تكامل القيم وتأثيرها على الفساد (1- 2)

 

د. سلمى الطائي

إنَّ الفساد الإداري يوجد في أغلب دول العالم المتطور منها والنامي ومن ضمنها البلدان العربية وتختلف درجة انتشاره من بلد إلى آخر حسب الظروف في ذلك البلد..

 حاولت في مقالي هذا البحث وإلقاء الضوء على العلاقة بين بعض المتغيرات الاجتماعية والدينية والثقافية من جهة، والفساد الإداري من جهة أخرى..

 ومن بين هذه المتغيرات التقاليد والأعراف والقيم الاجتماعية والدينية.

 وبين النتائج الأساسية التي توصلت إليها الدراسة وجود علاقة إيجابية بين بعض هذه المتغيرات والفساد الإداري..

ولمواجهة هذا الوضع أي وجود فساد إداري في بلداننا النامية وعلى نطاق واسع نقترح ضرورة وجود تنسيق وتعاون بين المنظمات ومؤسسات الحكومة أي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والمؤسسات الدينية والسلطة القضائية والمجتمع المدني والإعلام.

فالسلطة التشريعية أو البرلمان يصدر القوانين ضد الفساد والمفسدين ويفترض بالسلطة التنفيذية تطبيق هذه القوانين بواسطة قضاء مستقل وعادل من طرف والمؤسسات الدينية من طرف آخر ومن خلال نشاطاتها ومجالسها وخطبها أن تُحرِّم وتنبُذ هذا التصرف غير الأخلاقي، حيث لا يليق بالمسلم أو المؤمن أن يتصرف ويستخدم أدوات الفساد الإداري من أجل مكسب مادي له ولعائلته ... أما منظمات المجتمع المدني فهي حلقة الوصل بين الدولة والمجتمع وهدفها الصالح العام وليس المصلحة الفردية على

افتراض أنها تتمتع بالروح الوطنية ولديها الشعور بالانتماء للوطن وأخيراً وليس آخراً فإنَّ دور الإعلام في غاية الأهمية لأنه يُساعد على زيادة الوعي بالجوانب السلبية للفساد والمساهمة في نجاح خطط التنمية في جميع مجالات الحياة..

 

فكلنا درسنا وتعلمنا في دراستنا الابتدائية عن القيم الاجتماعية ومعناها الجوهري بغض النظر عن نوع الديانة ومضمونها نظرًا لأهميتها الكبرى في تكوين وصقل شخصية الفرد محاولة (أي العملية التربوية) ترسيخ هذه القيم في ذهن الطالب بعمر الطفولة ومحاولة زرع هذه القيم الإيمانية والأخلاقية والدينية في وجدان الطفل أو طالب العلم لينشأ مواطناً صالحًا يبني الوطن بمُشاركة أبناء وطنه.

 

إنَّ تربية الإنسان نشاط قديم يقوم به الأفراد والمجتمعات منذ أن وجد وستظل تقوم  به وما زال إلى يومنا هذا ويقوم هذا النشاط عادة وفق تصورات مختلفة حول الإنسان الذي يربى وعن نوع الحياة التي

 يربى من أجلها.. وبما أنَّ التربية بجميع أشكالها وسيلة لتكوين القيم لهذا نجد كثيراً من التربويين يدعون إلى إجراء دراسات تحليلية للقيم التربوية لكن قلما نجد من ركَّز على القيم التربوية الدينية ونوعية الديانة بعينها دون أخرى مُراعين بذلك تعدد الديانات التي يتمتع بها وطننا العربي.

 

تعريف القيم : تعرف القيم بأنَّها المعايير والاعتقادات التي يستعملها شخص ما عندما يواجه وضعًا يُوجب عليه القيام بالاختيار.. وهي مجموع ما يحبه الشخص ويكرهه ووجهات نظره وميوله وأحكامه العقلانية واللاعقلانية وتحيزه والتفسير الذي يقوم به شخص ما للعالم المحيط به ...

 ومن القيم الاجتماعية التي أكد عليها ديننا الإسلامي وأكدت عليها تقريبا جميع الديانات الأخرى:

بِرُّ الوالدين، الصدق، المحبَّة، حب الوطن، الشجاعة،الصدق،التسامح،الإيثار،احترام الجار، الكرم،العقيدة، احترام الكبير، العطف على الصغير.

 

إنَّ الثقافة الاجتماعية مفهوم مُركب من مبادئ أساسية وهي: الأخلاق، والجمال والمنطق العملي والصناعة التعبيرية وإذا كان العنصر الأخلاقي هو الذي يُحدد شكل السلوك الفردي والجماعي؛ فإنَّ العنصر الجمالي هو الذي يحدد أسلوب الحياة في المجتمع وعليه فإنَّ الأخلاق هي التركيب التربوي لمُختلف عناصر الثقافة، ونظرًا لما للأخلاق من أهمية في تركيب مختلف عناصر الثقافة فقد

خصص معظم الفلاسفة دورا للأخلاق من الناحية الاجتماعية حيث تؤدي الأخلاق السامية إلى تماسك وتآلف أفراد المُجتمع وبالتالي تكوين وحدة تاريخية وبناء حضارة. وقد ضرب لذلك مثلا المجتمع الإسلامي المدني الذي وصف في القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة الأنفال (وألف بين قلوبهم ولو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم).

إنَّ الذي ينقص الثقافة في العالم الإسلامي ليس الأفكار فقط بل المنطق العملي ولكن منطق العمل وإثبات الحقيقة يفرض علينا عدم تعميم هذا الحكم على كل العالم الإسلامي والعربي دون إجراء دراسات ميدانية موضوعية في هذا المجال.

ولكن هناك أشخاص يفكرون ويؤمنون حقاً بالثقافة والقيم الإسلامية إلا أنَّ سلوكهم لا يتماشى مع اعتقادهم وإيمانهم بل وحتى مع عواطفهم مما يطرح إشكالية البعد والتباعد بل والتناقض أحيانًا بين القيم النظرية والسلوكية التي تمثل الجانب العملي للقيم.

 

**كاتبة عراقية

Forat.org@yahoo.Com

تعليق عبر الفيس بوك