حياة كريمة في وطن عزيز

حَمَد العلوي

هل تساءلت أخي العُماني، كيف ورثت هذا الوطن العظيم؟ وكيف ظل قائماً موحداً لقرون طويلة من الزمن؟ وذلك رغم غزوات الترويض من طغاة الأرض، ومحاولات الإخضاع الكثيرة والمتكررة؟ وقد باءت جميعها بالفشل الذريع، وحتماً لم تُصد تلك المخاطر بالتمنِّي والأحلام الوردية، وإنَّما بالسلاح وقوة السواعد العُمانية العظيمة، وبعد التوكل على الله فهو ناصر عبده؛ لذلك ظلت عُمان حُرَّة أبية، ووحدة واحدة قوية ومستقرة، إلى أن وهنت ودبَّ فيها الخمول، وطغى عليها الجهل لفترة وجيزة، وحين ذاك دبَّ بين أوصالها الشقاق والتنافر، فوجد المفسدون في الأرض ضالتهم في شرذمتها، واستقطاع ما أمكنهم استقطاعه منها، ولكن قيَّض الله لها سلطاناً فذًّا زعيمًا جلالة السلطان قابوس المبجل -حفظه الله وأعزه وأبقاه- فأنقذها مما كانت فيه من ضعف، وتشرذم وتخلف وجهل، وقضى على الفتن والفرقة، وأعاد وحدتها ومجدها إلى سابق عهدها وأفضل.

إذن؛ نحن اليوم -كعمانيين- لا نخشى أن يظفر المفسدون ببغيتهم من بلادنا، بعدما عاش العُمانيون نعمة الأمن والأمان، وحياة السكينة والاستقرار، وبعدما رأوا كيف الشَّر أخذ مأخذه من بعض البلاد العربية، وكيف تحول النعيم ورغيد العيش عندهم إلى تعس وفقر وشقاء، وذلك بسبب ضعف النشأة الوطنية، وإهمال حقوق المواطنة، وواجبات المواطن في موطنه، وضعف التنشئة الدينية في النفوس البشرية، فكانت نتائجه ضعف الوازع الديني والوجداني، فانتشر الفساد بالرشاوى وشراء الذمم، فأصبح الولاء والطاعة لمن يدفع أكثر، وهنا كان مكمن الخطر الكبير، وذلك عندما تُصبح عقيدة الناس تتمثل في المال وحسب دون القيم والأخلاق، والتبسيط المخل في الطريق إلى الآخرة، ونيل الجنان والحور الحسان، بالتمني، وبالقتل وإزهاق الأرواح مقابل المال؛ لأنَّه كذباً يورِّث الجنة!

إنَّ الإنسانَ عليه أن يُعمِل العقل في أمور حياته، وأن لا يكون أمَّعة لكل ناعق ناشز، وأن يتربى على صحيح الدين والأخلاق الفاضلة، وأن يكون رسول الله عليه السلام قدوتهم في دينه وخُلقه، فعندما امتدحه ربُّ العزة والجلال، لم يمتدحه بكثرة ماله من الذهب والفضة، ولا بكثرة ضواحي النخيل وبساتين الفاكهة، وإنما أمتدحه بحُسن الخلق، والبعد عن الغلظة وفظاظة القلب مِصْداقاً لقوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)، وقوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران:159)، وقد نهى عزَّ وجلَّ عن الجور والفجور في الخصام، فقد بلغ بالبعض إلى مَصْع رقبة حمامة عن جسدها، نكاية في الخصم لأنها أتت من جهته، وطُردت حيوانات بسبب الإنتماء لمالك أفترض إنه خصم، فلم يتوقف الأمر بالنيل من إنسانية الإنسان في عرضه وماله.

إنَّنا في عُمان نمتلك قدراً جيداً من أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذه رغبة سلوكية في نفوس الناس، توارثوها العُمانيون ولم يجبروا عليها، ورسول الله عليه الصلاة والسلام، عندما امتدح أهل عُمان بالكرامة وحُسن الخلق، هو لم يزر عُمان، ولكنه علم ذلك بعلم النبوة الربانية؛ لذلك أرسل لأهل عُمان معلمٌ للدين الاسلامي، ولم يرسله والياً كبقية الأقاليم، وثبَّت ملكيها (عبد وجيفر بني الجلندى) حاكمين عليها، واللافت هُنا أنَّه كان على عُمان ملكان في وقت واحد، ومع ذلك تقبَّلا الإسلام طوعاً، ولم يحدث بينهما اختلاف، أو شقاق في قبول أمر عظيم، أتى ليغير عقيدتيهما إلى عقيدة جديدة، إذن فلا عجب في ذلك، فهذه خاصية عُمانية في تقديم العقل على العاطفة، مهما كان الأمر عظيماً ومفصليًّا، فلا تنشأ عندهم معضلة ليس لها حل، إذن هذه السيرة التي سارت عليها الأمة العُمانية على الدوام، يجب أن تظل سائدة إلى الأبد، حتى تظل عُمان سيِّدة نفسها.

إنَّ عُمان، هذا الوطن العزيز، يجب أنْ ينأى بنفسه عن التقليد، وليس معنى هذا قفل الباب على الذات، والتقوقع داخليًّا كما حدث في فترة من الفترات، وإنما أنْ تظل عُمان مركزَ إشعاع حضاري، يعتزُّ مواطنا فيها بنفسه وتاريخيه، وأن يأخذ المفيد له من شعوب العالم؛ لأن التطور والتقدم لا يؤخذ بالتوقف عن التجديد والإبداع، وعلى الناس أن يكونوا إيجابيين في تعاملهم مع الآخرين؛ لأنَّ ترديد تعبيرات الشؤوم والإحباط والتذمر، إنما أنما هي أمور تثبط العزائم والهمم، وكلمات؛ مثل: (كلهم هكذا.. وأنا منفرداً لا أستطيع إصلاح شيء.. والفساد منتشر)، وغير ذلك الكثير من الكلمة المؤلمة؛ فعلى الإنسان أن يبدأ بإصلاح نفسه أولاً، وسيجد آخرين على استعداد للسير معه، ومن يقول، لا يستطيع أن يُغيِّر شيئاً، عليه أن يغير نفسه إلى الأفضل، وحتماً سيكون مرشداً لآخرين، وربما أبناؤه أو إخوانه، ثم من علم عن فسادٍ ما في أي مكان، أن يبادر ويذهب للجهات المعنية، ويخبرها بذلك حتى ولو من باب العلم بالشيء، وأن يعلم إن نشر معلومة عن الفساد في وسائل الاتصال الجماعي، إنما ينبِّه الفاسد ليحتاط لفساده، ثم إنه بذلك يعاون الحسَّاد على الشماتة، والتشهير بهذا البلد الكريم.

إذن، علينا أنْ نحترم عُمانيتنا، وأن نحافظ على هُويتنا ونهجنا الأصيل، وعلينا أن نوظِّف الجديد لخدمة عُمان، وأن لا نسعى للتقليد، فالذي قلَّد فعل ذلك لأنه لا مُرتكز تاريخي له، أي أن نشأته طارئة على جغرافية الكون، والشواهد أمامنا في هذا كثيرة؛ فهناك من لا تعرف وجهته وهدفه، ولا تستطيع أن تستقرئ نواياه، فقد تجده في الصباح في نهج، وتجده في المساء في نهج آخر، فمثل هذا يبحث عن هوية ليستقر عليها، أما دولة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ليس مقبولاً منها أن تتخبط في نهجها، والحضارات حول العالم تعرف وتحترم بعضها. أمَّا الطارئون، فهم ينظرون للآخر على أنه مثلهم، قد فقد شراع ابحاره، فتاه في غياهب الدهر؛ لذلك يتوجَّب علينا معرفة من نحن؟ وما يُفرقنا عن غيرنا! وأن نوجه الهِمم للبناء والتعمير، والاعتماد على الذات، والخروج بعُمان كبلد متميز في كل الاتجاهات والمشارب، وأن نقتدي بالدول الصناعية المتقدمة، وأن نعزُّ الوطن كما أكرمنا وأعزَّنا، وأن نطلب من الله أن يحفظ لنا جلالة السلطان، بأن كان لنا قائداً وقدوة في الصبر والحكمة، وحُسن التخطيط في تحديد الأهداف وتنفيذها بدقة.