ناصر العبري
عظَّم شرعنا الحنيف من صلة الرَّحم أيّما تعظيم؛ وقرنها في غير ما موضع بتنزل البركات والرحمات والتوفيق في الدنيا، والأجر الوفير في الآخرة، ويكفي أن يمنح المرء نفسه فرصة العيش مع ما رواه نبينا الكريم من حديث قدسي عن ربنا جلَّت قدرته: "أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته". وقطعُها عمدًا أو تجاهُلاً من أكبر الذنوب؛ لما يُسببه من فَصْمٍ للرَّوابط بين الناس، وما يُشيعه من عداوة تنسف الرَّوابط الأسرية بين الأقرباء؛ لذا كانت عقوبته مُعجَّلة في الدنيا قبل الآخرة مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".
ولعلَّ الكثيرين منا يستغرب أمام تلك التحذيرات والنواهي أن تألف مسامعنا قصصَ العقوق والقطيعة، وانتشارها هذه الآونة بصورة مُفزعة؛ رغم أننا نعيش عصر السموات المفتوحة والتكنولوجيا التي جعلت من عالمنا قرية صغيرة، وسهَّلت وسائل التواصل والاتصال بين الناس عن ذي قبل. إلا أنَّ الأمر على ما يبدو لي ليس له علاقة بالوسائل المُعِيْنَة على الوَصْل، بقدر ما هي أسباب تنبُع من ذات الفرد ونفسه بطبيعتها الأمَّارة بالسوء، فأغلب المشاكل التي نقع فيها في حياتنا تكون بسبب سوء التفاهم وسوء الظن بالناس، وللأسف الشديد فقد باتت القلوب مريضة بالغيرة والحسد، وانشغلت بالقيل والقال، واتسعت دائرة الغيبة والنميمة ونقل الصورة من شخص لآخر بشكل خاطئ؛ كلُّ هذا سبَّب كوارث أخذت تفُت في عضد الأسر والقرابات.
إنَّ الأهل هم نِعْمَة الله تعالى على بني البشر، جعلهم الله عَوانًا لنا؛ لذا من المحزن في زماننا أن يترك البعض منا هذا السبيل المؤدي لنعيم وفير، ويلهث وراء مصالحه وذاته بأنانية على حساب أرحامه، مما يُولِّد تفكُّكا في المجتمعات، تتوارثه الأجيال المتعاقبة.. فاتقوا الله في أرحامكم، فهذا مما يُبقِي على الود، ويحفظ ما بين الأقارب من عهد، ويهون على الإنسان مصاعب الحياة، وفي ذلك أيضًا حثٌّ للمحسنين على أن يستمروا في إحسانهم، فإن الله معهم ومثيبهم على عملهم.