حقائب مكدسة (1- 2)

 

علي بن كفيتان بيت سعيد

لا أخفيكم سراً أعزائي القراء أنني تحمست كثيرًا لفيروس التقشف المُنتشر هذه الأيام وقلت في نفسي لماذا لا أمارس هذه السياسة الجهنمية مع أسرتي فعقدنا اجتماعاً طارئاً أعلنت من خلاله خطة حازمة لتقليل النفقات الأسرية وشطب العديد من الميزات التي رأيت أنها غير ضرورية، وبموجب الخطة سأحصل أنا على ميزات جديدة لم أحلم بها منذ استلمت الراتب الأوّل في حياتي لذلك سقت الكثير من المُبررات ومارست أساليب الترغيب تارة لمن شاطرني الرأي والترهيب تارة أخرى للأصوات التي نددت على مضض بالفكرة وعبرت عن استيائها حتى ولو بنظراتها المنكسرة.

وفي غمرة الانتشاء بالنصر وقبول الجميع الفكرة دون أن ينطقوا ببنت شفة ففي ثقافتنا المتوارثة يقولون السكوت علامة الرضا أغلقت باب الحوار مباشرةً كون مستقبلنا جميعًا على المحك ولا حل غير المضي قدمًا في خطتي العتيدة، وأقفلت راجعاً إلى غرفتي بكل ثبات، تجاهلت الرعية الخطة وحاولوا تعويم الأمر والإبقاء عليه كمزحة أب لن تدوم سوى ساعات فقلبه رحيم ولن يتحمل أن يرى آثار التقشف على أسرته المُنعمة. وأمام إصراري وحزمي غير المسبوقين على خطتي، انكسرت القلوب وتبخرت الطموحات الوردية لكثير من أعضاء الأسرة، فتأجيل الدراسة الجامعية للبعض، ونقل البعض الآخر من المدارس الخاصة للحكومية، ووقف برنامج تدريبي لعضو ثالث، هذا غير التعليمات الصارمة على استهلاك الخدمات كالكهرباء والماء، ووقف شبكات الاتصالات الداخلية، كل ذلك مقابل عدم المساس بالغذاء الذي اعتبرته تنازلاً كبيراً مني في هذه المرحلة الحرجة من حياتنا.

في مرحلة لاحقة تودد الجميع اليَّ ورحبوا بفكرة التقشف رغم عدم رضاهم الواضح وكل واحد منهم أصبح لديه أفكار تقشفية جديدة كانت خافية عني، العضو الأصغر في العائلة كان يمتلك بضع دجاجات وعدد من الحمام على السطح عرض عليّ التقليل من الإنفاق الهائل على هذه الثروة الحيوانية إلى النصف تقريباً رحبت بالفكرة دون تردد وأصبح الرجل من المُقربين من السياسة التقشفية وصار مثلا للأعضاء المرشدين للإنفاق وبهذه المناسبة منحته وساماً قديماً كنت احتفظ به في إحدى الحقائب المكدسة داخل خزانة ملابسي، ذهب مسرعاً بعد أن وصفت له موقع الحقيبة وأحضرها أدخلت يدي في أصغر جيب بتلك الحقيبة وأخرجت له الوسام الذي يساوي في حجمه العُملة المعدنية منقوش عليها صورة لبانه وعلقتها على صدره بمشبك تقليدي، نظر إليه وأظنه لم يقنع بهذا التكريم ثم سألني من أين حصلت عليه فأجبته أنه من إرث الأيام الخوالي وعليك الاحتفاظ به كرمز لثباتك على سياستنا الأسرية التي تهدف لترشيد الإنفاق وحفظ الموارد الخالدة، وبعد أسبوع نفقت الطيور وأصبحت وجبات مُفضلة للقط الرابض إلى جانب برميل القمامة بالقرب من المنزل، وهنا رجع اليَّ صاحب الفكرة وبين لي عدم حزنه على هذه الخسارة وقال لقد ارتحنا منها ووفرنا كامل المصاريف مُقابل الحرمان من بيض المائدة اليومي القادم من السطح لكنني لم أكن أمتلك أوسمة أخرى أمنحها للرجل فخاب أمله وأنضمَّ لقائمة الصامتين في الصالة.

وللحديث بقية..

alikafetan@gmail.com