في مسألة التوظيف وضروراته.. كيف؟ ولماذا؟

عبدالله العليَّان

الحديثُ الذي يتمُّ النقاشُ حوله كثيراً هذه الأيام في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، قضية التوظيف التي جُمَّدت منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام تقريباً في الحكومة، عدا بعض الوظائف الصغيرة والمحدودة، التي لا تُمثِّل المخرَجَات الكبيرة من الجامعات والكليات والمعاهد العليا في القطاع العام والخاص...إلخ. والسبب الذي أشارتْ إليه بعض الجهات المسؤولة -والذي جعل التوظيف يتوقف- كان بسبب انخفاض أسعار النفط منذ 2014، وأثر على مسألة الإنفاق في قطاعات كثيرة، ولا شك أن ظروف هذا الانخفاض ألقت بظلالها على الكثير من البرامج والخطط القائمة؛ منها: قضية التوظيف، والترقيات، وتطبيق التوجيهات السامية بتوحيد منافع التقاعد، الذي صدر في نوفمبر 2013...وغيرها من التخفيضات، ومع أنَّ المواطنَ مقدِّر هذه الظروف التي طرأت، من حيث مراجعة الكثير من السياسات المالية بسبب هذا الانخفاض، لكن هذا التوقيف أيضا لسنوات متتالية له أثر سلبي اجتماعي، واقتصادي...وغير ذلك من الأسباب التي تقدر بقدرها -كما تقول القاعدة الفقهية- فمرور أكثر من ثلاثة أعوام على وقف التوظيف مع المخرجات الكبيرة من الجامعات والمؤسسات العلمية، الحكومية والأهلية، أصبح يشكل قلقا لدى الكثير من الأسر من الناحية الاجتماعية والاقتصادية؛ فالكثير من الأسر صرفت على أبنائها مئات آلاف لأجل التعليم والتأهيل، وإيجاد فرصة للعمل، ترفع من مستوى استقرار الأسرة وتحسين ظروفها، وهذا الأمر يحتاج إلى أن يتم النظر إليه بواقعية ونظرة بعيدة المدى؛ فالرقم المتداول للباحثين عن عمل هذا العام، ربما يتجاوز الخمسين ألفاً، وهؤلاء تقريباً من الذين سجّلوا في سجل هيئة القوى العاملة، وربما هناك من لم يسجل اسمه، بحكم أن التوظيف متوقف،. لهذا؛ فمن المهم حلحلة هذه القضية من خلال نسب تقدر الأمر جهات الاختصاص، وأقترح الآتي:

أولا: من خلال المتابعة لبيانات مجلس المناقصات والاتفاقيات التي يتم توقيعها، والخطط المعدة للمؤسسات والهيئات الحكومية، نرى أن المشاريع مستمرة بصورة لافتة، ولا شك أن هذا الاهتمام بمسألة المشاريع مطلوب ومهم للتنمية الوطنية وتعزيزها، لكن أيضاً من المهم الموازنة بين اعتماد هذا المشاريع التي تقام خلال العام، وبين توظيف الشباب من المخرجات العلمية من مختلف التخصصات، والتي كما قلنا تزداد سنوياً بعشرات آلاف سنوياً، ناهيك عن مخرجات الثانوية العامة الذين لم يستطيعوا مواصلة تعليهم العالي؛ فالمشروعات ضرورية للوطن ونهضته وتقدمه، لكنَّ شبابنا المؤهل بتخصصاته المختلفة، لا يقل أهمية عن إقامة هذه المشاريع، لأنه هو الذي سيديرها بعد ذلك، لأنه كما قال جلالته الشباب هم محور التنمية؛ لذلك لابد من إيجاد نصيب للتوظيف، بنسبة لا تقل عن 10% من قيمة هذه المشاريع التي تقام سنويًّا، ثم إنَّ الجانب الذي بجب أن نلتفت إليه أن العالم المفتوح الآن يشكل مخاطر عديدة من حيث بروز الأفكار الغث فيها أكثر من الثمين، وإيجاد الفرص للشباب للاستقرار له أهمية كبيرة، ولن أزيد في هذا الحديث لأن جميعنا يدركه!

ثانياً: قضية العمالة الوافدة، التي تعتبر قضية كبيرة وتشكل مخاطر كثيرة، حيث تقترب من نصف سكان السلطنة، حسب إحصائيات 2016، وهذا ينافس العمالة الوطنية في الكثير من المؤسسات الكبيرة خصوصاً منها، وقد كتبنا وكتب الكثير من الكتاب والمتخصصين عن هذه المشكلة، ولا تزال للأسف قائمة، ونحن لا نحمِّل وزارة القوى العاملة وحدها هذه المشكلة؛ فلابد من قرارات قوية وحازمة من جهات كثيرة للنظر في قضية التعمين في القطاع الخاص، وكنا نقول ولا نزال أنَّ القطاع الوحيد الذي التزم بالتعمين، هو قطاع المصارف، ونجح نجاحاً باهراً في ذلك، ونجح الشباب العُماني في إدارته لهذا القطاع بصورة كبيرة، لا تقل عن الخبرات الوافدة، فلماذا يتهرب القطاع الخاص من واجبه الوطني في التعمين؟ هذا مسألة نرفعها لمجلس الوزراء.

ثالثاً: الجانب المرتبط بقضية التوظيف ويسهم في حلحته، توحيد منافع التقاعد لكل الجهات الحكومية، والذي جاء بتوجيهات سامية من جلالته في 11/11/2013، وفق النظام المطبق لديوان البلاط السلطاني، وبعض الجهات الرسمية الذي تم تطبيق هذا القانون عليها، عدا موظفي الخدمة المدنية، لكن لم يتم تطبيق، وبقي نظام تقاعد المدنيين كما هو حتى الآن. ولو تم تطبيق توحيد منافع التقاعد على الجميع، لأفسح المجال للتوظيف بشكل كبير لأغلب المخرجات، وخفًف على الدولة الكثير من الأعباء المالية؛ لأن التوقع أن يطلب عشرات الألوف ممن قضى بالدولة فترات طويلة، في التقاعد الاختياري، وربما يُسهم في وقف الترهل في جهاز الدولة، كما تحدث عنها أحد المسؤولين منذ عدة سنوات. إذن؛ لابد من النظرة الجدية لمسألة التوظيف، واستيعاب هذه المخرجات الكبيرة، والتأخير في ذلك له إشكاليات اجتماعية، كما أشرنا سلفًا، وحاجة هؤلاء الشباب للتوظيف، لا يقل أهمية عن حاجات أخرى تنموية، فلا بد من إيجاد حلول لهذه المخرجات، ولو وفق تدرج يتم وضعه، إن كانت الظروف الاقتصادية "ضاغطة" هذه الفترة، واقتراحنا إيجاد -كما يُقال- نسبة وتناسب، بين الإنفاق على المشاريع، وبين التوظيف، نراها جديرة بالاهتمام.. رسالة لمن يهمه الأمر.