رحلتي إلى الديار المقدسة

 

 

د.سُليمان المحذوري

 

منَّ الله عليَّ بتأدية فريضة الحج لهذا العام 1438هـ، ووفقني لأداء المناسك في سهولة ويُسر، مع رفقة طيبة، أسأل الله أن يتقبل طاعاتنا وسائر أعمالنا الصالحة. وقبل أنْ ألِج في لب الموضوع الذي أنا بصدده؛ أودُّ أن أُسجل كلمة شكر وتقدير لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية على استحداث النظام الإلكتروني في تسجيل الراغبين في أداء مناسك الحج؛ الأمر الذي مكننا من التسجيل عبر النظام بأريحية تامة، وتلقي المُستجدات أولاً بأول مع توافر المعلومات اللازمة بشفافية عالية. وبالنسبة لي، ساعدني هذا النظام في توفير الوقت والجهد بدءًا من التسجيل، واختيار المؤسسة الصحية لأخذ التطعيمات اللازمة، وانتهاءً باختيار حملة الحج المُناسبة بكل سلاسة، وهذه نقطة ايجابية تُضاف لرصيد الوزارة متناغمةً مع الحكومة الإلكترونية في السلطنة.

ولا شك أنَّ المملكة العربية السعودية تبذل جهوداً حثيثة في إدارة موسم الحج، وتقدم خدمات مقدرة في سببل توفير التسهيلات المُمكنة واللازمة لخدمة ملايين من البشر حجاج بيت الله الحرام؛ فلهم منا جزيل الشكر ووافر الامتنان. بيد أنه مما لفت انتباهي ونحن نتنقل في نواحي مكة المكرمة ما بين منى وعرفة والمزلفة لأداء المناسك وجود كميات ضخمة من مخلفات الحجاج رغم انتشار عمال النظافة وبشكل مكثف؛ مما حز في نفسي بأننا كمسلمين جئنا إلى هذه البقاع المقدسة لتأدية فريضة من فرائض الإسلام باذلين الحال والمال؛ فكيف يكون سلوك المسلمين متناقضاً مع أبسط قيم ومبادئ الإسلام؟  فقلت في نفسي وحدثت زملائي في حملة الحج أكثر من مرة اذا كان حالنا كمسلمين لم نستطع أن نتقيد بأبسط الأمور في ديننا الحنيف فما فائدة هذه العبادات التي نؤديها؟! وهنا إن جاز لي أن أقترح على القائمين على شؤون الحج في المملكة العربية السعودية سن القوانين والأنظمة التي تضبط موضوع المحافظة على النظافة، وإنذار المخالف بالعقاب كما هو معمول به في كثير من الدول كسنغافورة على سبيل المثال لا الحصر. وبالتالي يكون الحاج على بيِّنة قبل أن يصل الأراضي المقدسة معتمراً أو حاجًّا بأهمية المحافظة على نظافة الأماكن التي يرتادها، مع وجود نشرات توجيهية وبمختلف اللغات في مختلف المنافذ البرية والبحرية والجوية إلى المملكة؛ فلعلَّ هذا الإجراء سيساعد على الحد من هذه الظاهرة إلى أن تختفي إلى الأبد، ومن ثم سيوفر الجهود المبذولة في أعمال النظافة خلال وعقب انتهاء موسم الحج.

نقطة أخرى أود أن أُعرج عليها وهي نظام المواصلات في مكة المكرمة في تقديري أنه يحتاج إلى تنظيم أكثر خاصة سيارات الأجرة التي لا يتقيد سائقوها باستخدام نظام العدادات في احتساب قيمة الأجرة؛ وإنما يخضع الأمر للمفاصلة، وبالتالي قد يقع نوع من الاستغلال من بعض سائقي الأجرة. كما أنني لاحظت أنه بالإمكان أن تستقل أي سيارة خاصة أو دراجة لتوصيلك إلى وجهتك، وهذا الأمر قد يُحدث ما لا يحمد عقباه. اضافة إلى وجود الحافلات وبكثافة غير طبيعية، وشخصياً أتمنى أن تختفي هذه الحافلات من شوراع مكة المكرمة رغم أنها تنقل آلاف من البشر؛ إلا أنها في ذات الوقت مصدر للتلوث والزحام في الطرقات، فلو تمَّ الاستعاضة عنها بوسائل نقل أخرى متطورة كالقطارات السريعة أو العربات المعلقة كمنظومة نقل سريعة وسهلة ومنظمة في ذات الوقت، أظن أنه سيحدث نقلة نوعية في نظام المواصلات في مكة وما جاورها من مناطق، ومن ثمَّ دخول وخروج الحجاج بأريحية تامة كما هي الحال في المدن المكتظة التي يدخلها يوميًّا آلاف البشر إن لم يكن ملايين، ويُمكن هنا الاستعانة بالتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال.

 ختاماً.. بما أنَّ مكة المكرمة هي منبع الإسلام ووجهة للمسلمين في أرجاء المعمورة، أتمنى بالفعل أن تكون أنموذجاً في نظافتها ونظامها وسكينتها ووقارها للمسلمين وغيرهم. ونحن المسلمين لا بد أن نعي أنَّ الإسلام ليس مجرد عبادات تُؤدى؛ وإنما تطبيق عملي وسلوك ينبغي أن يسير جنباً إلى جنب مع العبادات المفروضة؛ فإن كنا كمسلمين لم نستطع أن نطبق أبسط قيم الإسلام مثل المحافظة على النظافة والنظام في واقع حياتنا وهي عنوان الأمم المتحضرة اليوم أو نستغرب أننا ما زلنا في مؤخرة الركب؟! لذا أجد أنه بات من الضروري أن يشتغل الدعاة والتربويون والإعلاميون على مسألة أن الدين حياة، وأنه تطبيق عملي وسلوكي حتى لا تتسع الهوة ما بين الشعائر التعبدية والسلوك العملي إذا ما أردنا لهذه الأمة أن تنهض من كبوتها، وتلحق بركب الأمم المتحضرة.

يقول د. محمد راتب النابلسي في تفسير الآية الكريمة 105 من سورة الأنبياء: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَبُورِ مِن بَعْدِ الذِكْرِ أَنَ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَالِحُونَ" أي الصالحون بإدارتها؛ لذلك يقول أحد العلماء: الدنيا تصلح بالعدل والكفر، ولا تصلح بالإيمان والظلم.

abualazher@gmail.com