الرياضة.. كفاءة الإدارة وإرادة التفوق

 

 

أحمد السلماني

إنَّ التاريخَ الإنسانيَّ، وعلى مر العصور، شَهِد قيامَ إمبراطوريات على أنقاض أخرى سابقة، بعد أنْ تمكنت الأولى من الثانية، وفي إحداها سُئِل مسؤولٌ كبيرٌ بعد سقوط دولته وافتضاح أمره بالتخابر مع أعداء دولته: كيف تسنَّى لك هذا الفعل الشنيع، ولم نكتشف حتى الآن دليلا واحدا على ذلك؟! فأجاب: لم أكن أفعل شيئا ولم أتخابر مع أحد، إنما كُنت أعيِّن وأَضَع الأشخاص في غير أماكنهم الصحيحة، وأستبعد الكفاءات عن المناصب والمهمات الكبيرة، وأضع مكانهم من هُم دون ذلك، وهذا كان كفيلاً بتدمير البلاد ذاتيا، وتسهيل مهمة الأعداء.

ولنا في التاريخ لعبرة، الطَّرح السَّابق لم يكُن سوى مثال يُمكن تعميمه على شتى مناحي الحياة ولكل المستويات؛ فوجود أشخاص في غير مكانهم الصحيح، والتوظيف السيئ للكفاءات والمحسوبية على حساب الجدارة، إنما هي أسلحة مُدمِّرة تفتك بالمؤسسة وتهدم البنيان مهما كانت صلابته وقوته، ولا يُمكن لأي من كان أن ينفي حقيقة ان الرياضة العمانية وعلى مدى تاريخها الحديث قد عانت يوما ما أو لا تزال تعاني من تغلغل بعض المتطفلين على بعض مفاصلها؛ الأمر الذي يُفسِّر التراجع المريع للكثير من الرياضات واللعبات رغم انطلاقتها القوية والمبشرة في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت، أو تلك التي توقفت عند حد معين، وارتضى القائمون عليها بما حققته، واكتفوا بضمان استمراريتها وإدامة دورة العمل بها والمنافسة على المناصب والسفر هنا للمشاركة في بطولة ما أو مؤتمر هناك، لتسجيل الحضور ورفع العلم مع بعض الاستثناءات البسيطة.

فلعبة عريقة بالسلطنة مثل الهوكي تعد أكبر مثال على التراجع في مستواها الفني، وانتشارها الجغرافي والتنس الأرضي لا يزال يدور في فلك واحد، ولا يرغب في القفز خارج السور المغلق الذي دائما ما يُنصب لأي مجلس إدارة يأتي، وأكثر ما يتحفنا به هو أخبار اجتماعاته ومستقبل إنجازاته الذي وضعه في سلة النجمة فاطمة النبهانية، التي أقصى ما وصلت إليه من تصنيف دولي كان 362 للفردي، و238 في الزوجي، لكن "جزاها الله خيرًا بعدها". ولعبات مثل اليد والسلة والطائرة، فالخط البياني لها ما بين صعود وهبوط، وحتى الآن تبدو غير مُقنعة رغم مُثابرة القائمين عليها، وبالإمكان أن نقيس باقي أوضاع اللعبات الأخرى التي تدار من اتحادات أو من قبل لجان في هذه الخانة.

أمَّا إنْ تحدَّثنا عن كرة القدم؛ فالبداية كانت كارثية، ولكنه وَضْع طبيعي حينها، ولكن في بداية تسعينيات القرن المنصرم شهدنا رؤية إستراتيجية تعتمد على النشء، وجنينا ثمار ذلك بحضور إقليمي وقاري ودولي، وصار لنا منتخب صُنِّف في يوم ما ضمن أقوى 10 منتخبات في آسيا، واليوم واقع الحال والتصنيف الدولى لمنتخبنا الوطني الأول ينبئ باليقين، ومع ذلك فهناك من يُطالب بالصبر لأنَّ اتحاد الكرة الحالي لا يزال يشق طريقه ويعمل بصمت ونحن أيضا سنصمت ولكن إلى حين.

وفي المقابل، فالوضع ليس سوداويا، فهناك أفق وأمل جديد، ورغبة شديدة لدى كفاءات بدأت تشق طريقها وتجد من يأخذ بيدها ويتبنى طموحاتها، واتحاد أم الألعاب نموذج لهذا، بعد أنْ شهدنا بزوغ نَجْم العداء مُحمَّد السليماني مثلا، ونطالب بأن لا يتم التركيز على رياضة العدو؛ فاللعبات الفردية الأخرى بأم الألعاب هي الأقرب لأن تهدي السلطنة الميداليات الملونة، وتضعها على منصات التتويج.

لذا؛ فإنَّ وضع الأسس والمعايير السليمة لانتقاء الكفاءات الرياضية الإدارية والفنية منها لإدارة الاتحادات واللجان الرياضية مَطْلب ضروري، وفي المقابل أتمنَّى أن تتملَّك الشجاعة كل من وَجَد نفسه غير قادر على التقدُّم للأمام أو تطوير مؤسسته الرياضية، بأن يتنحى، ويُفسح المجال لذوي الكفاءة والحماسة الشبابية.