عيسى الرواحي
عاشت الأمة الإسلامية، قبل أيام قليلة، ذكرى حادثة الهجرة النبوية الشريفة -على صاحبها أفضل الصلاة وأزكي التسليم- والحديث حول هذه الحادثة لا يتسع له المقام ولا يكفيه المقال، وقد كانت لنا عبر هذه الصحيفة الغراء مقالات سابقة تحدثت عن هذا الحدث العظيم الذي غيَّر مجرى التأريخ الإسلامي نحو تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بجميع مقوماتها وأركانها كافة، وقد تحدثت كتب السيرة النبوية عن هذه الحادثة ومجرياتها وأسبابها، والدروس والعبر المستفادة التي تهم كل مسلم في أي زمان وكل مكان، وهذا هو المقصد الرئيس من الاحتفاء بهذه المناسبات الإسلامية.
واستنباط الدروس والفوائد من أي حادثة قد يتجدد بين الفترة والأخرى، وقد يستلهم كاتب التأريخ أو المتخصص بالشأن الديني -وهو يسبر أغوار تلك الأحداث الإسلامية- دروسا لم يسبقه إليها أحد من قبله من العارفين؛ فآفاق البحث والتأمل في فضاء أحداثنا الإسلامية رحبة، لا تقف عند زمان معين أو مكان محدد.
ومن جميل ما أعجبني، وجديد ما استمعت إليه في إحدى الأمسيات التي احتفت بهذه المناسبة، الأسبوع الماضي، ما ذكره راعي تلك المناسبة في عبارات موجزة جدا بأن من دروس هذه الهجرة النبوية الاهتمام بالعلم ونبذ الجهل، موضحا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما كان في مكة المكرمة لم يتمكن من بناء المسجد، وكان أول ما شيده عند وصوله إلى المدينة المنورة هو بناء المسجد؛ في إشارة إلى أن المسجد ليس لأداء أداء الصلوات فحسب، وإنما لنشر العلم والمعرفة أيضا.
ما أعظمه من مكسب وأجمله من مطلب ونحن نحتفل بذكرى الهجرة النبوية الشريفة ونبدأ عاما هجريا جديدا، أن تكون لدينا نظرة جادة، ورؤية مستنيرة، وهمة وقادة، وطاقة حيوية نحو التزود بالعلم والمعرفة، واستغلال كل الطرق، وكافة الوسائل في تحقيق أعلى درجات العلم والفهم بهجرة الجهل الذي قد يحيط بنا في أمور شتى من حياتنا!
نهجر الجفاء الذي بيننا وبين الكتب؛ فيكون لنا كتابٌ نقرأه كل أسبوع أو كل شهر على أقل تقدير؛ تستنير به أبصارنا وتتسع به أفهامنا.
نهجر القطيعة التي بيننا وبين دروس العلم وحلقات الذكر التي تعمر بها المساجد باستمرار؛ فيكون لنا نصيب من ذلك: نتفقه في أمر ديننا، ونستدرك ما فاتنا من أجور رياض الجنة التي تقام في بيوت الله.
نهجر الكسل والإهمال والتقصير في طلبنا للعلم في مدراسنا أو جامعاتنا؛ فيكون الجد والاجتهاد والمثابرة شعارنا، والحرص على تحقيق التفوق الدراسي مطلبنا، والتعلم الذاتي بمختلف فنونه منهجنا الذي نسير عليه في حياتنا الدراسية.
نهجر التوافه وسفاسف الأمور في استخدامنا لوسائل التواصل الحديثة؛ باستبدالها بقراءة المفيد والنافع في كل ما يتداول عبر هذه التقنيات، وترك الغث والهزيل منها.
نهجر سماع كل لغو وغير نافع بالاستماع إلى كل علم نافع ومفيد؛ لنرقى بفكرنا وعقولنا، ونهجر أولئك الجلساء الذين لا نفع من مجالستهم ولا فائدة من أحاديثهم ولا خير في صحبتهم، ونستبدلهم بأصدقاء صالحين يزيدوننا فهما وعلما ومعرفة من رقي حديثهم وعمق فكرهم وغزارة علمهم، وشتان بين الجليسين!
نهجر الحيرة فيما لا نعلمه ولا نفهمه بالسؤال؛ فالسؤال به يُنال العلم، وتغزر المعرفة، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
نهجر الفراغ الذي يحيط بنا وإضاعة الأوقات التي هي جزء من أعمارنا؛ ونستبدلها بقراءة واعية لما ينفعنا لسعادة الدارين.
نهجر كل ما من شأنه أن يبقينا في ظلام الجهل في شتى مناحي حياتنا وأمور ديننا؛ مستنيرين بنور العلم والمعرفة، مقتدين بأولئك الذين اتخذوا من الكتاب جليسا دائما وصديقا مؤنسا، وسائرين على درب أولئك الذين واصلوا الليل بالنهار في طلب العلم والتزود بالمعرفة، ومنتهجين خطى العلماء والأساتذة والأدباء في حبهم للعلم ونشرهم له، متذكرين أن طلب العلم طريق الجنة؛ فمن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة.
issa808@moe.om