السوريّة لميس الزّين لـ" الرؤية":

لميس الزّين : هناك استغلال للمنصات الإعلامية والميديا الحديثة لإغراق الساحة الثقافية بقضايا سطحية

حاورها: ناصر أبو عون


    ما يسمى بالربيع العربي عصف بالمبادئ والثوابت والشعور بالانتماء والمواطنة عند البعض.
    الأديب الذي يحترم قلمه يتنزَّه عن جعله حطبا لنار تأكل الأخضر واليابس.
    على الأديب أن يكون له دور فاعل – إيجابيا -  في نشر ثقافة التعايش.
    بعض الأقلام وُظِفتْ لحساب جهات مشبوهة وِفْقَ تقييمات عرقية ومذهبية.
    هناك استغلال للمنصات الإعلامية والميديا الحديثة لإغراق الساحة الثقافية بقضايا سطحية.
    صورة العربي في إعلام الغرب مشوهة بالانتقاء السلبيّ والافتراء المتعمّد.


لميس الزين كاتبة سورية من مواليد مدينة حلب وتخصصت في الأدب الإنكليزي بعد أن تخرّجت في جامعة حلب وتنوّعت إبداعاتها ما بين الشعر والقصة، صدر لها مجموعات قصصيّة مشتركة مع العديد من المبدعين العرب فقرأنا لها: "ما وراء الحرف"، و"نحت على جدار الورق" وصدر لها هذا العام مجموعة قصصية ساخرة بعنوان "حدث غدا"، وقصائد نثرية بعنوان "أحلام منتصف الشوق". عادت بعد ترحال طويل إلى حلب في 2011  تحمل أحلاما كبيرة للوطن.. لكن الحرب كانت لها بالمرصاد فعاشت سنوات الأزمة بكل تفاصيلها ومآسيها ورصدت تداعياتها بعين القاصة، وإحساس الشاعرة. وقد التقيناها ودار الحوار التالي"....
 (1) تعاني الكتابة النسوية من إرباكات داخل المشهد وتسيطر عليها (الجنسوية)، ومازالت تقدم بعض وسائل الإعلام (المرأة كسلعة تجارية).. كيف يمكن تغيير هذا التنميط التمييزي والمفتعل بأيدي المرأة ذاتها؟
(***) بداية لابد من الإقرار أننا كمجتمعات شرقية مازلنا نرزح تحت فكر جنسوي عنصري بدءًا من التربية البيتية وانتهاء بالمناصب الوظيفية.. نحن مجتمع ذكوري بتفوق.. استُغِل الدين فيه لترسيخ ٲفكار مغلوطة فما يزال الرجل هو القوَّام حتى في المواضع التي لا تتطلب  قوامته رغم أنها شرعا كانت قوامة تكليف لا تشريف. فوجدت المرأة نفسها عبر العصور اللاحقة مضطرة لخوض معركة غير عادلة كي تثبت فيها وجودها على الصعيد الإبداعي خاصة.. لذا فمن غير الإنصاف أن نحمل المرأة الآن مسؤولية إصلاح ما فسد .. والتغيير الفكري ينبغي أن يكون عاما شاملا لإنشاء جيل ذكوري لا ينظر لنفسه على أنه جنس الله المختار.. فيتقبل الطفل الذكر منذ نشأته أن البنت كائن يوازيه فكرا وابداعا.. وليست جسدا سيقتنيه يوما.. فإذا ما أتينا إلى مصطلح الكتابة النسوية أو الأدب الأنثوي كما يسمونه فهل المقصود به الأدب المكتوب بأقلام نسائية أم المهتم بالقضايا النسائية.. إن كان الأول فهو مرفوض بالنسبة لي لأن هناك كاتبات في الشأن العام غير الأنثوي لا تقل كتاباتهن شأنا عن الأقلام الذكورية بل قد تبزها.. أما إن كان التصنيف الثاني فلا بأس خاصة مع ملاحظة أن هناك كتابا كتبوا وأبدعوا في الشأن النسائي أكثر من المرأة نفسها مثل طاغور ونزار قباني وهنريك إبسن في بيت الدمية.
وإن كان المقصود بالإرباكات ظهور اتجاهات مثل ما يعرف بأدب المرأة الوثنية الذي يدعو لتحرر المرأة من حاجتها للرجل حتى جنسيا كالذي دعت إليه فى عالمنا العربى نوال السعداوي,أو محاولة التماثل غير المنطقية مع الرجل كما عند الكاتبة السعودية نادين البدير أو محاولة قلب المفاهيم عبر أطروحات فاطمة المرنيسي المغربية فى مناقشتها للرؤية الإسلامية لعلاقة الرجل بالمرأة.. هذه الدعوات تميزت بالتطرف الناشئ عن الإرهاصات طويلة المدى التي تعرضت لها المرأة وتحدثتُ عنها أعلاه. والكاتبة هي صنو الرجل إلا فيما يتعلق برصد مشاعر المرأة من وجهة نظر المرأة وطبيعتها البيولوجية كأم وأنثى فهي علاقة تكاملية مع الرجل لا تنافسية. إذا فعلى الكاتبة أن تثبت هويتها الإبداعية بعيدا عن أي إشكالية مأزومة مع الرجل وبالوقت نفسه تكون بعيدة عن الإيغال في إثبات الذات كامرأة.
 (2) كيف يتجاوب الأدب مع ظاهرة نمو وانتشار النزاعات الطائفية، والخلافات المذهبية، والصراعات الإثنية والعرقية والقومية وانعكاستها وتمددها في كثير من الأقطار العربيّة، وصداها في العديد من دول العالم وما ترتب عليها من صعود الحركات العنصرية والأحزاب اليمينية المتطرفة؟
(***) الطبيعة الديموغرافية للعالم العربي هي بيئة مناسبة لهذه الصراعات فهي منطقة تتعدد  فيها الديانات وتشتد فيها الخلافات المذهبية.. إضافة إلى انتشار الجهل والفقر والقهر في ظل أنظمة وإن ادَّعت الديمقراطية فيبقى تطبيقها نظريا.. هذه البيئة جعلت من تطويع الكثيرين لخدمة فكر متطرف أمرا سهلا.. فانتشر مدعوما بجهات يهمها إبقاء المنطقة في صراع طويل كما قال غاندي عن الإنكليز الذين كانوا كلما شعروا ببوادر توحد الهنود عمدوا لذبح بقرة بين المسلمين والهندوس لإشعال نار الفتنة. لكن حساسية مواضيع مثل الطائفية والتخوف من نشرها جعل التعرض لها أدبيا محدود النطاق وربما هو مجرد محاولات خجولة. كرواية السعودية سارة مطر ٲنا سنية وانت شيعي. حتى أن بعض الروايات منعت من النشر كرواية قسمة الغرماء للكاتب المصري الكبير يوسف القعيد التي منعت من النشر لفترة طويلة في مصر. لذلك فأنا أرى أن الإصلاح الذي يُطلب من الأدب حمل شعلته لن يكون فاعلا مالم يَسِرْ بالتوازي مع إصلاحات سياسية وإجتماعية. أما بالنسبة للأدباء في البلدان التي اشتعلت فيها فعليا تلك الحروب الطائفية فعلى الأديب إن لم يكن ذا دور فاعل إيجابيا في نشر ثقافة التعايش فليبقَ قلمه منزها عن التسخير لقضايا تخدم الفكر المتعنّت.. فالأدب النقي هو أدب لا دين له ولا مذهب ولا هوية .. هو انعكاس شفاف لواقع معاش بطريقة إبداعية .. ومن المؤسف أن ترى بعض الأقلام قد وُظِفتْ لجهات مشبوهة وأخرى منحازة تقدم دعما لهويات معينة بناء على تقييمات عرقية أو مذهبية . الأديب الذي يحترم قلمه يتنزه عن جعله حطبا لنار ستأكل الأخضر واليابس .     
(3) جاء على لسان باتريشيا هود جسون من لجنة التلفزيون المستقلة في بريطانيا: (لدينا ثلاث وصايا - ثَقِفْ وأَخبِرْ وسَل -.‏‏.. كيف يمكن تطبيق هذا الشعار في وسائل الإعلام الأدبية التي تستعين بمليشيات تحريضية آتية من خلفية (ديماجوجية) لا علاقة لها بالأدب أو الثقافة وما تؤديه لا يخرج عن كونه (خطابا شعبويا)، ورِدّه نحو عصور الانحطاط.
(***) إن كان المقصود بتلك الوسائل الإعلامية إعلامنا العربي فما فُصِّلَ لـ"زيد" لن ينفع لـ"عمرو" .. هي مجتمعات تسبقنا بأشواط في مختلف مناحي التطور والوعي والتطبيق الفعلي للديمقراطية هو مجتمع يمتلك أدواته أما نحن فما زلنا تابعين للغرب بنسب تتفاوت . وصايا جسون قد تكون الوصايا الذهبية للإعلام ولكن "البريطاني" ..
 (4) يبدو أن مطبوعات الثقافة والأدب المموّلة خارجيا والموجّهة داخليا حرفت البوصلة من (التنوير) إلى (التطبيل)، ومن (التثوير) إلى (التخدير) وصولا إلى (التدجيل).. أين علينا أن نركز جهودنا، ما هي المعارك التي يجب على الأديب خوضها من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي المرجو؟
(***) علاقة السياسة بالأدب علاقة حتمية فالأديب ابن بيئته التي تحكمها سياسة ما. وقد كان للأدباء دور مهم في مناصرة قضايا سياسية ووطنية وكان الفكر التنويري دائما مصدر خوف للأنظمة الديكتاتورية. يقال إن مستشار هتلر كان يتحسس مسدسه كلما سمع كلمة مثقف. حديثا عمدت تلك الأنظمة إلى أسلوب غير المسدس. من شراء بعض الأقلام وتهميش وتغييب ما لا يشترى.. إضافة لاستغلال المنصات الإعلامية ووسائل الميديا الحديثة لإغراق الساحة الثقافية بقضايا سطحية وإلهائها عن جوهر المشكلات. وبذلك وجد الكاتب الحر نفسه في معركة مزدوجة ففي الداخل أيضا هو مازال مقيَّدا بمقص الرقيب.. والنضال للنشر والانتشار في ظل المحسوبيات واستغلال دور الطباعة والنشر له من جهة.. ومن جهة أخرى بالانشغال بالجري وراء لقمة العيش.. وما يزال مشهد "التوحيديّ" الذي أحرق كتبه ليأكل يتكرر في عالمنا العربي بصور مختلفة. نحن نحمِّل الكاتب فوق ما يطيق ثم نلقي على عاتقه مسؤولية الإصلاح والنهوض.. إن مواجهة الفكر الموجَّه خارجيا تتطلب تعاضدا بين الأنظمة والمفكر الواعي عدا ذلك فنحن ننتظر أن نفوز بمعركة نناطح فيها الصخر بقرون من عجين.  

(5) اجتياح الثورة المعلوماتية الرقمية الإلكترونية للمجتمعات العربية، ووسائل الإعلام وضع الجميع في – ركن الحلبة – ويهدد ذاك الوضع مستقبل الأدب المقروءة ويهدد بنسف جميع الاعتبارات المجتمعية.. كيف تنجو كتيبة الأدباء الجادين من هذا المأزق؟ وما هي التدابير والوسائل الدفاعية الواجب اتخاذها لإنقاذ مستقبل الثقافة والأدب العربي؟ أليس من طوق نجاة نتشبث به في ذاك المحيط المتلاطم؟
(***) ولماذا لا ننظر للثورة المعلوماتية الإلكترونية من زاوية مشرقة؟ ألم تجعل الكتاب الإلكتروني بمتناول الجميع ؟ ألم تسهم في التواصل الفكري والمعرفي بين حملة الفكر والقلم في العالمين العربي والعالمي؟ ولماذا ننظر دائما للقادم الجديد نظرة وجل ونبحث عن طوق نجاة أليس الأحرى أن نحسن توظيفه.. الثورة المعلوماتية مثل الكثير من القضايا المستحدثة تأتي رزمة متكاملة بمزاياها وعيوبها..  والاختباء لن يزيدنا الا تٲخرا عن ركب التطور.. علينا أن نواكب الحدث ونبحث عن طرق احتضانها.. فمن المضحك أننا مازلنا نمنع كِتابًا من النشر الورقي - ولأسباب واهية -.. في حين إنه متداول على الإنترنت وبمتناول الجميع. لنواجه الأمر ونجد حلولا للتعامل مع الثورة الرقمية والاستفادة المثلى منها بدل من الاختباء خلف إصبعنا.  
(6)  مع تراجع دور بل غياب كليّ للمؤسسات التعليمية والاجتماعية والدينية في التنشئة الأدبية والتي مثّل غيابها غيابا لثقافة المواطنة الفاعلة، ترسيخ الثقافة الدستورية،...) ما هو الدور المنوط بالأدباء والمثقفين للخروج من هذا المأزق الذي أخذنا عنوةً إلى (ثقافة الفهلوة و[الأناماليّة] والافتاء الشعبويّ)؟
(***) إن ما آل إليه حال المواطن العربي من تدني في الشعور بالانتماء هو نتيجة طبيعية للعيش في مجتمعات كانت سابقا تعاني من شرخ وتفكك في العلاقة بين المواطن والوطن ممثلا بالقائمين عليه ثم جاءت مرحلة ما يسمى بالربيع العربي التي عصفت بالكثير من المبادئ والثوابت وربما أتت على البقية الباقية من ذلك الانتماء والشعور بالمواطنة عند البعض. هي الآن مرحلة انتقالية انفعالية، يسودها التخبط ربما، خاصة في بلد مثل سوريا عانى لسنوات سبع .. لكن لابد أن يحدونا الأمل بغدٍ أفضل وعلى الأدباء أن يحملوا شعلة التفاؤل في هذه المرحلة عسى تجلب معها الشعور  بالاستقرار والثقة التي اهتزت.    

(7)  في الآونة الأخيرة نال (الشخصية الأدبية العربية)، تشويهًا - بقصد أو بغير قصد – ما هي الاستراتيجيات المناسبة لتحسين (الصورة الذهنيّة) عن الثقافة العربية وأدبائها في وسائل الإعلام العربيّة والأجنبية؟
(***)لا أعلم ما المقصود ب "الشخصية الأدبية العربية" هل هو الكاتب أم الشخصيات التي يكتبها.. لكن أستطيع القول إن صورة العربي عموما في إعلام الغرب - المقروء والمرئي - هي صورة مشوهة سواء تشويها وافتراء متعمدا أم اختيارا انتقائيا لنماذج موجودة غير مشرِّفة. بكلتا الحالتين القصد كان إعطاء العالم صورة دونية له ككائن بدائي - في أحسن حالاته - بعيد عن أدنى مظاهر التحضر. فليس خافيا أن الإعلام الغربي تسيطر عليه قوى رأسمالية مناهضة للعرب والمسلمين وهم أجادوا استخدام لعبة الإعلام وأنفقوا الأموال الطائلة للوصول بتلك الصور إلى العالم أجمع. في حين أننا "ننام بالعسل" وننتظر أن ترِّقَ قلوبهم ويثوبوا إلى رشدهم ويتعاملوا مع قضايانا بإنصاف. اليوم ومع الثورة الرقمية وسهولة الوصول لمنابر إعلامية عالمية - وهنا مثال حي عن الاستفادة من الانتشار الإلكتروني الذي تحدثنا عنه - هناك فرصة وإمكانية لتحسين صورتنا العامة كعرب والخاصة كأدباء. علينا أن نولي الإعلام اهتماما كبيرا الأمر الذي أهملناه طويلا فخسرنا صورتنا أمام العالم.. وبسببها أسيء الحكم على الكثير من قضايانا في المحافل الدولية.

تعليق عبر الفيس بوك