خلفان الطوقي
يتخرج الطالب أو الطالبة من الجامعة أو الكلية -سواء من عمان أو خارجها- فيبدأ مشوار البحث عن الوظيفة التي يحلم بها، أو القريبة من حلمه؛ فبعضهم يحصل على الوظيفة وتنتهي المشكلة لديهم، أما البعض الآخر فيجد صعوبة في الحصول على الوظيفة.. وهنا، تبدأ الدوامة التي تتكرَّر، خاصة في أوقات شح الوظائف أو أثناء وجود صعوبات اقتصادية في البلاد.
يتخرج الطالب أو الطالبة فيتوقع أنه سيتوظف فورا؛ ويقول إن الحكومة علمتنا، لذلك عليها أن توظفنا كما علمتنا، لكن بالمقابل يوجد عدد من المسؤولين الحكوميين يقولون إن التعليم هو للتعليم وليس من مهمة الحكومة أن توظف، وعلى الشخص أن يبحث عن الوظيفة بنفسه، وليس بالضرورة أن يتناسب مسمى الشهادة مع الوظيفة بشكل حرفي، وعلى القطاع الخاص أن يستوعبهم لأن الحكومة لا تستوعب الجميع، فيأتي رد القطاع الخاص سريعا، وهو أن القطاع الخاص محدود، وسوق السلطنة صغير؛ لذلك معظم شركات القطاع الخاص قدراتها المالية بسيطة، ولا تستطيع أن تدفع رواتب ومزايا مجزية للخريج؛ لذلك يستعين بعمالة وافدة أكثر خبرة ومنتجة، ولا توجد عوائق للتخلص منهم في حال إخفاقهم أو عدم تمكنهم من تحقيق أهدافهم التجارية، وهذه القواعد لا يمكن أن تنطبق على الموظف العماني.
وتستمر الدوامة من جانب بعض الخريجين، ويصرون على العمل في جهات حكومية أو شركات حكومية أو شبه حكومية، بسبب مزاياها وديمومتها، هذا الإصرار ليس من الخريجين فحسب، بل حتى من أولياء أمورهم، فيكون الرد بأن هذه الجهات لا يمكن أن تستقبل الجميع لتشبعها بالأعداد الهائلة الموجودة حاليا، ولابد لهم البحث عن فرص أخرى في شركات أصغر وبمزايا أقل، ولابد للشركات العائلية أو الأصغر حجما أن تقوم بدورها في التوظيف؛ فيأتي رد الشركات الأصغر نسبيا بأن وضعنا التنافسي لا يسمح لنا بمقارنتنا بالشركات الحكومية أو شبه الحكومية، وأن التوظيف لابد أن يخضع للأسس التجارية كمبدأ العرض والطلب وتغير المزايا حسب أوضاع السوق وحجم المبيعات...وغيرها من العناصر التجارية، ولابد من ترك السوق حرًّا دون التدخلات الحكومة في كل كبيرة وصغيرة، ويطالب هؤلاء من الباحث عن العمل أن يستوعب أن القطاع الخاص هو قطاع ربحي وإنتاجي وليس مؤسسة خيرية، ويطالب القطاع الخاص -خاصة الشركات المتوسطة- وزارة القوى العاملة بأن تغير قوانينها وتشريعاتها وسياساتها حسب المتغيرات ووضع السوق، فما كان يصلح من قوانين في وقت الرخاء، فإنه لا يصلح وقت الكساد أو البطء الاقتصادي.
وتستمر النقاشات بشكل متكرر منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، وتزيد حدتها وقت الأزمات والانكماش الافتصادي، والآن وفي هذا الوقت تظهر مرة أخرى مثل هذه النقاشات بشكل واضح؛ فخلاصة القول كما أراه هو تقديم بعض التنازلات والتضحيات بما يتناسب ووضع السوق؛ لذلك فإن الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء الموقر عليها أن تغير تشريعاتها وتطور مناهجها التعليمية والتدريبية بما يتناسب ووضع السوق المحلي والعالمي، وتسهيل بعض القوانين، وفتح حوار شفاف مع القطاع الخاص، واحترام طروحاته تطبيقا لمبدأ "لا ضرر ولا ضرار"، وهناك أيضا دور على القطاع الخاص بأن يجد -وبشكل جدي وصادق- ويبحث عن الثغرات التي يمكن من خلالها أن يتوافق مع الباحث عن العمل بما يضمن مكاسب الطرفين، وعلى الباحث عن الوظيفة أن يطور من إمكانياته ويتنازل عن بعض المقارنات غير الصحية ويقبل بالفرص الوظيفية المتاحة، ويثبت أنه منتج ويتحمل المسؤولية، ويركز على اكتساب المهارات والسلوكيات والمعرفة التي تضعه ندًّا للوافد، ويكسب بذلك ثقة رب العمل مع مرور الوقت، وعلى أولياء الأمور والمجتمع دور مؤثر وهو التوعية والدفع إيجابا في هذا الاتجاه، الذي يحافظ على قوة وصلابة وديمومة التقدم والتطور في البلاد.