الكوليرا

مريم طبطبائي – جنوب لبنان


(1)
بينَ تِلكَ البيوتِ الغَابرةِ
في الزَّمنِ الحاضرِ السَّحيقِ
وَحْشٌ صغيرٌ جِداً
كُلَّما أردْنَا اصطيادَهُ
تَخَبّأَ في قَلْبِ طِفْلةٍ..
(2)
فِي كُلِّ يَومٍ
يَلْبَسُ الكوليرا حِذَاءَه الأَصْلِيّ السَّريعِ
(من بلادِ العَم سَام)
يُقلِّمُ أَنْيَابَهُ الطَّويلَةَ
وبِلا أَي صَوتٍ
يدُسُّ نَفْسَهُ في طَبَقِ الحِسَاءِ اللا مَالِحِ
والبَاقي مِنْ إِخْوتِهِ
يُسْقِطُونَ لَونَ الحَيَاةِ فِي بِئْرٍ بَعِيدٍ
يَنْتَظِرون كُلَّ مَنْ يَمُرُّ أيضًا
عَلَى شَفّةِ كُوبِ ماءٍ
لا يُشْبِهُ الماءَ
كي يُلْقُوا بِجُرْثُومَةِ الموتِ الخَاطِفِ
حَيثُ لا سَيَّارةَ لِيَمُرُّوا مِنْ هُنَاكَ
فَيَنْتَشِلُوا الأَلَمَ..!!

(3)
رَأَيْتُ أُمًّا كَثِيرَةَ الضَّحِكِ
تَقُصُّ "طَرْحَتَها"، وتَجْمَعُ الخَرَزَ
تُقَطِّعُ فُسْتَانَها لُفَافَاتٍ
كحُلُمٍ ويَقَعُ
تُصَفِّي الماءَ الخَضْرَاءَ
عَسَى يَعْلَقُ الوَحْشُ الصَّغيرُ بينَ خُيوطِهِ
فَلا "عِيْسَى" لِيَأتِ اليَمَنَ
ولا "مَرْيمَ" لِتُشِيرَ إلَى المهْدِ
فَيَحْكِي الطّفْلُ بِالإِشَارَةِ
عَنْ شَيْءٍ (مَا) يَأْكُلُ أَحْشَاءَه
وتموتُ الأمُ من الضَّحكِ الموبُوءِ...
(4)
الَّذِينَ لَمْ يَتَذَوّقُوا "الكُوليرا"
خَسِرُوا طَعْمَ الموتِ الفَارِهِ
والعُمْرَ المحَمّصَ على وجْهِهِ
خَسِرُوا الحُرْقَةَ النَّازِلَةَ إِلى القَلْبِ
والصَّاعِدَةَ لأوّلِ حِبَالِ البُكَاءِ
هَذَا الطَّعْمُ لا يَلِيقُ بِأَبْناءِ الطَّاولاتِ المسْتَدِيرةِ
والخُبزُ الإفرنجيّ
هَذَا وبِالذَّاتِ
وحَصْراً
لأولادِ الصَّحْرَاءِ اللا عَاقِرَةِ
المتميّزين باللّونِ البُنيّ الفَاتِحِ
وحِذَاءِ الإِصْبَعِ الوَاحِدِ
لِذَا
لنْ تَتَذَوقوهُ يَومًا
إذَا لَمْ تَعْرِفُوا
أنَّ اللَّحْمَ البَشَرِيّ فِي بِلادِنَا
يُؤْكَلُ أَكْثَرَ مِنْ
لَحمِ النِّيَاقِ...!

تعليق عبر الفيس بوك