خلفان الطوقي
كَتَبتُ في الأسبوع الماضي مقالاً عن تعزيز الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص، وَوَردتني ردودٌ كثيرة تطلب مني الكتابة عن كيفية تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن؛ فكان لابد لي أنْ أستجيب لطلبهم إيمانا مني بأنَّ الكتابة ليست بالضرورة تعكس حالة شخصية، بل هي مُتطلب مجتمعي، وما نحن إلا أدوات لإيصال أصواتهم إلى من بِيَده القرار.
كتبتُ خِلَال السنوات الستة الماضية عِدَّة مقالات عن الحوار الجاد بين الحكومة والمواطن، وقصدتُ هذه المرة أنْ لا أكرِّر نفسي، وإنما يعكس هذا المقال قراءتي للوضع الحالي، ووجهة نظري فيما يمكن أن تقوم به الحكومة لسد الفجوة بين الحكومة والمواطن.
أوَّل مُؤشرات سد أو تقليل الفجوة بين الطرفين (الحكومة والمواطن) هو أن تقل درجة التذمر والسلبية في أحاديث المواطنين، ونقلها وتناقلها لتصل جيلَ الأولاد والبنات، لتكون من المسلَّمات التي من الصعوبة أن تُمسح من أذهانهم، عموما وكما هو معلوم في الأحاديث المتداولة أنَّه لا يمكن أن ترضي الجميع، لكن في الواقع وفي الميدان يمكن أن ترضي عددًا كبيرًا، أو على الأقل أن ترفع نسبة الرضا عن نسبة السخط من المجتمع، فإنْ استطاعتْ الجهات الحكومية -خاصة الخدمية منها- تطوير خدماتها المقدَّمة بما يتناسب وتطلعات المراجعين، فإنَّ نسبة الرضا ستزداد إيجابيا، وستنعكس على أحاديثهم وسلوكياتهم المجتمعية.
قبل التطرق إلى موضوع سدِّ الفجوة بين الحكومة والمواطن، لابد لنا أنْ نتَّفق على نقاط معينة؛ أهمها: أن تعترف الحكومة بأن هناك فجوة وتسعى لتضييقها، وأنَّ الدور الأكبر واقع عليها لسدها، وأنَّ هناك أدوارًا على كلِّ قطاع حكومي يجب أن يلعبها ويمارسها، وأن هذه الأدوار يجب أن تُمَارس وتنفَّذ بطريقة مهنية وتكاملية وتنسيقية ومؤسسية فيما بينها لتكون مُركَّزة وذات تأثير، فإنْ وافقت الحكومة على النقاط الموضحة أعلاه، فالحلول ستكون متاحة وممكنة.
الجهات الحكومية -وخاصة الخدمية منها، التي تلامس المجتمع والمواطن بشكل يومي- مُطَالبة بأدوار أكبر من غيرها، وهذه الأدوار عليها أن تتَّسم بالاستباقية وفهم جميع السيناريوهات المتوقعة وكيفية التصرُّف تجاهها، لا أن تنتظر السخط من المجتمع وتتصرف بانفعالية وتقرِّر بناءً على ردَّات فعل ليكون تأثيرها مؤقتا.
تعزيز الثقة ليس مجرَّد شعارات، بل خطوات وأدوار، وعلى كل جهة حكومية أنْ تمارسها لكي تبني وتعزز العلاقة بين الطرفين، وأهم هذه الخطوات التي تُمَارس ويُفضَّل أن تكون في وقت الرخاء: الالتقاء الدوري بين الإدارات العليا بالإدارات التنفيذية داخل الوحدة الحكومية الواحدة، وضرورة الاستماع إليهم واحترام وجهات نظرهم والأخذ بما هو مناسب؛ لأنَّ الإدارة التنفيذية في الواجهة، وهم من يقدمون الخدمات للمراجعين بشكل مباشر، ويتعاملون معهم بشكل يومي، أضف إلى ذلك تطوير الخدمات التقليدية لتكون إلكترونية، والتي من المفترض أن تتحول إلى إلكترونية منذ سنتين، والهدف من ذلك تسهيل المعاملات على المراجعين وتقليل التدخل البشري والاستثناءات من رئيس الوحدة، والتي تؤدي إلى خلق الطبقية دون أن ندري بين أفراد المجتمع الواحد.
أضِف إلى هذه الخطوات التعزيزية الاجتماع الدوري وجها لوجه، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مع أصحاب العلاقة؛ فوزارة التجارة والصناعة والقوى العاملة والبيئة، وبعض الجهات التي تصدر التراخيص التجارية -على سبيل المثال- عليها الاجتماع بالتجار وأصحاب الأعمال والشركات، والاستماع إلى مرئياتهم دون دفاع مستميت أو مقاطعة والاكتفاء بالتوضيح إنْ استدعى الأمر، وعلى باقي الجهات الحكومية الأخرى تحديد المستفيدين من خدماتها والاجتماع بهم من مواطنين ووافدين، على أن يكون هذا الاجتماع دوريًّا؛ لأنَّ المتطلبات والظروف تتغيَّر، كما على الاجتماع ان يهدف للمصلحة المشتركة، ويبتعد عن الدفاع الحكومي أو التسليط الإعلامي والشكلي فقط، والتقييم الدوري والحقيقي لأداء هذه الجهات الخدمية، ومحاسبة المقصرين، ومعرفة ما الخلل، وكيفية معالجته، طبقا لجدول زمني محدد.
هُنَاك عشرات الخطوات الأخرى التي تحتاج لمقالات، بل كتيبات، والتي يُمكنها أن تعزِّز الثقة بين الطرفين، لكنَّني ذكرتُ أهمها وأعظمها، وذكرتها بناء على قاعدة (20/80)، فإن طُبقت بعض الخطوات الكبرى والتي تمثل 20% فقط، فإن الـ80% من باقي الخطوات ستتغير تلقائيًّا وبسهولة، وأكرِّر للأهمية بأنه من المحبذ أن تطبق هذه الخطوات في أوقات الرخاء، وبشكل استباقي، ومن خلال فرق مؤهلة مُدرَّبة تستطيع قراءة السناريوهات واستشعار واستيعاب المتغيِّرات وكيفية التعامل معها، على أن تتكرَّر هذه العملية التقيمية بشكل مستمر، إذا أردنا علاقة قوية متماسكة مستدامة بين الطرفين.