الإعلام العماني والأزمة الخليجية

 

أ.د. حسني نصر

التكريم الذي حُظي به الإعلاميان العمانيان البارزان إبراهيم اليحمدي وسليمان المعمري خلال الاحتفال بيوم الإعلام العربي الذي أقيم على هامش اجتماع الدورة الثامنة والأربعين لمجلس وزراء الإعلام العرب بالقاهرة الأسبوع الفائت، هو تكريم مستحق لإعلام السلطنة بوجه عام، بعد أن أصبح مضربا للمثل في التزام الموضوعية وسلامة المقصد والحرص على بث قيم التسامح والتنوير، وسط محيط إعلامي عربي مريض اختلطت فيه المفاهيم، واشتبكت فيه الصحف والفضائيات العربية في حروب عبثية تزيد الانقسام وتعمق الخلافات، وتصب مزيدا من الزيت على النار المشتعلة بين العواصم الخليجية الأربعة.

في نفس الإطار جاءت المشاركة الرسمية الهادئة والمتزنة دوما لمعالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام، وسعادة على الجابري وكيل الوزارة في أعمال القمة الإعلامية العربية -إن جاز الوصف- رغم ما شهدته هذه الدورة من مناوشات بين بعض الوفود المشاركة، وصلت إلى حد التلاسن وتبادل الاتهامات بين ممثلي دول الأزمة الخليجية. والواقع أنّ المشاركة الإعلامية الرسمية العُمانية نجحت، كما جرت العادة في الاجتماعات الإقليمية والعربية والدولية المماثلة، في تأكيد خصوصية المواقف العُمانية الثابتة المستمدة من ثوابت السياسة العمانية التي وضع أسسها جلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- والمُتّسقة دائما على جميع المستويات الرسمية والشعبية والإعلامية. وفي تقديري فإنّ المشاركة العمانية- كما أكد لي زملاء أفاضل من القاهرة- لعبت دورا كبيرا ودون ضجيج أو حتى إعلان، بالتنسيق مع الوفود المغاربية، في خروج البيان الختامي للدورة بالشكل التوافقي الذي خرج به، خاليا من الاتهامات العربية - العربية التي ضجت بها قاعة الاجتماع، ليكتفي- أي البيان- بالتأكيد على الخطوط العريضة المشتركة المتعلقة بتعزيز دور الإعلام العربي في مواجهة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله، دون الدخول في تفاصيل كان من الممكن أن تعصف بالدورة كلها.

لا يمكن بالطبع فصل السياسة الإعلامية عن السياسة الخارجية للسلطنة، وبالتالي فإن معالجة وسائل الإعلام العمانية للشؤون والأزمات الإقليمية والعالمية، ومنها الأزمة الأخيرة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين من جانب ودولة قطر من جانب أخر، نابعة في الأساس من سياسة السلطنة القائمة على عدم التدخل في شؤون الغير، والوقوف على مسافة متساوية من أطراف أي أزمة، وعدم المشاركة بالقول أو الفعل في تأجيج الصراعات وتعميق الخلافات، والعمل بصمت وإنكار للذات مع القوى الإقليمية والعالمية التي تحاول من خلال جهود الوساطة حلحلة الأزمة، وتقريب وجهات النظر، وصولا إلى حل عادل يرضى جميع الأطراف. وفي هذا الإطار يمكن فهم وتقدير الدور غير المعلن الذي تقوم به السلطنة مع الأطراف الخليجية المتنازعة، دون ضجيج إعلامي احتراما للوساطة الكويتية المعلنة ودعما لها، إذ يتضح من زيارات وزراء الخارجية الخليجيين للسلطنة والزيارات التي قام بها معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لأكثر من عاصمة خليجية بالإضافة إلى طهران، إنّ عُمان تمثل لاعبا رئيسيا في جهود الوساطة بين شقيقاتها الخليجيات، دون أن تنسب لنفسها فضلا أو منة.

في الأزمة الخليجية الحالية وباستثناءات نادرة لم تسلم وسيلة إعلام عربية سواء في الداخل الخليجي أو العربي من الانحياز السافر لهذا الطرف أو ذاك، ووصل الأمر في بعض الحالات الشاذة إلى التحريض الإعلامي العلني ضد دول وأنظمة حكم وشعوب عربية، ناهيك عن استخدام لغة السباب وانتهاك الأعراض وضرب القيم العربية الأصيلة في مقتل بصورة غير مسبوقة.

ومن الغريب ونحن نعيش عصر الانفتاح الإعلامي وبعد أن ترسخت مبادئ حرية الصحافة في العالم كله إن يتبنى مسؤولون وإعلاميون عرب ربما للمرة الأولى في تاريخ الإعلام الحديث الدعوة إلى العصف بحرية التعبير وإغلاق المنافذ الإعلامية بحجة أنّ هذه الحرية لا تناسب الشعوب العربية ولا تحقق مصالحها، وهي الدعوة التي لاقت استهجانا عالميا واسعا باعتبارها عدوانا واضحا على حرية الإعلام.

يمكن القول إنّ الأزمة الخليجية الحالية أخرجت من الإعلام العربي أسوأ ما فيه، وكشفت اختلالاته الهيكلية التي لم يستطع التخلص منها على مدار تاريخه والتي جعلت بعضه إعلاما تابعا ومتلونا ولا مبدأ له، يغير مواقفه تبعا لتغير مواقف ملاكه سواء من الدول أو الأفراد، ويحول الأصدقاء إلى أعداء وينقل الأعداء إلى خانة الأصدقاء في لحظة.

في المقابل كانت وسائل الإعلام في سلطنة عمان الوحيدة تقريبا التي عالجت وما زالت هذه الأزمة بعقلانية وموضوعية نادرة تحسد عليها، فلم تنحز إلى طرف على حساب طرف آخر، ولم تجر كغيرها إلى معارك كلامية تعلم أنّ المنتصر فيها خاسر بالضرورة على المدى الطويل. نعم لقد حافظ الإعلام العماني على مصداقيته في وقت فقدت فيه وسائل إعلام عربية عديدة مصداقيتها وثقة الجمهور فيها رغم الأموال الطائلة التي تنفق عليها. وفي تقديري أنّه مع انتهاء الأزمة فإنّ عددا كبيرا من الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية العربية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وارتكبت كل جرائم النشر من قذف وسب وتشهير وإهانة ستكون على موعد حتمي للخروج من السوق الإعلامي العربي، وربما يكون التخلص منها بعض قرابين المصالحة الخليجيّة المتوقعة، بعد أن خسرت بالفعل ثقة مموليها في قدرتها على الاستمرار وتحقيق أهدافهم، وثقة المشاهدين فيما تقدمه.

تعليق عبر الفيس بوك