السرّاج يقبل التعاون مع قطع البحرية الإيطالية.. وحفتر يُهدد بقصفها

إيطاليا الحائرة بين شرق ليبيا وغربها

 

الشرعيتان السياسية والعسكرية تعدان بالتعاون أمام الكاميرات.. وتتصارعان على شواطئ "المتوسط"

وساطة فرنسا و"توقيتها المفاجئ" يثيران قلق روما بشأن مستقبلها في ليبيا

روسيا تبحث عن دور بعرض مساعدة إيطاليا في مشكلة تدفق المهاجرين

إيطاليا تخصص 28 مليون يورو لحماية الحدود الجنوبية لليبيا ودعم منظمة الهجرة

الاتحاد الأوروبي يواجه المهاجرين بحظر تصدير القوارب المطاطية إلى ليبيا

 

 

الرؤية – هيثم الغيتاوي والوكالات

 

حين ابتسم طرفا الصراع الليبي أمام الكاميرات في لقائهما الأخير بفرنسا، ظنّ المتابعون أنها بداية انفراجة حقيقية في ليبيا المنقسمة على نفسها سياسيًا وعسكريًا، لكن ما هي إلا أيام معدودة حتى تبددت تلك الآمال على وقع ردود أفعال كشفت أن طرفي الصراع لا يزالا متنافرين وبقوة، وأن "الابتسامة" للكاميرات فقط! دخلت إيطاليا على الخط، بموافقة برلمانها، الأربعاء الماضي، على إرسال قطع بحرية إلى ليبيا للمعاونة في جهود الحد من عبور المهاجرين إليها عبر الشواطئ الليبية، وبينما قالت إيطاليا إنها تتحرك وفقاً لاتفاق مع فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة، فاجأ القائد العسكري خليفة حفتر الجميع بتهديده باستهداف السفن الإيطالية بدعوى تدخلها في الشأن الليبي.

ورغم أن إيطاليا لا تزال البلد الأوروبي الوحيد الذي أعاد افتتاح سفارته في العاصمة الليبية، وأكثر الدول تضررا من استمرار الأوضاع في ليبيا مقسمة بين حكومتين، إحداهما في شرقي البلاد تدعم المشير حفتر، وأخرى معترف بها دولياً مقرها طرابلس، لكن طرفي الصراع اختارا فرنسا لتكون منبرا للتفاوض فيما بينهما، وخاطب الرئيس الفرنسي ماكرون الصحفيين بعدما تصافح الزعيمان الليبيان أمام الكاميرات قائلاً: "توجد شرعية سياسية تقع في أيدي السيد السراج. وتوجد شرعية عسكرية تتمثل في القائد العسكري حفتر. لقد قررا أن يعملا معا". وهو تفاؤل مبالغ فيه، سرعان ما كشفت الخطوة الإيطالية الأخيرة هشاشته!.

وتصر إيطاليا على أنها تتفاوض على مهمة القطع البحرية مع الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، برئاسة فايز السراج. وقال فايز السراج إن إدارته وافقت فقط على تلقي تدريب وأسلحة من إيطاليا، لكنه أضاف أن "السيادة الوطنية لليبيا خط أحمر لا ينبغي لأحد تجاوزه". وعلى الجانب الآخر، حذر القائد العسكري في شرق ليبيا، بالتصدي لأية سفن إيطالية تقترب من المياة الإقليمية الليبية دون تصريح. وأصدر حفتر، قائد ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي، أوامره إلى قواعد بحرية في أربع مدن ليبية باعتراض السفن الإيطالية. وقال الجيش الوطني الحر إنه سيطرد "أية سفن بحرية تدخل المياة الإقليمية دون الحصول على تصريح من الجيش"، لكنه لم يحدد ما إذا كان مستعدا لاستخدام القوة في سبيل ذلك.

وقالت حكومة شرقي ليبيا إن إيطاليا ترغب في "تصدير أزمة المهاجرين غير الشرعيين من أراضيها إلى ليبيا"، مضيفة أن عودة عشرات الآلاف من هؤلاء المهاجرين سيكون له "انعكاسات خطيرة"، على الأمن والاقتصاد والمجتمع الليبي. وأضافت أن تحرك السفن الإيطالية في المياه الليبية "انتهاك للسيادة".

ومن جانبها، قالت وزيرة الدفاع الإيطالية، روبرتا بينوتي، إنه "لن يلحق أي ضرر ولو طفيف بالسيادة الليبية"، وأكدت أن أن العملية لن تكون بمثابة "حصار" لليبيا، بحيث لا تسمح بمغادرة السفن التي تحمل المهاجرين، مشيرة إلى أنها عملية لمساعدة قوات خفر السواحل الليبية واستهداف مهربي البشر.

 

روما لا تملّ الاستغاثة

التحركات الإيطالية لم تكن مفاجئة، فقد سبقتها عدة اجتماعات مشتركة وتصريحات ومقترحات للحل.. قبل شهر، شدد وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو، على ضرورة وقف المهاجرين غير الشرعيين قبل وصولهم إلى ليبيا. وجاء ذلك في سياق شرحه لأهداف المؤتمر الوزاري الذي ضم دولاً أوروبية وليبيا وبلدان عبور المهاجرين، والذي عقد بمقر الوزارة في روما.

وأوضح ألفانو أن الاجتماع ضم تشكيلة جديدة، أتاحت نهجا ملموسًا، والذي سيتكرر في غضون ستة أشهر من خلال اجتماع جديد في يناير المقبل، في روما أيضا". وأعلن أن إيطاليا خصصت مبلغ 10 ملايين يورو للصندوق الائتماني لإفريقيا، لتعزيز حماية الحدود الجنوبية لليبيا، وكذلك 18 مليون يورو للمنظمة الدولية للهجرة، وذلك لدعم العودة الطوعية للمهاجرين من ليبيا إلى بلدان المنشأ، و3 ملايين يورو أخرى إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لمكافحة المهربين.

وأعرب الوزير الإيطالي عن شكره لإستونيا وهولندا وألمانيا والنمسا التي خصصت مبالغ جديدة للسيطرة على الحدود الليبية، قائلا: "لا يجب السيطرة على البحر فقط، بل على الحدود الجنوبية لليبيا أيضا، فللحد من قدوم المهاجرين يجب ألا نسمح لهم بالدخول إلى ليبيا".

وبالتزامن أيضا، اقترح وزير الداخلية الايطالي ماركو مينيتي عقد اتفاق مع ليبيا لمحاربة الاتجار بالبشر اثناء زيارته طرابلس حيث التقى محافظي المدن الليبية المتأثرة بالهجرة غير الشرعية لالاف اللاجئين.  وقال مينيتي لـ 13 من محافظي مدن جنوب ليبيا "سنعقد اتفاقا لتحرير اراضينا من المتاجرين بالبشر"، داعيا اياهم الى بذل مزيد من الجهود ضد المهربين.

وتبذل ليبيا جهودا كبيرة للسيطرة على حدودها مع السودان، وتشاد، والنيجر.  وتعد مدن جنوب ليبيا المحطة الاولى للعديد من المهاجرين غير الشرعيين نحو اوروبا. وتعهد وزراء داخلية الاتحاد الاوروبي في 6 يوليو دعم خطة طوارئ للمفوضية الاوروبية لمساعدة ايطاليا التي يتوافد الاف اللاجئين الى سواحلها من شمال افريقيا.  وقال مينيتي "لدينا واجب اخلاقي للقضاء على هذا الاتجار الذي تسبب بوفيات ... وبضغط غير طبيعي وغير مقبول على بلادي".

 

وباريس تبحث عن دور

وفيما تشكو إيطاليا من أنها تُركت وحيدةً في مواجهة أزمة الهجرة وتطالب شركاءها الأوروبيين بمزيد من التضامن معها سواء عبر الحد من الهجرة من ليبيا أو عبر فتح موانئهم لاستقبال الناجين من رحلات خطيرة عبر البحر المتوسط، جاء التحرك الفرنسي الأخير ليثير امتعاض إيطاليا بحسب مراقبين.

وقد أدى لقاء ماكرون مع طرفي الصراع الليبي إلى طرح تساؤلات عن طبيعة أهداف فرنسا، وعن سر التوقيت المفاجئ لمبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون للوساطة، خصوصا وأن المحللين يرون أن نجاح باريس في جمع حفتر والسراج يمثل نجاحا كبيرا للدبلوماسية الفرنسية، بالرغم من العديد من المحاولات السابقة، التي فشلت في جمعهما، إذ أنه وللمرة الأولى وبعد محاولات القاهرة وأبوظبي، تنجح باريس في جمعهم والوصول لاتفاق وإصدار بيان. وكانت أبوظبي قد نجحت في السابق في جمع الأطراف الليبية المتنازعة، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى أي اتفاق.

 

وموسكو تُطل برأسها

وعلى ما يبدو فقد فتح ذلك شهية الروس أيضاً، فقد أعلنت روسيا أول أمس، أن بإمكانها مساعدة إيطاليا في معالجة تدفق المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا، من خلال الحوار مع مختلف الأطراف هناك.  وجاء ذلك في حديث لصحيفة "كوميرسانت" الروسية، أدلى به "ليف دينغوف"، رئيس لجنة الاتصال الروسية حول ليبيا، التابعة لوزارة الخارجية ولمجلس النواب "الدوما". وقال دينغوف، إن روما بحاجة إلى دعم بلاده، بالنظر إلى استعداد مختلف الأطراف الليبية للتعاون معها.

وأضاف دينغوف أن موسكو تعمل على معالجة ملف المهاجرين "بنشاط"، وأنها تجري في هذا الإطار حوارًا مع مختلف الأطراف، بما فيها القبائل في جنوب ليبيا، التي "تلعب دورًا كبيرًا في هذه المسألة"، نظرًا لتدفق المهاجرين الأفارقة عبرها نحو سواحل البحر المتوسط. ولفت دينغوف إلى صعوبة تلك المهمة، لأن "بعض المجموعات والتنظيمات متهمة بالضلوع في تدفق المهاجرين".

 

و"الاتحاد" يحظر "المطاطي"

ولأنّ إيطاليا تعد الجهة الرئيسية التي يقصدها المهاجرون، الذين يقطعون الرحلة المحفوفة بالمخاطر عبر البحر، انطلاقا من ليبيا، فقد اكتفى الاتحاد الأوروبي – قبل 3 أسابيع فقط - بفرض عقوبات على ليبيا تتضمن حظر تصدير الزوارق المطاطية والمحركات الدافعة إليها، بهدف الحد من الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد، حيث تنشط في عدد من مناطق شمال غربي ليبيا، منذ أعوام، تجارة الهجرة غير الشرعية، لاسيما في "القربولي" شرق العاصمة و"صبراتة" و"زوارة" غربا، إذ تنطلق منها قوارب الهجرة باتجاه شواطئ أوروبا.

وتستغل الجماعات الناشطة في الهجرة بحرا، حالة الانقسام السياسي والفوضى الأمنية التي تعاني منها البلاد منذ الإطاحة بالراحل معمر القذافي في 2011. وبحسب الأمم المتحدة، فقد عبر أكثر من 94 ألف مهاجر البحر المتوسط إلى إيطاليا خلال العام الجاري فقط، ومات 2370 بينما كانوا يحاولون الوصول إلى إيطاليا. ويبلغ عدد اللاجئين في مراكز الإيواء بإيطاليا، أكثر من 200 ألف شخص.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة