قطع عيدية العيدين

د. عبدالله باحجاج

حديثنا سينصب هنا على 81 ألفاً و942 حالة، تستفيد من الضمان الاجتماعي، وفق إحصائية المركز الوطني للإحصاء والمعلومات نُشِرَت في نهاية العام 2016، ولماذا هذه الشريحة دون غيرها من الشرائح المحتاجة؟ لأنها الأكثر تألمًا بقطع العيدية، وأعمق ألما بها، ولأنَّها تظهر فوق سطحنا الاجتماعي بأنها اللافتة للمساعدة، والطالبة لها بحسب شرائحها المتعددة، كما سياتي بيانها لاحقا.

صحيح قد تكون هناك الكثير من الحالات التي لا تندرج ضمن هذه الفئة، رغم أنها قد تكون مثلها أكثر تأزما واضطرابا، لكنَّ حياءها الاجتماعي يحول دون إدراج أسمائها في كشوفات الضمان الاجتماعي لذلك تعاني بصمت، ولا تخرج مُعاناتها سوى داخل محيط اجتماعي محدود، ويلجأ هذا المحيط إلى حفظ ماء وجهها بحسب إمكانياته وعلاقاته، لكننا ينبغي أن ننظر لهذه الإمكانية في ضوء ما سيواجه أفراد المجتمع قريبا من ضرائب ورسوم جديدة ستثقل كاهله المالي، وهذا كله في ظلِّ غياب الانفتاح على وسائل مالية اجتماعية مضمونة كالجمعيات الخيرية التطوعية وتطوير مؤسسة الوقف التي تستدعيها المرحلة المقبلة بقوة.

وتُشكِّل درجة إحساسنا بهذه الفئات الاجتماعية بصورة أقرب لذواتهم من منظوريْ القرب النفسي المعاصر بها، وتاريخية الانتماء لها ماضيا. ومن هُنا، نحمل هذا الملف في كلِّ المناسبات؛ فالعلم اليقيني بتأثير الأزمة النفطية وتعاقب المناسبات والاستحقاقات على رواتبها الشهرية، يُعلِي من مسؤوليتنا بهذه القضية، خاصة إذا ما علمنا بضعف رواتب هذه الفئات، فكيف بهذا الضعف يتحمَّل أعباء ثقيلة في ظل الأزمة النفطية، وفي ظل الرسوم والضرائب المقبلة؟!!

وعندما نفتح إحساسنا بهذه الفئات الاجتماعية ضمن سياقات الإحساس العام بكل الفئات الاجتماعية، بمن فيهم أصحاب الدخول المتوسطة، فهى بدورها لن تتحمل طويلا كلما تعمقنا في فرض الرسوم والضرائب، وزاد ثقل الباحثين عن عمل على رواتبها، فمن يكون لديه باحث عن عمل، كيف يأتيه الاطمئنان؟ فكيف بمن يكون لديه أكثر من باحث؟ والسنتان المقبلتان -2018، 2019- سوف تكشفان عن قدرة المواطن على تحمل تداعيات مثل هذه الأزمات.

إذن، لماذا قطعت عيدية العيدين عن فئات الضمان الاجتماعي؟ وكيف استمر القطع حتى الآن؟ وهل تم ترشيد كل أوجه الإنفاق، ووصلنا إلى حتمية قطع العيدية عن هذه الفئات إنقاذا لميزانية الدولة؟ وكيف أخفقت لجنة الخدمات والتنمية الاجتماعية بمجلس الشورى في إقناع الحكومة بعيدية عيد الأضحى المبارك الأخيرة؟

لن يُقنعنا أحد بأنَّ وراء القطع حاجة ميزانية الدولة 16 مليون ريال عيدية العيدين، فكم من الملايين تنفق حتى الآن على مسارات لم تطالها الترشيد؟ لن نُعدِّد ولا نُخصِّص، فهناك قائمة طويلة وعريضة، ولن يقنعنا أحد كذلك بأن وراءها رؤية حكومية لتصحيح الهيكل المالي للدولة؟ فهل التصحيح يكون على حساب هذا الفئة المستضعفة؟ ربما يكون وراءها سياسة مالية واقتصادية مجردة من أبعادها السياسية والاجتماعية، وهنا يكمن القلق المرتفع، وهذا يجعلنا نفتح الملف الاجتماعي في ضوء السياسات المالية والاقتصادية الجديدة في ملف خاص، وبصورة تحليلية عميقة، لكي نرى إلى مدى يتآكل المجتمع بفعل تلك السياسات؟ خاصة من ناحيتيْ السرعة ومدى توافر درجة الوعي السياسي بهذا التآكل، فسحب الدعم والحمايات المتعددة للمجتمع -عيدية العيدين أنموذجا- تشكل أهم مؤشرات التآكل المجتمعي التي لم يلفت إليها أحد حتى الآن.

ومفهوم تآكل المجتمع، قضية نود لفت الانتباه إليها مجددا هنا بصوت مرتفع، حتى يمكننا تصحيح إدارة التوجهات الجديدة في بلادنا، بوعي سياسي رفيع بما يكون، وما سيكون عليه، إذ إنَّها حتى الآن ينقصها هذا الوعي العميق بمآلات المجتمع؛ لأنها إدارة اقتصادية بحتة، ترتهن للأرقام المجردة فقط، دون انعكاساتها الاجتماعية، ربما لضيق خياراتها المتاحة رغم اتساعها، لكنها -أي هذه الإدارة- تظل محكومة بالممكن في المساس، واللاممكن في عدم المساس، واللاممكن نطاقه كبير ومجالاته متنوعة، لكن لا يمكن الاقتراب منها، لوجود قوى تعمل جاهدة دون الاقتراب منها؛ مثالنا هنا: رسوم المخالفات المرورية... القائمة طويلة وعريضة، ويكفي بذلك المثال استدلالا وتوضيحا للممكن واللاممكن للإدارة الاقتصادية والمالية لمرحلتنا الوطنية الراهنة، ويمكن من خلاله القياس والمقارنة.

فسياسة المساس بالممكن تطال الآن مناطق اجتماعية ذات حساسية عالية التأثير، ونتائجها كما أسلفنا ستؤدي إلى تآكل المجتمع، فمن منا لم يشعر بثقل المناسبات المتوالية على راتبه الآن، مناسبات: عطلة المدارس، شهر رمضان المبارك، وعيد الأضحى المبارك، وعودة المدارس، والأعراس؟! وكم من سيولة مالية باقية من شهر سبتمبر رغم أننا لا نزال في النصف الأول منه؟ وهذه الصور الذهنية تقربنا كثيرا من قضية فئات الضمان الاجتماعي، وبالذات فئات المطلقات، والتي تستحوذ على نسبة 14.3% من المستفيدات من الضمان الاجتماعي ويبلغ عددهن 11 ألفا و744 حالة، والأرامل المستفيدات من الضمان الاجتماعي 7.5%، ويبلغ عددهن 6 آلاف و165 حالة، والنساء اللاتي هجرهن أزواجهن بلغت نسبتهن في الضمان الاجتماعي 0.2%، ويبلغ عددهن 179 حالة، والبنات غير المتزوجات المستفيدات من الضمان الاجتماعي بلغت نسبتهن 3%، ويبلغ عددهن ألفين و225 حالة، وفئة الأيتام 3.2%، ويبلغ عددهم ألفين و660، وبلغت نسبة الحالات في فئة أسرة السجين 0.4% بـ303 حالات.

إذن، كيف نقطع عيدية العيدين عن مثل هذه الحالات الاجتماعية الضعيفة في فئاتها، والضعيفة في مستوياتها الاجتماعية؟ ومن تجرَّأ على القطع؟! وكيف يستمر القطع حتى في عيد الأضحى الأخير؟ هدفنا من طرح مُسميات تلك الحالات، وعددها، وفئاتها، التأكيد على أمرين أساسيين:

- الأول: الماهية نفسها التي تثير العواطف، وتُحمِّل صانع القرار الدفاع عنها، فكيف يجعلها تتآكل وتعاني في مناسبات الأفراح؟

- الثاني: آلية القطع واستمرارها، فمن يتجرأ على قطع عيدية العيدين لديه من البراجماتية الصخرية التي تجعلنا نقلق على كل الأبعاد الاجتماعية من التحولات والمتغيرات التي تطرأ حاليا على دور الدولة من ريعي إلى جبائي.