المأزق السوري

 

 

لا تزال الأزمة السورية تَحُوم حول دائرة لا نهائية من العنف والقصف، فيما يُعَاني المدنيون من تشريد ونزوح في مُختلف الظروف، تحت أشعة الشمس الحارقة، وفي ظلام ليالي الشتاء الطويلة...وغيرها من الظروف غير الإنسانية.

المؤسف في هذه الازمة أنَّ أجيالا ستنشأ في المستقبل القريب لا تعرف بَيْتًا لها، ولا أسرة، أجيال تستيقظ على أصوات أزيز الطائرات الحربية وهدير الرصاص المتساقط، وانفجارات القنابل بمختلف أنواعها، فضلا عن تشوه وإعاقة عدد كبير منهم، نتيجة إصاباتهم العنيفة التي تعرضوا لها.

الأطراف المنخرطة في هذه الحرب الضروس، لا يأبهون بالجوانب الإنسانية، فلا همَّ لهم سوى إطلاق مزيد من النيران على بعضهم البعض، دون أي اكتراث للمدنيين، فنجد أعدادًا مضاعفة من القتلى من غير المسلحين. بل إن قوافل المساعدات الإغاثية تتعرض في بعض الأحيان للقصف؛ سواء كان مُتعمدا أم بدون قصد، لكن المحصلة واحدة، وهي أن آلافا من المشردين كانوا سيحصلون على مساعدات لكنها دُمرت.

التصاعد الخطير في الموقف العسكري -بين أكبر قوَّتين عسكريتين في سوريا؛ هما: الولايات المتحدة وروسيا- ينذر بعواقب وخيمة على جميع الأطراف الداخلية، وأيضا على الوضع الإقليمي المتأزم أصلا، فإسقاط الولايات المتحدة لطائرات سورية من شأنه أن يستفز الجانب الروسي الذي يمثل الحليف الأبرز للنظام الحاكم في دمشق، بل قد يدفعه إلى اتخاذ اجراءات ستضفي مزيدا من التعقيدات على المشهد المرتبك والدموي، ومنها قطع موسكو لقناة الاتصال الساخنة مع واشنطن، وهي القناة التي تسهم في تحقيق التواصل بينهما، وانقطاع هذا التواصل يهدد بانعدام التنسيق العملياتي لاسيما في الطلعات الجوية؛ مما قد يعني اعتبار كل طرف للآخر هدفا معاديا.

ومن المثير كذلك أنَّ الأطرافَ العالمية -سواء كانت الصين أو أوروبا- تغط في سبات عميق، وتعاني من صمت مطبق، إزاء هذا التطور بالغ الخطورة؛ الأمر الذي يستدعي ضرورة عودة هذه الأطراف إلى المشهد السوري لإحداث التوازن المطلوب وتهدئة الأطراف المنخرطة في عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية.

... إنَّ الأزمة السورية لن تنقشع سوى بنزع سلاح جميع الأطراف، وإخلاء البلاد من أي عنصر أجنبي؛ سواء في جانب المعارضة المسلحة أو القوات النظامية المقاتلة، ومن ثم تبدأ مفاوضات حقيقية داخل سوريا برعاية أممية، تَضْمَن انتقالا سلميًّا للسلطة على أسس جديدة ومعادلة سياسية مختلفة عن تلك القائمة حاليا.

تعليق عبر الفيس بوك