حَمَد العلوي
نقول أهلاً بالعيد لأنَّ فيه فرحةً وفيه بسمة، وفيه تجديدٌ للمحبة والعطاء، والتآلف واللقاء والرحمة، ونبذ البغضاء، وزيارة الأرحام والأقارب والأصدقاء؛ لذلك لا نقول كما قال الشاعر العربي: "عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ؟"، وإذ نقدِّر ظروف الشاعر وقتذاك.
وفي هذا دلالة على أن العرب كُتُب عليهم الشقاء، عندما لا يلتزمون طاعة الله ورسوله، واتباع شريعته الغرَّاء، والدليل أنه أصبح لا قيمة معهم للإنسان ودمه، فيُسفكون الدماء نكاية في الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال، وكان كفَّار قريش يحترمون قيم الإسلام، رغم عدم اعترافهم به كدين، أمَّا جاهلية اليوم فيعكسون القيم، فهم يعلنون الاعتراف بالإسلام، وباسم الذود عنه ينتهكون شرعَ الله، وكذلك أرواح وأعراض الناس وأموالهم، أي يسلكون مسلك النفاق في أسوأ صوره، لذلك ترى العالم آمن في كل بقاع الأرض، ويعيشون بلا حروب ولا حصار، عدا بلاد المسلمين، فهي كالرَّحى تطحن في أجساد النساء والأطفال، وكافة خلق الله وهم نيام آمنين، لذلك حق للشاعر أن يظل يكرر قصيده في العيد، معاتباً إياه بتكرار العود مع غياب الأفراح المصاحبة له.
ولمَّا كانت العينُ بصيرةٌ واليدُ قصيرةٌ، فقد أصبح لزاماً على بعضنا، أن يحيي احتفالية العيد نيابة عن المشغولين بالحروب التي فرضت عليهم، أو الحصار الظالم المضروب عليهم، لذلك وجب علينا أن نبقي شيئاً للذكرى بالعيد، خاصة في البقع الجغرافية التي سلَّمها الله من الشَّر العربي العربي، حتى لا تندثر مراسم الأعياد، وتضيع في بحور الطغيان والظلم القبيح، لقد كان الحزن على فلسطين كبيراً، ولكنَّ الشَّر الذي أتى على الدول العربية يُعدُّ أكبر وأشد قسوة من ظلم الغريب؛ وذلك مصداقاً لقول الشاعر الذي قال: "وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ"، فقد أصبح نصف بلاد العرب، يرزح تحت نيران الحروب العربية وإنعكاساتها السيئة، فقد تحارب اللبنانيون 15 عاماً حتى اقتنعوا أخيراً، أن الجميع يخسر والذي يربح هو العدو فقط، تُرى متى -إذن- العرب مجتمعين سيصلون إلى تلك القناعة؟!
إنَّ الكتابة عن مناسبة سعيدة، كعيد الأضحى المبارك، ما كان يستلزم التذكير بالمآسي والأحزان لها، ولكن أين المفر وقد أحاطت الخُطُب بنا في كل مكان، وما يزيد الطين بِلة ما يقترفه الإنسان بنفسه على نفسه، فإذا نظرنا إلى الأعياد الماضية، نجد أنَّ هناك أُناسا لن يحضروا معنا هذا العيد، وهذا التغيُّب ليس بسبب الوفيات الاعتيادية، وإنما بسبب الانتحار أو النحر على الطرقات بسبب السيارات، وهذه السيارة أفاض الله بها علينا رحمة منه بنا، فحوَّلها الإنسان وحده إلى نقمة، وأم المصايب أن يُسمِّي الناس هذا القتل، بأنَّه بفعل القضاء والقدر، وذلك لتبرير الغفلة والإهمال، وهذا الخلط لا يجوز شرعاً، لأن القضاء والقدر حكم إلهي لا حذر منه، وإذ أقول هذا، فهي ليست فتوى ابتدعتها مني شخصيًّا، ولكن كلام سمعته من سماحة المفتي العام للسلطنة حفظه الله، ومن علماء آخرين كذلك، فسرعة المركبة بإرادة سائقها، وكذلك الانتباه والحذر بيد السائق، لا بيد السيارة أو الطريق، وحتى انفجار أحد الإطارات أو كلها، فللسائق الماهر يد فيها، لأنه بمتابعة صلاحيتها، ومعرفة موازنة الهواء بها بيده أيضاً، وأن توقّع الكثير من الأخطار على الطريق، تجعل السائق النَّبيه يعمل خطط ذهنية في عقله لتفاديها، خاصة تلك المتكرر حدوثها.
إذن؛ علينا أن نحذر الحوادث المرورية في تنقلاتنا الكثيرة أثناء قضاء إجازة العيد، وأن نتوقع حدوث عطل للسيارة التي نقودها، أو للسيارات التي تشاركنا الطريق، وكل خلل طارئٍ يحدث، فإنه سيفقد عنده السائق قَاسَم كبير من السيطرة على سيارته، خاصة كلما أصبحت السرعة عالية، وتكون السرعة عالية حسب المكان، والظروف المحيطة بالمكان كالطرق المتعرجة مثلاً، إذن وأنت تسير في الطريق، فكر في ردَّات فعلك إذا انفجر إطار في سيارتك، أو في السيارة المقابلة لك، وستحضر حالاً السيناريو الذي رسمته في ذهنك، كيف تتجنب التدهور؟ أو كيف تتفادى الاصطدام بالسيارة التي جنحت باتجاهك؟!
أمَّا أن تظل سائراً على الطريق ويغمرك الشعور بالاطمئنان والأمان، فإن نسبة المخاطر ستكون فيه عالية جدًّا، على عكس شعورك ذلك الخاطئ، وأنا كسائق أعرف أن الإهمال في السياقة والغفلة والانشغال بالهاتف يُمثِّلان قمة الخطر والإهمال، ولا يغرنك أنك سلمت في المرات السابقة، عندما استخدمت الهاتف ولم يحدث لك شيء، فقد يحدث الحادث -لا قدَّر الله- في أقل من جزء في الثانية، وتلك اللحظة البسيطة كافية بإزهاق روح أو أكثر، والله عز وجل أمر بالأخذ بالأسباب في مواضع كثيرة من القرآن، كقوله تعالى: "... وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة:195). إذن، علينا بالحذر، والإحسان إلى النفس، والإحسان إلى الآخرين بمنع الأذى عنهم كذلك.
ونحن نقف اليوم بانتظار عيد الأضحى المبارك، فإننا لنرجو الله أن يلهمنا الفطنة والحذر، وأن نحفظ أنفسنا من شر أنفسنا، وأن نجعل أعيدانا أفراحا بلا أترح، وأن نحسن للنفس والناس جميعاً، وإن الظن بالخير فيهم أمر واجب، ولكن لا يعني هذا، أن نهمل الحذر ممن لا يحذر مثلنا، فهناك أناس مازالوا يتَّبعون غواية الشيطان، ويُذْهبون عقولهم برغبتهم، ويقودون سياراتهم بلا عقل يعقلون به تصرفاتهم، فإذا توقعنا وجودهم معنا على نفس الطريق، فقد ننجح في تفادي مخاطرهم علينا، وأن نحذر أن نجعل سياقتنا مربوطة بالحظ دون الحذر، ومع الحذر والتوكل على الله، فنتقي شرور أنفسنا ومخاطر الطريق. وفي الختام، ندعو الله أن يحفظ عُمان وسلطانها العظيم وشعبها الأبي الكريم، فعيد سعيد وعُمر مديد وثوب جديد، وكل عام والجميع بخير في عُمان، وكل بلاد المسلمين "آمين".