السياحة في صلالة تتراجع

علي كفيتان

حسب البيانات والمؤشرات التي ينشرها المركزُ الوطنيُّ للإحصاء والمعلومات، بشكل دوري، عن السياحة الصيفية إلى محافظة ظفار هذا العام، فإنَّ الأرقام توضِّح انخفاضًا ملحوظًا في عدد السياح، مقارنة بالأعوام الماضية، رغم الجهود التي تقوم بها بلدية ظفار لتحسين البنية الأساسية من شوارع ومتنزهات وغيرها، نيابة عن وزارة السياحة الغائبة تماما عن المشهد في هذه المحافظة، التي تمثل الوجهة الرئيسية للسياحة في السلطنة، والمقصد الأول لكل زائر، خاصة في فترة الصيف الملتهب في بقية دول المنطقة.

زُرتُ مُعظمَ المواقع السياحية المهمة بالمحافظة، الأسبوع الماضي، وأخذت جولة في مركز البلدية الترفيهي، وشاهدت الفرق؛ فالمواقع شبه خالية، ولا زحام على المطاعم أو الشوارع العامة، كما هو في الأعوام الماضية، ويشتكي أصحاب المحال التجارية ومالكو بنايات الشقق الفندقية، والمواطنون الذين دأبوا على تأجير منازلهم اثناء هذا الموسم الاستثنائي من تقهقر سياح الخريف لهذا العام.

لا نجدُ حرجًا هنا من الإشادة المتكرِّرة بالدور الذي تبذله بلدية ظفار، كما سبق في عدة مقالات؛ فالبلدية أصبح مطلوبًا منها أن تقوم بأدوار جميع الجهات المعنية بتطوير المحافظة، والكل يحد سكينه لانتقادها على كل تقصير، في ظل غياب تام لجهات رئيسية مثل وزارة السياحة التي اكتفت بنصب دورات المياه المتنقلة وبعض الاستراحات المتواضعة في المواقع السياحية، ويكاد يكون أبرز ما قامت به ويمكننا ذكره هو متنزه المطاعم الشعبية في سهل إتين، وإنجاز واحة المسافر في سهل حمرير.

السياحة هي أحد القطاعات الرئيسية التي وضعت كأولوية ضمن مشروع مختبرات "تنفيذ"، الذي بلغ مراحله النهائية ويحظى بمباركة سامية ومتابعة دقيقة من وحدة خاصة شكلت لهذا الهدف (وحدة متابعة التنفيذ)، ورغم مرور أكثر من خمسة أعوام على التجديد في رأس هرم وزارة السياحة، فإنَّ المتابع لا يجد لها نشاطاً جديًّا في محافظة ظفار، والأمر لا يختلف كثيراً في بقية مناطق السلطنة، تطرقنا في مقال سابق للمكتسبات السياسية والأمنية التي تحققها السلطنة ولم تستغلها هذه الوزارة التي ظلت تحبو، بينما الجميع يركُض لنيل الحصة الأكبر من سلة سوق السفر والسياحة العالمي، نتوقع أنه لا توجد أعذار كافية لهذا التراجع في عدد سياح الخريف، بل وسياح السلطنة بشكل عام، ولا مجال للعودة للعذر والتعلل بتراجع أسعار النفط، فالأوضاع المستجدة في منطقة الخليج جراء أزمة العلاقات ليست سببا مقبولا لهذا التراجع مثلما يردد البعض فعلاقات السلطنة مع جميع الاشقاء في الخليج متوازنة، ودولة قطر لديها خط طيران مباشر إلى صلالة بعد افتتاح المطار الجديد.

تحيَّة احترام وتقدير للسياحة الداخلية التي ظلَّت مُستمرة رَغْم تراجع الأعداد، ورغم رفع الدعم عن بعض السلع؛ مثل: المحروقات، وزيادة الضرائب على بعض الخدمات. كان الكثيرُ يتغنُّون بالسياحة من الدول المجاورة أو الخليجية، ولكن أثبتت التجربة أنها لا تُشكِّل نسبة مؤثرة في موسم السياحة الصيفية بمحافظة ظفار، وأنَّ مُعظم من يأتون للمحافظة هم من بقية محافظات السلطنة الأخرى، وإذا ما تمَّ مُقارنة الدخل من السياحة الخريفية فإن معظمه يأتي من الجيوب العمانية؛ مما لا يشكل إضافة نوعية لهذا القطاع الواعد، ويعبر -بما لا يدع مجالا للشك- عن أنَّ الوزارة المعنية وبالرغم من جولات كبار موظفيها في جميع أسواق السفر العالمية طوال العالم، فلم يجلبوا جديدا لسوق السياحة العماني، سوى الاحتفال بنيلهم جوائز ثانوية في تلك الملتقيات، وإبرازها إعلاميًّا بشكل لا يليق مع حجمها.

قبل سنوات، رُبِط تطوير ميناء ريسوت (صلالة حاليا) ومطار صلالة بعدم الجدوى الاقتصادية، ولكن بمرور الأيام أثبتتْ الدراسات عكس ذلك، فتم تشييد الميناء والمطار، وأصبحا واجهة حضارية للمحافظة، فتحجَّجت السياحة بعدم توافر مواقع كافية للإيواء؛ فقامت العديد من الفنادق بمستوياتها المختلفة والبنايات الفندقية التي باتت اليوم خاوية على عروشها ومالكيها بين أروقة المحاكم، مطالبين بسداد قروض إنشائها يستجدون تأجيل فترات السداد أو قذفهم في السجون.

الأمر نفسه يتطلَّب تعاونَ جهات أخرى؛ مثل: وزارة النفط والغاز التي تشرف على شركات إنتاج الطاقة في السلطنة؛ فالمحافظة باتت بحاجة ماسة لمصفاة نفط، بدلا من تصدير الصناعات الخطرة كالأمونيا وغيرها، فقد أثبتت الأحداث قبل عدة أعوام أنَّ المحافظة لا يُمكنها الاعتماد على بضعة صهاريج نفطية في ميناء صلالة لا تصمد إلا عِدَّة أيام في الحالات الطارئة، ومن ثمَّ لا خيار للموطن إلا أن يمتطي دابته التي تركها منذ نصف قرن.

alikafetan@gmail.com