفع التبعات المالية والمعنوية المترتبة عليه من جراء تنفيذه والتزامه بأحكام العرف الاجتماعي الساري مما سهل حل الكثير من الخلافات وأرسى مبدأ تكافل اجتماعي نادر ظل فاعلاً لعقود من الزمن، ووطدت تلك الأعراف سلوكيات حميدة أخرى كالمساعدة المالية لمن يتزوج، وفي حالات الوفاة لمن ظروفهم تستدعي المساعدة دون من أو أذى.

لا شك أنّ السنن والأعراف الاجتماعية في ظفار في إطارها العام هي نتاج فكر بشري معرض للنقص وقابل للخطأ والصواب وبحاجة للتطوير إلا أنَّ الكثير مما نسب لهذه الأعراف لم يكن واقعًا وخاصة في مجالات تحديد مقابل الأضرار حسب إطار المكون الاجتماعي فإنّه وطوال فترة سريان تلك السنن والأعراف التي ذكر بعض المؤرخين أنّها تمتد لأكثر من 350 سنة لم تسجل حالة واحدة معروفة للجميع تم فيها التمييز في قيمة الضرر حسب مكانة ومركز الشخص وإنما الأمر يترك للمحكم (القاضي العرفي) ويكون تقييمه مستنداً على حجم الأضرار التي ألمت بالطرفين بغض النظر عن الوضع الاجتماعي لكليهما ويأخذ الجميع حقه حسب ما هو متعارف عليه وفق اجتهاده الشخصي في تحري العدالة المُجردة.

إنَّ ما تقوم به لجان التوفيق والمصالحة التي أنشئت وفق إطار قانوني جعل أحكامها نهائية وغير قابلة للطعن هو تأطير عصري للسنن والأعراف الاجتماعية وهي تقوم بدور بارز ومساند للسلطات القضائية عبر إغلاقها للكثير من القضايا والنزاعات ذات البعد الاجتماعي. والأمر ذاته نجده في لجان سنن البحر التي تنظم ما تعارف عليه الناس لحماية الثروة السمكية وضمان استدامتها، وكنّا ننتظر من وزارة الزراعة والثروة السمكية إشهار لجان أخرى لسنن الرعي لتساعدها في تطبيق قانون المراعي والغابات وإدارة الثروة الحيوانية الموضوع على الرف منذ 14 سنة. 

بات من الأهمية بمكان توسيع مظلة لجان التوفيق والمصالحة لتضم أصحاب الأعراف والسنن الاجتماعية في كل محافظة كونهم يساهمون في حل الكثير من القضايا القديمة والناشئة وربما توازي في عددها وأهميتها القضايا المعروضة على لجان التوفيق والمصالحة وخاصةً في ظفار، ونرى أن ما يقوم به الشيوخ والأعيان وأصحاب الخير من التجار ورجال الأعمال وبمجهودات فردية ليس له دافع إلا أن تعم العافية والأمان جميع أفراد المجتمع لترسيخ مبدأ الأمن والسلم الاجتماعي يعتبر عملاً وطنياً مخلصاً نابعاً من شخصيات ذات همم عالية ظلت تعمل بصمت لخير وطنها وسلطانها.

قد لا نضمن استمرار هذه الأدوار الجليلة إذا لم يتم تأطيرها قانونيًا ومنح هؤلاء المتطوعين للخير موقعهم الحقيقي بحيث يتم تأصيل ما يقومون به لضمان استمراره للأجيال القادمة.

شكراً لمن حلوا النزاعات وغرسوا الحب مكان الكراهية في كل أرجاء عماننا الغالية ولا يبتغون من وراء ذلك إلا وجه الله تعالى، وشكرا لشيوخ ووجهاء وأعيان ظفار ومراجع أعرافها وسننها الذين لم يكلوا يوماً عن زرع الخير ودفن بواعث الشر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحلف: معاهدة صلح عرفية بين طرفين.

العدل -العدول: قاضي ابتدائي عرفي اتفق عليه طرفا النزاع.

أصحاب السنن والسوارح: قضاة استئناف في النزاعات العرفية.

المورد العام: قاضي نهائي في الأعراف والسنن الاجتماعية.

alikafetan@gmail.com