انتخابات 2018.. الرقم الصعب في معادلة العمل السياسي البحرينية (2-3)

 

عبيدلي العبيدلي

تناولتْ الحلقة الأولى من هذا المقال التحديات التي ستواجه الفئة التي ستأخذ مقاطعة انتخابات 2018 خيارا إستراتيجيا لها. وتتوقف هذه الحلقة الثانية عند الصعوبات التي ستبرز في وجه من يؤمن بالعمل البرلماني وسيلة مجدية للتغيير، والذي سيواجه هو الآخر مجموعة من التحديات التي لا تقل تعقيداتها صعوبة، عندما تقارن بنظيراتها التي وجدت في المقاطعة ملاذا تلجأ له لإثبات حضورها في المشهد السياسي خلال الفترة المقبلة.

ولعلَّ السِّمة الرئيسية التي يمكن أن تميز الفئة التي ستحبذ المشاركة، وتنبذ المقاطعة هي انقسامها الواضح بين جمعيات حتى وإن كانت متنافسة، ومجرد أفراد وجدوا في نفسهم، من وجهة نظرهم، الكفاءة والمؤهلات التي تبيح لهم تبوء مقعد في إحدى غرفتي السلطة التشريعية.

من الطبيعي أن تكرِّر العوامل التي اكتسبت أهميتها في مواجهة من قرر المقاطعة، في وجه أولئك الذين قرروا المشاركة، لكن هؤلاء أيضا مطالبين بحسم مجموعة أخرى من القرارات الذاتية، سواء على مستوى الفرد الواحد، أو الجمعية، يمكن رصد الأهم بينها في النقاط التالية:

أ- اعتبار من قاطع العملية الانتخابية "خصما لدودا"، لا يملك الحق في المقاطعة، ومن ثم فينبغي ترك هذه المسألة وراء ظهر من سينجح في انتخابات 2018، والتركيز عوضا عن ذلك على المهام التشريعية الأكثر جدوى، والأشد حاجة للاهتمام.

ب- أن الوصول إلى البرلمان ليس غاية في حد ذاتها، بقدر ما هي وسيلة من أجل تحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف التي يمكن الوصول لها من خلال سن التشريعات، ووضع مقترحات القوانين، التي بفضلها، يتم تنظيم السلوك المجتمعي في المجالات المختلفة، على أرضية راسخة تشكل في مجموعها منظومة العلاقات التي تؤسس لمجتمع مدني يتمتع في الفرد بحقوق، ويلتزم بواجبات تضمن التحولات المطلوبة نحو مجتمع مدني متحضر بالمعنى الإنساني العام الشامل لمفهومي الحضارة والمدنية.

ج- أنَّ الغاية الحقيقية التي تكمن وراء الوصول إلى البرلمان ليست مناكفة السلطة القائمة، وبالمقابل أيضا، ليس التحول إلى رقما مطيعا في أرقام سيادتها. هناك حاجة ماسة لفهم من سوف يشارك لضرورة التحول السياسي المطلوب الذي يجعل من البرلمان مؤسسة تشريعية ناضجة ومتمكنة بدرجة تؤهلها لممارسة مهما التشريعية على الوجه الأفضل، ضمن الأطر والقنوات السليمة التي تحقق التكامل بين سلطات المجتمع الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية.

د- التمييز الواضح الواعي بين كون النائب ممثلا للشعب الذي أوصلت لأصواته ذلك النائب إلى كرسي البرلمان، وبين التحول إلى مجرد "موظف خدمات"، همه الرئيس "إرضاء" المواطن، من خلال الدفاع عن ضرورة توفير الخدمات التي يحتاجها ذلك المواطن. هنا "تنحدر" مسؤولية الغرفة التشريعية من منصة للتشريعات، إلى مجلس خدماتي، هَم أعضائه الرئيس كسب رضا الكتلة الانتخابية التي تقف وراءهم، لضمان أصوات أفرادها وحلفائها في جولة الانتخابات القادمة. يتدحرج سلوك النائب هنا كي يصل إلى مستوى العبودية المطلقة للمقعد الذي يجلس فوقه.

هـ- بالمقياس ذاته ينبغي مخاطبة النواب ممن ينتمون إلى جمعيات وافقت على المشاركة، فهم أيضا مطالبون "بالتمرد" على دائرة تفكيرهم الحزبي الضيقة، من أجل السباحة في بحر الوطن بأمواجه المتلاطمة. ليس المقصود هنا الوقوف في صف مضاد لأهداف الجمعية ومبادئها وبرامجها، بقدر ما هو التحرر من قيود الحزبية الضيقة التي تأسر الكتلة النيابية المحزبة وتضيق الخناق على سلوكها. وهنا يتحول النائب من ممثل للشعب إلى عبد مطيع لقيادة جمعيته.

و- إنَّ التخندق في سراديب الطائفية سينقل جراثيمها وفيروساتها من سراديب المجتمع إلى ردهات المجلس. وعلى النواب هنا التمتع بالشفافية المطلقة المطلوبة مع الذات، قبل أي جهة أخرى، فيكفوا عن تغليف الأفكار والقيم السوقية الطائفية بورق سلوفان يخفي عناصرها القبيحة، ويطمس معالم أوساخها العفنة. وقمة الخطورة هنا حين ينجح "نواب الطائفية"، من تمرير تشريعات وقوانين سطحها الخارجي "يسطع" بالوطنية، لكنها معدنها الداخلي تنخره ديدان الطائفية.

ولكي يتمكن المترشحون من تحقيق ذلك عند فوزهم بمقاعدهم في البرلمان، سيجدون أنفسهم في حاجة إلى مجموعة من الأسلحة التي يمكن ايجاز الأهم بينها في النقاط التالية:

- أنَّ البرلمان هو الوسيلة الأكثر فاعلية لنقل الصراعات البناءة من إطارها المنفلت، إلى صرحها المقنن. ومن ثم على من يصل إلى قبة البرلمان أن ينزع من ذهنه العقلية التي تعتبر الوصول إلى كرسي البرلمان هو هدف في حد ذاته. وبالقدر نفسه، ليس البرلمان ساحة للصدام مع السلطات الأخرى، بل هو تنظيم متحضر للخلافات القائمة موضوعيا بينها.

- تشكيل كتل نيابية، إمَّا خلال المرحلة الانتخابية، أو بعد الفوز. مثل هذه الكتل النيابية ينبغي أن تكون بعيدة كل البعد عن الولاءات الاجتماعية، او الأنانية السياسية، كي يصبح معيارها الوحيد، والأكثر تأثيرا هو الاتفاق على برنامج وطني متكامل يهدف، ويكون قادرا، على إحداث التحولات المطلوبة التي تضمن الانتقال الحضاري المتوخى.

- بناء القنوات البناءة الفعالة المطلوبة بين السلطات الثلاث. وربما يتوهم البعض أن مثل هذه القنوات متوفرة، وهي تحصيل حاصل بمجرد تأسيس تلك السلطات. واقع الحال يقول خلاف ذلك، فلا تزال أسس تلك العلاقة غير قائمة، وقنواتها غير ممدودة. ومن ثم فهي بحاجة إلى جهود إضافية تختلف نوعا وكما عن تلك التي يبذلها نواب في مجتمعات قطعت مؤسساتها المختلفة شوطا طويلا في مضمار العمل التشريعي.

- الالتفات نحو منظمات المجتمع المدني، فهي المعين الذي لا ينضب الذي يمد السلطة التشريعية بكوادرها المستقبلية الكفؤة القادرة على ضمان استمرار التجربة وتطورها من جانب، وهي بالقدر ذاته، السياج الأكثر اتساعا الذي يوفر الحماية المطلوبة التي تصون البرلمان، في وجوده، أو في حالة حله، من احتمالات تقليص صلاحياته، أو الحد من طموحات أعضائه الوطنية المشروعة.

كل ذلك يعني أنَّ المهام التي يفرزها قرار المشاركة أكثر تعقيدا، وأعلى مسؤولية من تلك التي يفرضها قرار المقاطعة.