لماذا حقوق الإنسان الفلسطيني مهدرة؟!

 

 

عبد الله العليان

 

منذ احتلال فلسطين في حرب 1948، ثم احتلال بعض الأراضي العربية عام 1967، والإنسان الفلسطيني يواجه القتل، والقمع والاعتقال، وهدم المباني، والاستيلاء على أرضه بالقوة، مع أنّه صاحب الحق الأصيل في هذه الأرض المحتلة، وبإقرار الأمم المتحدة لاستعادة أرضه المحتلة! وللأسف أن هذه الجرائم في حقه لم تلق ذلك الاهتمام من الغرب نفسه، الذي صاغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الأربعينيات من القرن الماضي، والغريب أنّ هذا الإعلان تصادف، مع احتلال فلسطين في نفس هذا العام.

ومع ذلك فإنّ هذا الإعلان بقي فضفاضا وبعيداً، ودون تعميمه على هذا الشعب الذي نهبت أرضه، وشرّد ونكّل به وبقي في الملايين منهم في المنافي منذ نكبة 1948، و1967، ومقولات حقوق الإنسان بقيت مجرد آراء للقراءة، كمسمار جحا عند الحاجة! وليس للتطبيق الفعلي عند تحقق المخالفات الحقوقية، وكأنها لشعوب دون الأخرى! وهذا ما جرى لهذا الشعب الفلسطيني المنكوب منذ ما يزيد على سبعة عقود، وهذا ما يسمى بالمكاييل المتناقضة، مع أن الإعلان العالمي الذي أصدرته الأمم المتحدة 1948، كان واضحا وعاماً في نصوصه، ففي المادة الثانية منه يقول هذا الإعلان إنّ "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود".

وليس هذا فقط بل إن أغلب الدول الغربية، وقفت مع إسرائيل في احتلالها لقسطين، ووقفوا إلى جانبها، ومدها بكافة الأسلحة، والتأييد السياسي والعسكري والاقتصادي، ولذلك، فان ما تفعله إسرائيل لا يجد ذلك الردود القوية في انتهاكاتها من الحقوق الإنسانية، بل بعض الدول الغربية، وهذه الدول ـ ومنها بعض السياسيين ـ يقولون بصورة صريحة تامة، ودون أدنى ارتاب أو تردد، أن إسرائيل، تدافع عن نفسها؟! فكيف يستقيم هذا القول، وهي التي اعتدت على حقوق الآخرين، وسلبت أرضهم وطردوا وشرّدوا والقرارات الدولية المتعاقبة نفسها أعطتهم الحق في استعادتها ومع كل هذه المآسي والنكبات؟ ولذلك فإنّ مقولات حقوق الإنسان، تجاهلت من هذا الغرب الديمقراطي، والعقلاني، والإنساني!

وكنا نصدق أنّ الغرب أصبح متمسكاً بما وضعه من فلسفات حقوقية منذ عصر الأنوار، وإنّ ما حدده في دساتيره يعد مقدساً للجميع، والغريب أنّ الغرب يطالب الدول غير الديمقراطية، أو المستبدة بضرورة تطبيق حقوق الإنسان على شعوبها، وأن تصبح ديمقراطية من حيث المؤسسية ثابتة، وأنّ ما يعيشه الغرب هو النموذج المحتذى للجميع، بل وأحياناً يقول إنّه سوف يتحرك لإنقاذك من استبداد أبناء جلدتك، كما فعلوا عندما تحدثوا عن أهداف غزو العراق بأنّهم يرغبون في إنقاذ شعب العراق من استبداد وقمع وانتهاكات لحقوق الإنسان وامتهان لكرامته!! مع أنّ من العدل والإنصاف، إنقاذ الشعب الفلسطيني أولاً من نكبته التي لم تشهدها الإنسانية كلها في هذا العصر، لكنها المقاييس المزدوجة التي لا تجعل حقوق الإنسان عموماً للجميع، وإنّما وفق مقولة (إما معي وإما ضدي)! ووفق ذلك تحدد ما هي الحقوق التي يجب أن تكون عامة للجميع، ولهذا أصبحت هذا المبادئ، مجرد عبارات ليست مقياسا ثابتاً لكل الإنسانية، عندما تنطبق عليها هذا المواد الجميلة والمثالية في صياغتها، لكن الواقع لا تجده كذلك للجميع، ويرى د/ محمد عابد الجابري في كتابه (المشروع النهضوي العربي.. مراجعة نقدية)، إن إقامة وطن لليهود في أرض فلسطين، له أهداف أخرى فكرية وسياسية بالنسبة لمشروع الحداثة الأوروبية، ولذلك فإن "نشاط الحركة الصهيونية على المحور الأول (ربط يهود أوروبا بالمشروع الصهيوني المتمثل في إقامة دولة يهودية في فلسطين) كان له هدفان متكاملان: كسب الأنصار للمشروع الصهيوني بين اليهود أنفسهم، أعني العمل على صهينة يهود أوروبا من جهة، وتجنيد الرأي العام الأوروبي لصالح قضية اليهود بوصفها قضية مضطهدين محرومين (:) أما السؤال: على حساب من سيكون تحقيق مطامح اليهود (المشروعة) هذه؟ فذلك سؤال لم يكن من المفكر فيه في أوروبا، ذلك لأنّ فلسطين وما يجاورها هي بالنسبة لأيدولوجيا الحداثة الأوروبية من تلك المناطق التي تسكنها أقوام هم في حاجة إلى نشر (الحضارة) بينهم". فالمسألة إذن أبعد ما تكون قضية الحقوق الإنسانية، فهي سياسية وفكرية، وتحدد وفق هذا المعيار، ومن هنا يعيش الشعب العربي الفلسطيني هذه المأساة الإنسانية، دون أن تحقق له الحياة الإنسانية الكريمة، والحق في استعادة وطنه وأرضه المحتلة، وما جرى مؤخراً في الأقصى، تعد إحدى المعايير غير العادلة في عصر ما يسمى بمكاسب حقوق الإنسان حيث الكلام عنها لا يتوقف لكن الواقع غير ذلك!.